البيانات المفوضية السامية لحقوق الإنسان
باشيليت تدعو إلى إعادة الحكم المدني وإلى تحقيق انتقال ديمقراطي في السودان
05 تشرين الثاني/نوفمبر 2021
بيان مفوّضة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشيليت
في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021
سيّدتي الرئيسة، أصحاب السعادة،
إنّ استيلاء الجيش على السلطة في السودان في 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2021 مقلق للغاية. ويشكّل خيانة لثورة 2019 الشجاعة والملهمة، ويتعارض مع القانون الدولي لحقوق الإنسان، ومع الوثيقة الدستورية الخاصة بالبلاد والوثائق التأسيسية الأخرى للمرحلة الانتقالية.
فالأحداث التي وقعت منذ الانقلاب أعادت إلى الأذهان صفحة قاتمة في تاريخ البلاد، تم خلالها خنق حرية التعبير وقمع حقوق الإنسان بشكل شامل. وقد تمّ اعتقال العديد من الأشخاص واحتجازهم، بمن فيهم عدد من الوزراء وأعضاء الأحزاب السياسية، والمحامين والناشطين من المجتمع المدني، والصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان وقادة الاحتجاجات. كما وُضِع رئيس الوزراء، عقب اعتقاله، قيد الإقامة الجبرية، في حين أعلن التلفزيون الرسمي يوم أمس عن إمكانية إطلاق سراح أربعة وزراء.
إن أماكن وجود معظم المعتقلين لا تزال مجهولة، وقد احتجزوا في الحبس الانفرادي مع منع الاتّصال ومن دون السماح لهم بمقابلة محاميهم أو أقاربهم، وقد ضاعف الاختفاء القسري خطورة اعتقالاتهم التعسفية.
يجب الإفراج فورًا عن جميع المعتقلين والمحتجزين منذ الانقلاب العسكري، تمامًا كما دعا إليه مجلس الأمن، وكرره أمين عام الأمم المتحدة أمس. وهذه الخطوة ضرورية أيضًا من أجل إطلاق الحوار المطلوب بشكل عاجل والعودة سريعًا إلى الحكم المدني.
قوبلت الاحتجاجات الحاشدة التي عمّت الشوارع منذ 25 تشرين الأول/ أكتوبر أكثر من مرّة، بالاستخدام المفرط للقوة، بما في ذلك استخدام الذخيرة الحية، لا سيّما في الخرطوم وفي أم درمان، بحسب ما وثّقه مكتب الأمم المتحدة المشترك لحقوق الإنسان في السودان. وبحسب مصادر طبية، قُتل ما لا يقل عن 13 مدنيًا على أيدي القوات العسكرية والأمنية منذ 25 تشرين الأول/ أكتوبر، كما أصيب أكثر من 300 آخرين.
يجب أن يتوقّف فورًا هذا الاستخدام غير المتناسب والمميت للقوة، من قبل القوات المسلحة السودانية، وقوات الدعم السريع، وقوات الأمن الأخرى، بما في ذلك عناصر الشرطة العسكرية والاستخبارات. ويجب محاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان الأخرى بشكل كامل، ومساءلتهم عن أفعالهم.
وفي بلد كانت فيه النساء والفتيات قائدات نشطات في الحركة من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، ورد أن العديد من الناشطات تعرّضن للاعتقال والمضايقة والتهديد، وفي حالات كثيرة تعرّضن للضرب أثناء المشاركة في الاحتجاجات. ووردنا أيضًا العديد من التقارير المقلقة التي تفيد بتعرّض النساء إلى العنف، بما في ذلك خلال مداهمة مبنى سكن للطالبات، يقع بالقرب من المقر العسكري في الخرطوم، نُفِّذَت في 25 تشرين الأول/ أكتوبر فجرًا. وقد تعرَضت الطالبات للترهيب والضرب، ما أدى إلى إصابتهن بجروح.
كما استهدف عملاء أمن الدولة الذين يرتدون عادة ملابس مدنية، الجهات الفاعلة الأساسية في الحيّز المدني. ووثّق مكتب الأمم المتحدة المشترك لحقوق الإنسان عمليات اعتقال واحتجاز صحفيين وأعضاء لجان المقاومة وناشطين. وتعرضت صحيفة الديمقراطي في الخرطوم ووكالة السودان للأنباء لمداهمات من قبل قوات عسكرية ومجهولة الهوية، وتمت إقالة المدير العام للإذاعة والتلفزيون. وتمّ إبلاغنا بأن جميع المحطات الإذاعية والقنوات التلفزيونية في البلاد توقفت عن البث، باستثناء تلفزيون السودان الوطني وإذاعة أم درمان، الخاضعَين لسيطرة السلطات العسكرية. وتوقّفت الصحف عن نشر أعدادها. كما جرت مداهمة عدد من مكاتب منظمات المجتمع المدني.
بالإضافة إلى ذلك، تم حجب الإنترنت عن كامل البلاد منذ 25 تشرين الأول/ أكتوبر، في انتهاك إضافي للقانون الدولي لحقوق الإنسان.ما منع السكان من الوصول إلى المعلومات، بما في ذلك المعلومات المهمة بشأن الخدمات، وقوّض إلى حد كبير قدرة موظّفينا على العمل.
ولكن، على الرغم من القيود المفروضة على حرية التنقّل وانقطاع الاتصالات، تمكن مكتب الأمم المتحدة المشترك لحقوق الإنسان في السودان من مواصلة عمله الأساسي في رصد حقوق الإنسان ورفع التقارير بشأنها، بالتعاون مع شركائه من المجتمع المدني. كما يواصل أنشطته الدعوية بهدف تحديد هوية جميع المحتجزين وموقعهم ووضعهم القانوني، من أجل زيارتهم للتحقق من أوضاعهم وظروف احتجازهم.
سيّدتي الرئيسة،
ألحظ التقارير التي تفيد بأن المحادثات جارية في الخرطوم بين القيادتَيْن العسكرية والمدنية.
وأحثّ القادة العسكريين في السودان، وجميع مؤيديهم، على الانكفاء من أجل السماح للبلاد بالعودة إلى التقدم نحو الإصلاحات المؤسسية والقانونية. فقد شهد العامان الماضيان تقدمًا قيمًا نحو إنشاء لجنة وطنية لحقوق الإنسان ولجان أساسية مستقلة تنصّ عليها الوثيقة الدستورية، بما في ذلك لجان معنية بالعدالة الانتقالية، والأرض، والمرأة والمساواة بين الجنسين، والإصلاحات القانونية والفساد.
من المثير للاهتمام أن العديد من المقررين وأعضاء لجنة تفكيك نظام 30 حزيران/ يونيو 1989 ومكافحة الفساد واسترداد الأموال العامة قد تم استهدافهم واعتقالهم في الأسبوعين الماضيين. واللجنة هي الهيئة الانتقالية المكلفة بالتدقيق واسترداد الأصول العامة من ممتلكات النظام السابق، والتحقيق في الفساد وملاحقة مرتكبيه قضائيًا. واعتبارًا من 2 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، اعتُقل رئيس اللجنة الوطنية بالوكالة في الخرطوم، ورئيسها المناوب، ومقررها، والمتحدث الرسمي باسمها، وثلاثة من أعضائها. وعلى المستوى الإقليمي، تم اعتقال مقررَيْن اثنين وخمسة أعضاء من اللجان دون الوطنية في ولايات نيالا وسنار والجزيرة. كما اعتقل العديد من المتعاونين مع لجنة تفكيك النظام، بمن فيهم محامون مستقلون وموظفون حكوميون.
ما يشير إلى أن القادة العسكريين سعوا إلى إلغاء الالتزامات بالعدالة الانتقالية والإصلاحات المؤسسية ومكافحة الفساد وضمان عدم تكرار الانتهاكات السابقة المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية.
لقد أضرّ العمل العسكري أيضًا بالآفاق المستقبلية لاتفاق جوبا للسلام، الموقّع العام الماضي، وبالوضع في درافور. ففي حين أعطت السلطات العسكرية تأكيدات بأن اتفاق جوبا للسلام لن يتأثر، اعترض اثنان على الأقل من الموقعين الأساسيين على السيطرة العسكرية وهددا بالانسحاب من الاتفاق. ومن المرجّح أن تمتنع الأطراف غير الموقعة عن الانضمام إلى الاتفاق حاليًا.
أذكّر المجلس بأن أي توتر بين هذه الجهات المسلحة قد يؤدي إلى تفاقم التوتر الميداني في دارفور، وقد يولّد من جديد مخاطر تهدّد مباشرةً المدنيين في تلك المنطقة.
أصحاب السعادة،
ساهمت مفوضيّتنا مساهمةً حثيثة في مساندة السلطات الانتقالية الديمقراطية في السودان على بناء القدرة الوطنية على إصلاح التشريعات والسياسات، وتعزيز سبل الانتصاف القضائية، وبناء هيئات عدالة انتقالية سليمة، وتوسيع الحيّز المدني، ودعم حقوق الإنسان لجميع السكان.
فأصبحت السودان منارة للتقدم في المنطقة، ومن الملح للغاية استعادة الحكم المدني، ومعه مسار واضح وقائم على المبادئ نحو الإصلاحات التي من شأنها أن تحقق تطلعات الشعب في الديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان.
للشعب السوداني الحق في حرية التعبير والتجمع السلمي. والاستخدام المفرط للقوة، مثل إطلاق الرصاص الحي، بهدف قمع التعبير عن هذه الحقوق، غير قانوني وغير مبرر على الإطلاق. يجب إعادة الإنترنت وجميع أشكال الاتصال، بما يتماشى مع القانون الدولي. فهذا أمر بالغ الأهمية كي يبقى الناس على اطلاع على آخر المستجدّات خلال الأزمات مثل تلك الراهنة، وكي يظلّوا قادرين على التواصل مع بعضهم البعض. وكما ذكرنا سابقًا، يجب إطلاق سراح جميع المحتجزين تعسفًا، بهدف إطلاق الحوار والعودة إلى الحكم المدني.
كلّي ثقة بأن هذا المجلس سيتخذ الإجراءات المناسبة لضمان الرصد المركّز والخبير لجميع جوانب حالة حقوق الإنسان في البلاد، من خلال إنشاء آلية مناسبة ومستقلة، في موازاة الدعم الذي تستمرّ الأمم المتحدة، بما فيها المكتب المشترك لحقوق الإنسان، في تقديمه إلى السودان وشعبها.
يجب أن ندعم تطلعات الشعب السوداني الجلية إلى الديمقراطية، وإلى مجتمع لا يقوم على القوة التعسفية بل على سيادة القانون، وهي أمنية يواصل التعبير عنها وحق يستمر في المطالبة به، عن وجه حقّ، بكلّ شجاعة وكرامة.
شكرًا سيّدتي الرئيسة.