Skip to main content

البيانات الإجراءات الخاصة

زيارة ليلاني فرحة المقررة الخاصة المعنية بالحق في السكن اللائق إلى مصر

03 تشرين الأول/أكتوبر 2018

بيان نهاية البعثة

القاهرة، 3 تشرين الأول/أكتوبر 2018

بصفتي مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بالحق في السكن اللائق وعدم التمييز في هذا السياق، قمت بزيارة رسمية إلى جمهورية مصر العربية في الفترة الممتدة من 24 أيلول/سبتمبر إلى 3 تشرين الأول/أكتوبر 2018.

وقد حظيت باستقبال حار من جميع الذين التقيت بهم، وعقدت العديد من الاجتماعات البناءة مع مجموعة كبيرة من السلطات الحكومية العاملة في المجالات ذات الصلة بالحق في السكن. وأود أن أعرب عن تقديري للجهود الكبيرة التي تبذلها وزارة الشؤون الخارجية التي سعت إلى جعل هذه الزيارة ناجحة. كما أجريت مناقشات مع عدد من الممثلين من وزارة الإسكان والمرافق والتنمية العمرانية والهيئات الحكومية ذات الصلة، بما في ذلك صندوق تطوير المناطق العشوائية. والتقيت بوزير الشؤون الخارجية، ووزير العدل، ورئيس المحكمة الدستورية العليا، واللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، ووزير المالية، ونائب وزير التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري ونائب وزير التضامن الاجتماعي وبعدد من النواب في البرلمان. وعقدت أيضاً اجتماعات فاعلة وغنية بالمعلومات المفيدة مع المجلس القومي للمرأة وكذلك مع الرئيس التنفيذي لصندوق الإسكان الاجتماعي. ويؤسفني أنني لم أتمكن من مقابلة المسؤولين في المجلس القومي لشؤون الإعاقة ووزارة الداخلية ووزارة الدفاع، لكنني أتطلع إلى أن أتلقى منهم أجوبة خطية على الأسئلة التي سأقدمها إليهم.

وتضمَّن برنامج البعثة إلى مصر زيارات إلى محافظات القاهرة والقليوبية والمنيا والجيزة. وتمكنت أثناء هذه الفترة من زيارة السكان في منازلهم، وفي العشوائيات، وفي المناطق غير المخططة، ومواقع الهدم وإعادة التأهيل، وفي مناطق السكن الاجتماعي التي أقيمت في المجتمعات الحضرية الجديدة على الأراضي الصحراوية.

ويأتي هذا البيان اليوم متضمناً النتائج والتوصيات الأولية في ما يتعلق بتنفيذ الحق في السكن اللائق في مصر. وفي تقريري النهائي الذي سأقدمه إلى مجلس حقوق الإنسان في آذار/مارس 2019، في جنيف، سأعرض تقييماً أكثر تفصيلاً للمواضيع التي سأتحدث عنها اليوم، فضلاً عن قضايا أخرى لم أتناولها في هذا البيان، بما في ذلك مجموعة أكثر تفصيلاً من التوصيات.1

وقد شهد تاريخ مصر الحديث بعض الاضطرابات وبالرغم من حالة الطوارئ التي تمر بها حالياً- إلا أنها تسعى إلى معالجة أوجه القصور الاجتماعي والاقتصادي. وشهدت مرحلة ما بعد الثورة زيادة كبيرة في عدد العشوائيات والمناطق غير المخططة التي تستوعب نسبة كبيرة من الاحتياجات السكنية للسكان الذين يتزايد عددهم بسرعة فائقة. ولعدة سنوات لم تُعقد انتخابات الحكومة المحلية والتي تعد ضرورية لسياسات الإسكان التي تركز على المواطنين على مستوى المجتمع.

لقد صادقت مصر على العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الذي تم تفعيله محلياً وبالتالي أصبح يتمتع دستورياً بوضع يرقى فيه على القوانين واللوائح الوطنية. ولم تصادق الدولة بعد على أي آلية دولية لتقديم الشكاوى بموجب معاهدات حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، مما يحد من قدرة سكانها على تقديم أي شكاوى فردية إلى هيئات المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان. ومن جانبي أحث على وجه الخصوص الحكومة المصرية على المصادقة على البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

وأعرب عن ترحيبي بإعلان دستور مصر لعام 2014 عن حق المواطنين في السكن اللائق والآمن والصحي بما يحفظ كرامة الإنسان ويحقق العدالة الاجتماعية (المادة 78). كما تُلزم هذه المادة الحكومة بوضع خطة استراتيجية للإسكان من أجل تنظيم الأراضي التابعة للدولة والتصدي للعشوائيات والمناطق غير المخططة. ولم يتم تقديم أي قضايا حتى الآن إلى المحكمة الدستورية العليا بموجب المادة 78.

وقد أقرت الحكومة بأنه لم يتم مراجعة أو تعديل معظم القوانين التي تحكم مسألة الإسكان قبل صدور دستور 2014 حتى الآن لضمان توافقها مع الدستور الجديد، بالرغم من أن هذه الإجراء كان من المزمع القيام به. وكان من دواعي سروري معرفة أن البرلمان قد مرَّر في شباط/فبراير 2018 قانوناً جديداً يتعلق بحقوق ذوي الإعاقة ويخصص لهم ما لا يقل عن 5 بالمئة من الإسكان الاجتماعي الجديد، بالرغم من أنه لا يفعِّل على ما يبدو المادة 19 من اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة من خلال ضمان الحصول على دعم السكن اللازم لمن يعانون إعاقات نفسية واجتماعية كي يتمكنوا من العيش باستقلالية في مجتمعاتهم.

كما لاحظت أن الحكومة المصرية لم تعتمد بعد خطة أو استراتيجية إسكان وطنية وفقاً للدستور. وأعتقد أنه كي تتمكن مصر من الوفاء بالتزاماتها وفقاً للهدف 11 من أهداف التنمية المستدامة لخطة عام 2030، يجب على الحكومة أن تجري المشاورات وأن تضع خطة إسكان وطنية، مستندة في ذلك إلى المبادئ الرئيسية العشرة لحقوق الإنسان التي حددتها في تقريري الأخير المقدم إلى مجلس حقوق الإنسان.2  ويسعدني عرض مساعدتي للحكومة المصرية للقيام بذلك.

وأكدت لي حكومة مصر التزامها بالإعمال التدريجي لحق الجميع في الحصول على سكن لائق. وفي عام 2016، أعلن رئيس مصر أن الحكومة الوطنية ستوفر مليون وحدة سكنية لمواجهة النقص في المساكن في الدولة، وهذا يُعد هدفاً طموحاً. وخلال فترة زمنية وجيزة تم بناء حوالي 600,000 وحدة سكنية رائعة، وبلغني أن الحكومة تُجري حالياً تقييماً للاحتياجات بالتعاون مع البنك الدولي، لضمان أن المعروض من الوحدات السكنية يتناسب مع حجم الطلب على المساكن. وأؤكد على أن تقييم الاحتياجات يجب أن يقوم على مؤشرات حقوق الإنسان.

ووفقاً لصندوق الإسكان الاجتماعي، يحتاج ما بين 75 إلى 80 بالمئة من السكان إلى شكل من أشكال الدعم من أجل ضمان تملك المساكن رسمياً مع ضمان حيازتهم لها. ويشير هذا إلى وجود عدم توازن بين متوسط الدخل وتكلفة السكن، وقد تفاقم ذلك بسبب ارتفاع تكاليف الإسكان بوتيرة أسرع من الدخل. ويهدف برنامج الإسكان الاجتماعي إلى سد بعض الاحتياجات السكنية على الأقل عن طريق توفير السكن للأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط عن طريق تقديم نموذج مرن لشراء المنازل مع قروض عقارية مدعومة على مدى 20 عاماً. ويستهدف 86.9 بالمئة من برنامج الإسكان الاجتماعي مستويات الدخل بين 1001 جنيه – 2,500 جنيه. وفي الوقت الحالي ينتمي 2.2 بالمئة فقط من جميع المستفيدين من برنامج الإسكان الاجتماعي إلى أدنى شريحة دخل أقل من 1,001 جنيه.

وبرنامج الإسكان الاجتماعي هو برنامج مبتكر مالياً يستحق الدعم المستمر. ويتم تشجيع البرنامج على مراجعة مخصصاته باستمرار لضمان مساعدة من هم في أمس الحاجة إلى الدعم. وخلافاً للإعلان الأخير لصندوق النقد الدولي بأن مصر يجب أن "تعتمد بشكل أكبر على القطاع الخاص"، فإنني أشجع الحكومة بقوة على الحفاظ على صندوق الإسكان الاجتماعي كبرنامج حكومي غير ربحي وليس كبرنامج يعتمد على القطاع الخاص المدفوع بالربح.

ويعيش في العشوائيات ما يقرب من 38 مليون شخص في مصر. وتُعرّف هذه المناطق بأنها أماكن أقام السكان على أرضها منازل دون سند قانوني رسمي للأرض التي يعيشون عليها ولا تتوافق منازلها بالضرورة مع الخطط العمرانية ومعايير البناء. وتُدرك مصر التزاماتها لتطوير العشوائيات وفقاً لأهداف التنمية المستدامة وبدأت في القيام بذلك، مع إعطاء الأولوية للمناطق غير الآمنة أو المناطق التي تعتبر مهددة للحياة، على سبيل المثال، المناطق المعرضة للفيضانات والمجتمعات القريبة من خطوط السكك الحديدية أو تكوينات جيولوجية قابلة للانزلاق. وقد التزمت الدولة بالقضاء على "المناطق غير الآمنة" بحلول عام 2019، وتطوير المناطق غير المخططة على المدى المتوسط، والتصدي لتوغل العشوائيات وظهور عشوائيات جديدة على المدى الطويل.

والجدير بالثناء أن مصر وضعت هذه الأهداف لنفسها وهي تتقدم بشكل تدريجي نحو تلبية الاحتياجات السكنية الكبيرة لسكانها. كما أود أن أثني أيضاً على رفض الحكومة عمليات الإخلاء القسري الجماعية للسكان، بما أن 40 بالمئة منهم يعيشون في مناطق غير مخططة وعشوائيات. لكنني مع ذلك أشعر بالقلق بسبب عدم وجود مشاورات هادفة ومشاركة فعلية مع سكان هذه العشوائيات لتحديد مستقبلهم. وتتبنى الحكومة نهجاً تصاعدياً على أرض الواقع يعالج مشكلات الإسكان عن طريق البناء. ويجب تعزيز المشاورات الهادفة في جميع نواحي عملية التطوير من تصنيف العشوائيات، وتقييم احتياجات المجتمع من أجل التحسين، وتصميم مشاريع تطوير والتخطيط لها وتنفيذها، بما في ذلك المجتمعات التي تقع في مناطق غير آمنة. وعلاوة على ذلك، علمت بوقوع عمليات إخلاء قسري في بعض الحالات على النحو المحدد في القانون الدولي لحقوق الإنسان، ولم يكن التعويض كافياً، ونادراً ما يُنظر في خيارات أخرى مثل إعادة تأهيل الموقع أو البناء الاجتماعي للمساكن.

وفي عام 2009 كان هناك 461 منطقة مصنفة على أنها غير مخططة، صُنف 44 منها مناطق غير آمنة، و317 مناطق إيواء غير مناسبة، و75 مناطق خطر على الصحة و25 مناطق حيازة غير آمنة. وبالنسبة إلى تلك الأماكن المصنفة على أنها غير آمنة، مثل منطقة الدويقة، فإن سياسة الحكومة هي إما ترحيل سكانها أو تقديم تعويضات إليهم تُمكنهم من البحث عن خيارات سكنية بديلة. أتفهم أنه قلما حاولت الحكومة التخفيف من حدة المخاطر وتطوير الموقع في حالات المناطق غير الآمنة، بالرغم من أن ذلك قد يكون ممكناً في بعض الحالات إذا تمكنت الحكومة من المشاركة الفعالة مع المجتمعات والعمل معاً لإيجاد خيارات ممكنة للبقاء.

وتجدر الإشارة إلى أن المعيار الدولي المتبع حالياً هو إعادة تأهيل الموقع على نحو تشاركي. لكن يبدو أنه لا يتم اتباع هذا الأمر كسياسة واسعة النطاق في مصر. وسمعت عن اثنين من هذه المشاريع؛ مشروع إعادة تأهيل بالتنسيق مع المجلس القومي للمرأة في السوق القديمة وكذلك مشروع تطوير روضة السيدة.

وفي ضوء طلبات الإسكان الكبيرة والقيود المساحية في مصر، تعتبر إعادة التأهيل سياسة ضرورية وقابلة للتطبيق – حيثما أمكن - بما في ذلك المناطق التي تم تصنيفها على أنها غير آمنة.

وبموجب القانون الدولي، يعتبر الإخلاء القسري (أي الإبعاد غير الطوعي للأشخاص من ديارهم وأراضيهم) انتهاكاً جسيماً لحقوق الإنسان، وبالتالي يجب النظر في كل بديل للانتقال، وعندما يكون الخيار الوحيد القابل للتطبيق هو الانتقال يُشترط حينئذ تقديم تعويض مناسب أو توفير سكن بديل. وقد بلغني أنه في بعض حالات الإخلاء في مصر، يضطر السكان للعيش على مسافة بعيدة من مساكنهم الأصلية، في مواقع الإسكان مثل حي الأسمرات، بعيداً عن مصادر التوظيف السابقة، ما يعطل في بعض الأحيان النسيج الاجتماعي للمجتمع. ويبدو أنه هناك محاولات تبذل في بعض مناطق إعادة التأهيل لضمان الوصول إلى المواصلات والعمالة والخدمات الأساسية مثل المستشفيات والمدارس والأسواق.

ويتطلب بناء مجتمعات جديدة بالكامل لإيواء جزء صغير فقط من إجمالي السكان المقيمين في المناطق غير المخططة من الحكومة المصرية استثمار مبالغ كبيرة. ويمكن تسخير هذه الموارد على قدم المساواة لتحسين المساكن المتاحة وظروف المعيشة في المناطق غير المخططة الحالية حيث يعيش 40 بالمئة من السكان بالكامل.

سيكون هذا ممكناً بالتأكيد في الحطابة، وهي حي قديم يعود تاريخه إلى قرون من الزمن ويضم آثار مهمة في قلب القلعة وهو في حاجة ماسة إلى إعادة التأهيل. وأعرب أفراد المجتمع أمامي عن رغبتهم في العمل بشكل تعاوني مع الحكومة، ليس لتحسين ظروف السكن فحسب، بل أيضاً للعمل كحماة للآثار التي يشعرون بانتمائهم إليها. ويُعد هذا أفضل من صدمة نقل مجتمع عمره قرون من مكان إقامته المعتاد. وشعرت بالطمأنينة لسماع أن وزارة الإسكان تمكنت بالتعاون مع وزارة الآثار، من إعادة النظر في عملية الهدم المزمعة لتلك المنطقة وأن هناك خطة قيد التطوير لإشراك أفراد المجتمع وضمان بقائهم في الموقع. وسيكون من دواعي سروري أن أدعم مثل تلك النتائج الناجحة في منطقة الحطابة.

وفي سبيل إنجاح برامج تطوير الحكومة يجب: 1) المشاركة في مشاورات مفيدة مع السكان المحليين على النحو المحدد في القانون الدولي لحقوق الإنسان؛ 2) النظر في خيارات تأهيل الموقع حسب كل حالة؛ 3) عندما يكون الانتقال هو البديل الوحيد القابل للتطبيق، يجب أن يكون مناسباً، وقريباً من السكن الحالي للسكان، وكذلك من فرص العمل والمدارس ومرافق الرعاية الصحية وخدمات النقل؛ 4) في حال تقديم تعويض يجب أن يكون كافياً للحصول على السكن اللائق في موقع قريب يتناسب مع أسعار السوق.

وعند وضع استراتيجيات وسياسات للعشوائيات، فإنني أحث الحكومة على أن تسترشد بالتوصيات السبع لتحسين العشوائيات، على النحو المبين في تقريري الذي سأقدمه إلى الجمعية العامة في تشرين الأول/أكتوبر 2018. .3 كما أحث الحكومة على الاستفادة من المبادئ الأساسية والمبادئ التوجيهية المتعلقة بعمليات الترحيل بدافع التنمية. 4 ويسعدني تقديم يد المساعدة إلى الحكومة في هذا المسعى.

هذا وقد شرعت مصر في تطوير 42 مدينة جديدة في أنحاء البلاد، خصوصاً بالقرب من المراكز الرئيسية لمدينة القاهرة والجيزة والإسكندرية. وأنفقت الحكومة موارد ضخمة وبذلت جهود كبيرة للتخطيط لهذه المدن وتطويرها وإنشائها لإعادة توجيه السكان بعيداً عن العشوائيات في المراكز العمرانية. وقد زرت العديد من هذه المدن مثل مدينة 6 أكتوبر ومدينة المنيا الجديدة. وبحسب المعلومات التي حصلت عليها، ستتضمن هذه المدن الجديدة التكنولوجيات الحديثة وستكون مدناً مستدامة بيئياً وسيجري توفير سكن مناسب لمستويات الدخول المتفاوتة. وقد فوجئت حين علمت بأن بعض هذه المدن تشكو انخفاضاً في معدلات إشغالها مما تسبب في عدم تشغيل المدارس والعيادات الصحية وفي قصور خدمات الطوارئ ووسائل المواصلات والعجز في إمكانية الوصول إلى الموارد الغذائية. وقيل لي إن واحدة من المدن الجديدة وهي مدينة 6 أكتوبر، قد وصلت إلى معدل اشغال يبلغ 75 بالمئة فقط. وتبلغ نسبة الإشغال في القاهرة الجديدة في مرحلتها الأولى 65 بالمئة، والشيخ زايد 50 بالمئة فقط، والشروق 55 بالمئة. كما يتجلى عدم وجود مزيج من الدخل في المناطق السكنية وميل أصحاب الدخول المرتفعة نحو سكن الأحياء المُسيجة. وقد ترغب الحكومة في إعادة التفكير في هذا النهج والاستعاضة عنه بمنهج أكثر شمولًا من الناحية الاجتماعية.

وتُعزى قلة عدد السكان في هذه المدن إلى سببين رئيسيين. المعضلة الأولى تكمن في عزوف الكثيرين عن الإقامة في مكان يفتقر إلى البنية التحتية اللائقة ومن غير المحتمل تطوير هذه البنية التحتية نظراً لانخفاض معدلات الإشغال. وفي نفس الوقت، ينظر المصريون إلى هذه المدن بوصفها فرصاً للاستثمار العقاري حيث يشتري الأفراد والعائلات الوحدات العقارية لاستخدامها مستقبلاً أو لحفظ مدخراتهم وزيادتها. وفي ظل انخفاض معدلات الإشغال، هناك خطر حقيقي يتمثل في أن تغدو هذه المدن مدناً ميتةً على الدوام مع ترك سكانها يعيشون في سكن غير لائق وغير مستدام.

وبالتشاور مع السكان الحاليين للمدن الجديدة، يجب على الحكومة مراجعة أسباب انخفاض نسب الإشغال وتطوير خطط إستراتيجية لضمان استمرارية المدن الجديدة. ويجب على الحكومة أيضاً أن تضمن تخصيص الموارد الكافية بشكل متساوٍ حيث تعيش غالبية السكان حالياً، ولا سيما في المناطق غير المخططة والتي تفتقر إلى المقومات المركزية للسكن اللائق مثل الخدمات الأساسية والبنية التحتية الاجتماعية الكافية.

وبصفة عامة، يُشكل إضفاء الطابع التجاري على السكن مصدراً للقلق في مصر. إذ يميل المصريون بحكم ثقافتهم إلى اقتناء العقارات بوصفها نوعاً من الاستثمار. وقد علق أحد الخبراء بقوله "النظام المصرفي في مصر قائم على العقارات". ووفقاً للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، هناك 3,8 مليون وحدة على الأقل مُغلقة للاستثمار العقاري. وقد تزداد هذه الظاهرة سوءاً في ظل نوايا الحكومة الحالية غير المعلنة تجاه السوق العقاري بمصر بوصفه منتجاً تصديرياً وذلك عن طريق إغراء المستثمرين الأجانب للقدوم إلى البلاد. وفي هذا الصدد، أفصحت الحكومة عن مصلحتها في مباشرة إنشاء مشروعات التطوير الفخمة في جميع أنحاء القاهرة. وهناك مخاوف من وقوع جزيرة الوراق فريسة لهذه الرؤية. وبالرغم من عدم تمكني من زيارة الجزيرة، إلا أنني حصلت على شهادات مباشرة من سكان الجزيرة بشأن عملية الإخلاء التي حدثت. وتحدث السكان عن خوفهم المستمر من التهجير وذلك بالرغم من ارتباطهم تاريخياً بهذه الجزيرة وامتلاك الكثير منهم عقوداً مسجلة للملكية. وقد أصابني الجزع تحديداً حين علمت بنبأ الإخلاء القسري لسكان الجزيرة بتاريخ 16 تموز/يوليو2017 الذي نتج عنه وفاة أحد السكان إضافة إلى توجيه الاتهامات الجنائية إلى مجموعة من السكان الرافضين بيع أراضيهم إلى الحكومة.

ويجب على الحكومة المضي بحذر في ما يتعلق بالاستثمارات الأجنبية في العقارات السكنية والتأكد من أن هذا الاستثمار يؤول إلى صالح اقتصاد البلاد ولا يُسهم في جعل تكلفة السكن غير محتملة. كما يجب على الحكومة الانخراط في العمليات التشاركية البنّاءة مع سكان جزيرة الوراق على غرار العملية المستخدمة في مثلث ماسبيرو. ويجب أن يتمكن أي سكان يرغبون في البقاء في الجزيرة من القيام بذلك.

وترتبط أشد مخاوفي بشأن الحق في السكن في مصر بالتمييز ضد فئات بعينها وحرية تعبير المدافعين عن الحق في السكن والساعين إلى تنفيذه.

وخلال زيارتي لمحافظة المنيا في صعيد مصر، حظيت بفرصة مقابلة بعض الأقباط. وتحدثت إلى بعض ضحايا العنف الطائفي ممن هُجروا من منازلهم من قِبل جيرانهم من دون توفير رجال الأمن الحماية الكافية لهم. ويعجز الكثير من أفراد هذه الأقلية عن العودة إلى منازلهم خوفاً على حياتهم وأمنهم. وكثيراً ما ينتج عن تسوية المجالس العرفية لهذه النزاعات الطائفية إجازة التهجير القسري الذي تجرمه القوانين على المستويين الوطني والدولي.

يجب على الحكومة المصرية أن تضمن حماية لائقة للأشخاص الذين يتعرضون للتمييز على أساس الدين، بشكل يؤدي إلى نزوحهم من ديارهم وأراضيهم، وضمان حقهم في السكن.

وقد سمعت الكثير من القصص المروعة والصادمة عن مجتمع المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية في القاهرة في ما يتعلق بمواجهتهم أشد أنواع التمييز في الحصول على سكن وضمان الحيازة. وبوجه عام، يتسم المناخ الثقافي السائد في مصر تجاه العديد من المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية والمصابين بفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز بالتحرش والترهيب والتمييز وهو ما يتجلى بوضوح في قطاع الإسكان. وعادة ما يعجز المثليات والمثليون ومزدوجو الميل الجنسي ومغايرو الهوية الجنسانية عن استئجار مكان للإقامة بسبب هويتهم الجنسية المتصورة وإذا ما نجحوا في توفير مكان للإقامة فإنهم يعيشون في قلق دائم خشية اكتشاف ميولهم الجنسية أو هويتهم الجنسانية وتعرضهم للاتهام بممارسة الفجور والتشريد. ولقد أدركت أن حيازة منزل لا توفر الحماية اللائقة. والأكثر إزعاجاً في الأمر هو ضرورة إنكار العديد من المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية لهويتهم لاستشعار الأمن والحصول على سكن آمن.

الحق في السكن هو الحق في العيش في مكان ما بسلام وأمن وكرامة ومن دون تمييز. وبالرغم من إقراري بأن هذه مسألة شائكة في الإطار الثقافي لمصر، إلا أنه يجب على الحكومة بذل قصارى جهدها لحماية حق المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية في السكن وهي قضية ذات أولوية عاجلة. ويمكن للجنة الوطنية لحقوق الإنسان أن تضطلع بدور قيادي في إطلاق برامج تعليمية في هذا الصدد.

وأثناء القيام بهذه الزيارة القطرية، كان من أهم التحديات التي واجهتها هي القدرة على التحدث إلى الأفراد والأسر والمؤسسات المدافعين عن الحق في السكن. ويعتبر التواصل السري وغير الخاضع للرقابة مع الشهود، بما في ذلك مع الأفراد وممثلي المجتمع المدني والوسائل الإعلامية، أمراً ضرورياً كي أباشر مهام عملي وهو مبدأ أساسي في اختصاصات الأمم المتحدة التي تنظم مثل هذه الزيارات. ولم يلتق بي عدد من الأفراد والمنظمات أو لم يرغبوا في مقابلتي في الأماكن العامة وأعربوا بوضوح عن خشيتهم من أن حديثهم معي عن عدم رضاهم عن وضعهم السكني قد يؤدي إلى تعرضهم لأعمال انتقامية. وقد تحدثت مع أفراد تعرضوا للمنع من السفر، وتجميد أصولهم، ومداهمة منازلهم ومكاتبهم ومن سبق ووجهت ضدهم اتهامات تتعلق بعملهم في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وشعرت بالقلق من أن المجتمع المدني يحتاج إلى إذن لتقصي الحقائق في مجال حقوق الإنسان داخل البلاد. وبالرغم من علاقة العمل البناءة مع وزارة الشؤون الخارجية، إلا أن الحكومة لم تتمكن من تأمين وصولي إلى جزيرة الوراق التي حصلت فيها عمليات إخلاء قسري في تموز/يوليو 2017 وحيث ما زال السكان يخافون من الترحيل.

ولا يمكن تنفيذ الحق في السكن اللائق بالكامل إذا لم يتمكن السكان من التجمع والمطالبة بحقوقهم بحرية.

وأعرب عن تقديري للتأكيدات التي قدمتها إلي الحكومة بأن لا أحد ممن التقيت به سيتعرض للانتقام. وأشجع حكومة مصر على تقديم هذه التأكيدات إلى أولئك الذين يدافعون عن الحق في السكن. ويجب على مصر احترام جميع الحريات الأساسية وحقوق الإنسان، وأن تعطي أولوية لاتخاذ كل التدابير اللازمة لحماية المدافعين عن تلك الحريات.

ويسرني أن أكون أول مقرر خاص يقوم بزيارة قطرية إلى مصر منذ عام 2010. فهذا الأمر يجعلني في مكانة فريدة، بل دعوني أقول مميزة. وقد يقول البعض إن زيارتي تأتي كمقياس عام لاختبار حالة حقوق الإنسان في مصر. وبكثير من الحذر، أقول إن دعوتي إلى زيارة مصر لإجراء تقييم لحقوق الإنسان على مستوى ظروف الإسكان في البلاد لهو خطوة مهمة وربما إشارة مبكرة بأن مصر تدخل عصراً جديداً. وآمل أن تؤدي النتائج المشجعة لهذه الزيارة إلى فتح الأبواب أمام تلك الوفود التي أعربت عن اهتمامها بزيارة مصر.

1/ كان هناك عدد من القضايا الأخرى التي لفتت انتباهي، لكنني لن أتمكن من التعليق عليها هنا نظراً لضيق الوقت. وفي تقريري الأخير الذي سأقدمه إلى مجلس حقوق الإنسان في جنيف في آذار/مارس 2019، أتوقع أن يشمل ما يلي: تحديات حقوق الإنسان الناجمة عن التعايش بين أنظمة الإيجارات القديمة والجديدة؛ دور الحكومات المحلية في إنفاذ الحق في السكن الملائم؛ قضية التشرد، بما في ذلك أطفال الشوارع؛ اللجوء إلى القضاء بالنسبة إلى الأشخاص الذين يشعرون بأن حقهم في السكن الملائم قد انتهك؛ دور المساعدة الإنمائية الدولية؛ قضايا الإسكان في شبه جزيرة سيناء؛ قضايا الإسكان لأهل النوبة؛ وتمتع الأشخاص ذوي الإعاقة والنساء وغيرهم من الأقليات بالحق الكامل في السكن.

2/ UN Doc A/HRC/37/53.


الصفحة متوفرة باللغة: