Skip to main content

البيانات المفوضية السامية لحقوق الإنسان

الكشف عن الحقيقة وتحقيق العدالة: معالجة أزمة المفقودين والمحتجزين في سوريا

06 أيّار/مايو 2022

أدلى/ت به

ميشيل باشيليت، مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان

في

مؤتمر بروكسل السادس

المكان

بلجيكا

حضرة المتحدّثين الكرام،
أصحاب السعادة،
أيّها الزملاء الأعزّاء،

يشرّفني أن أشارك في هذا الحدث المميّز، إلى جانب زملائي الملتزمين القضية نفسها. ويشرفني أن ينضم إلينا اليوم ممثلون عن الجمعيات المعنية بالناجين والأسر، التي لا توفّر أيّ جهد من أجل كشف الحقيقة وتحقيق العدالة للأشخاص المفقودين في سوريا. وأعترف بالضرر الشخصي الذي تتسبب به هذه المساعي، ونحن هنا اليوم لأنكم أنتم وجمعيات أخرى طالبتم بشجاعة ومن دون أي كلل أو ملل، بأن تعرف الأسر ما حدث لأحبائها، أكانوا من المحتجزين أم من المختفين أم من المفقودين.

تستعرض حلقة النقاش هذه موقفنا من معالجة مأساة المفقودين والمحتجزين في سوريا بعد مرور 11 عامًا على اندلاع النزاع. فالوضع لا يزال مفجعًا ومروّعًا، تمامًا كما أظهره قبل أسبوع مقطع الفيديو الصادم من حيّ التضامن، الذي عرض مشاهد عن رجال عزل اعتقلهم رجال يرتدون زيًا عسكريًا ثمّ دفعوا بهم إلى حفرة حيث تم إعدامهم وحرقهم. ومن جديد، تضطر الأسر في سوريا إلى إلقاء نظرة على الصور الوحشية المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي بحثًا عن أفرادها المفقودين.

ولكننا نقف اليوم أيضًا أمام فرصة تسمح لنا بالحصول على مزيد من المعلومات حول الانتهاكات المرتَكَبة، وعلى شهادات الأشخاص الذين عايشوا ما جرى.

هناك أمران واضحان بالنسبة إلى أسر المفقودين، التي تعيش كابوس عدم معرفة الحقيقة الرهيب:

لا يمكن بعد اليوم أن يبقى الوضع الراهن قائمًا. وهذا ليس رأيي أنا فحسب، بل إنّ كل شخص تحدَّثَتْ إليه مفوضيّتنا خلال الأشهر الماضية أثار هذه النقطة بالذات. وللأسف، لم يتم إحراز أيّ تقدّم يُذكَر على مستوى تقديم الإجابات ودعم أسر الأشخاص المفقودين. وبالتالي، عاش الكثيرون في سوريا سنوات من الألم ومن عدم معرفة ما جرى لأحبائهم، ومن الخوف من الأسوأ، فيما استغلّ الأشخاص الذين يسعون إلى الاستفادة من الصمت المدقع بشأن هذه القضية خيوط الأمل الأخيرة. وتصل معاناة أقارب المختفين إلى حد التعذيب، تمامًا كما أشار إليه فريق الأمم المتحدة العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي. وهذه ليست بقضية مجردة بالنسبة إلي، فأنا من شيلي وقد شكّلت قضية المفقودين في بلادي مشكلة بارزة منذ سنوات عديدة. لذا، هذا الواقع حقيقي بالنسبة إلي. وأدرك تمامًا ما يعنيه أن تكون من المفقودين، لأنّني كنت من عدادهم لعدة أيام، ولحسن حظي بقيت على قيد الحياة.

ثانيًا، إن شجاعة وقوة وتصميم العديد من الجمعيات الأسرية ومنظمات المجتمع المدني الأخرى في الدفاع عن حقوق الأسر والمفقودين تحمّلنا جميعًا المسؤولية. وأحيي بشكل خاص عمل الجمعيات الأسرية الخمس، التي تشارك اثنتان منها في مناقشة اليوم، على إصدارها ميثاق الحقيقة والعدالة العام الماضي. وتقدم هذه الوثيقة رؤية واضحة لمعالجة أزمة المفقودين في سوريا وتعطي شرارة أمل لنا جميعنا نحن الذين نعمل من أجل العدالة والحقيقة للضحايا. أكرر دعوتي إلى إنشاء مؤسسة جديدة يمكنها الكشف عن مصير الأشخاص المفقودين وأماكن وجودهم وتقديم الدعم إلى الأسر. ويجب أن يتعاون هذا الكيان مع الهيئات القائمة الأخرى من أجل تجاوز الأزمة وكسر الجمود، والسماح للأسر بالبحث عن إجابات بطريقة محترمة تصون كرامة أفرادها.

أصحاب السعادة،

على عملنا المرتبط بالمفقودين أن يعتمد ويسترشد بثلاثة عناصر.

أولاً، يجب تطبيق نهج يتمحور حول الضحايا/ الناجين، وإشراك أسر المفقودين التي هي أيضًا من الضحايا. وبما أنّ الأسر هي الأكثر تضررًا، تُعَدّ تجاربها وأصواتها ضرورية للتوصّل إلى الحلول المطلوبة. ويجب الاعتراف بمشاركتها الهادفة وخبراتها من أجل تحديد ما هو ضروري لدعم الأسر والمجتمعات ودمجها.

ثانيًا، يجب مراعاة الأثر الجنساني والأثر على الأجيال عند فقدان أيّ شخص. وبإمكان الناجيات السوريات والنساء اللواتي اختفى أقاربهن من الذكور أن يشهدن على تعدد المشاكل القانونية والعملية الإضافية التي يواجهنها لمجرّد أنهن من النساء، ويعود سببها جزئيًا إلى استمرار القوانين والممارسات التمييزية القائمة من قبل اندلاع النزاع حتّى. فحياتهنّ مجمّدة بطرق محددة للغاية. كما أنّ المحتجزات يواجهن وصمة عار إضافية أثناء الاحتجاز وبعد الإفراج عنهن، شأنهنّ شأن أسرهنّ. وتواجه النساء اللواتي يصبحن بين ليلة وضحاها ربات الأسرة نتيجة اختفاء أقاربهن من الذكور، خيارات رهيبة. فقد تقبل النساء مثلاً، بشهادات وفاة مشكوك فيها تفيد بوفاة أحبائهن، بهدف الحصول على الحق في إعالة الأسرة وتغطية احتياجاتها المالية. ويُجرد أطفال الآباء المختفين من طفولتهم. لذا، يجب أن تأخذ الجهود المبذولة لتلبية احتياجات أسر المفقودين هذه الأضرار الجنسانية وأثرها على الأجيال في الاعتبار.

ثالثًا، إن معرفة الأسر ما حدث لأحبائها ليس بمجرد حاجة ملحة، بل هو حقّ من حقوق الإنسان: الحق في معرفة مصير ومكان وجود أقاربها والحق في معرفة الحقيقة في ما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان التي ربما تعرضوا لها. ويشكّل إعمال هذين الحقّين جزءًا لا يتجزأ من تحقيق أي شكل من أشكال المساءلة عن الانتهاكات والجرائم المرتكبة في سوريا، وأكرّر أنّه يجب السماح لوكالات حقوق الإنسان والوكالات الإنسانية الأخرى بالوصول إلى جميع الأماكن التي يُحتجز فيها المعتقلون والمخطوفون. وأرحب بمشاركة كاثرين من الآلية الدولية المحايدة المستقلة وباولو من لجنة التحقيق، حيث تؤدّي مؤسستاهما دورًا أساسيًا في متابعة المساءلة الجنائية في سوريا، وهو مطلب مركزي آخر للناجين والضحايا. ومن خلال تعاوننا يمكننا أن ندعم الضحايا في سوريا، الذين يسعون إلى تحقيق العدالة بجميع أشكالها.

وكما قلت في كلمتي أمام الجمعية العامة الشهر الماضي، تشكّل دراسة أمين عام الأمم المتحدة جزءًا حيويًا من جهودنا الرامية إلى معالجة أزمة المفقودين في سوريا.

لكنها ليست غاية في حد ذاتها. ويجب أن تؤدي إلى تغيّرات عملية وملموسة. مفوضيّتنا ملتزمة بمواصلة العمل ودعم الأسر التي طال انتظارها.

وشكرًا.

الصفحة متوفرة باللغة: