Skip to main content

البيانات مجلس حقوق الإنسان

بيان السيد باولو سيرجيو بينيرو رئيس لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية خلال الجلسة ال37 لمجلس حقوق الإنسان

13 آذار/مارس 2018

13 آذار/مارس 2018

سيدي الرئيس،
أصحاب المعالي،

قُبيل نهاية العام الماضي، ظهرت بوادر الأمل بشأن إمكانية وضع حد للعنف بفضل محادثات السلام، لكن الشهرين الماضيين تميزا بتصاعد حدة النزاع الذي عانى منه البلد طيلة السبع سنوات الماضية. وإذ أتحدث اليوم، هناك أكثر من 390 ألفا من السكان الذين يكافحون من أجل بقائهم على قيد الحياة.

وفي الغوطة الشرقية، لقد تم عزل السوريين من رجال ونساء وأطفال عن بقية العالم من خلال الحصار القاسي، الذي يكاد يشهد عامه الخامس. يكافحون من أجل العيش في ظروف يصعب تخيلها، في غياب المياه أو المواد الغذائية أو الطبية المناسبة. وهناك جيل كامل من الأطفال الذين ولدوا في ظل الحرب.

ويؤدي القصف العنيف والاستهداف المتعمد للأعيان المحمية إلى تفاقم آثار الحصار والتجويع المتعمَّد. وأمام انتظام وشدة هذه العمليات، لم يُترك لأهالي الغوطة الشرقية خيار آخر سوى الرحيل والاحتماء في الأقبية، مع وجود عشرات الأفراد الذين لم يتعرضوا لأشعة الشمس طيلة أيام عديدة.

وأشار يوم أمس موظفو الأمم المتحدة للمساعدة الإنسانية إلى وجود بعض السكان الذين يمنعهم جيش الإسلام من المغادرة، أو الذين يترددون في المغادرة بسبب التخوف من قيام الحكومة بأعمال انتقامية أو من تعرض ممتلكاتهم للنهب.

وتُرتكب كذلك بعض الاعتداءات غير القانونية من طرف مجموعات مسلحة ومنظمات إرهابية في الغوطة الشرقية. وأدت هذه الاعتداءات إلى قتل وتشويه العشرات من المدنيين من خلال الإطلاق العشوائي لقذائف هاون غير الموجهة باتجاه مناطق تشهد اكتظاظا سكانيا في مدينة دمشق. وتُجسد هذه الأعمال القاسية التجاهل التام للقانون الإنساني الدولي.

وقبل عشرة أيام، عقد المجلس جلسة نقاش عاجلة بشأن الوضع في الغوطة الشرقية. واختُتم هذا النقاش بتوجيه طلب إلى كل الأطراف من أجل السماح بوصول المساعدة الإنسانية بشكل آمن ومستمر ودون عوائق لكل الأشخاص في الجيب المحاصر، كما أن قرار المجلس رحب بالقرار 2401 لمجلس الأمن، الداعي إلى التأكد من أن "كل الأطراف تعمد إلى وقف الأعمال العدائية دون إبطاء".

ولا تتواصل القنابل بالسقوط على الجهَتين فحسب، لا بل تواجه قوافل المساعدات الإنسانية بدورها صعوبات بالغة لتقديم المواد الغذائية والطبية المنقِذة للحياة. ولم تصل إلا كميات محدودة من المساعدة للمدنيين في أمس الحاجة والذين تتفاقم أعدادهم باستمرار، سواء بسبب غياب كلي للضمانات الأمنية التي تسمح بنقل المواد أو بسبب قيام الحكومة السورية بسحب أغذية أساسية ولوازم طبية من القافلة. وبذلك، تستمر معاناة المئات من المرضى والجرحى بينما ينتظرون أية إمكانية للإجلاء الطبي. وتوفي البعض من هؤلاء الواردة أسماءهم على قائمة الحالات الحرجة التي تستدعي إجلاءً.

ولا تُعتبر هذه الاعتداءات أمرا جديدا، حيث أنني أتواصل الآن مع المجلس للمرة الثالثة والعشرين، بينما يتواصل القتل في غياب أي إحساس بالعار أو بالوقار أو بالمسؤولية. وتتصدر الغوطة الشرقية حاليا العناوين، شأنها في ذلك شأن مدينة حلب والرقة ودير الزور في السنة الماضية أو نحو ذلك، أو شأن مضايا قبل ذلك.

وهناك العديد من المقاطعات والأوضاع التي حددتها اللجنة – والتي من المرتقب أن تشهد أزمات وأن تتصدر العناوين في المستقبل – ليتواصل عرض معاناة المدنيين في مختلف أنحاء العالم.

ولايزال يساورنا القلق بشأن تصاعد حدة العنف في عفرين، التي تأوي 320 ألف نسمة، بما في ذلك 125 ألف نازح. وسوف يؤثر ذلك سلبا على المدنيين ويؤدي إلى تدهور الأوضاع الإنسانية في المنطقة، لذا سنواصل متابعة التطورات.

وفي مختلف أنحاء محافظة إدلب، حيث يقطن مليونا نسمة، من بينهم ما يزيد قليلا عن مليون نازح، يتواصل الاستهداف المنتظم للمنشآت التي لا غنى عنها من أجل بقاء السكان المدنيين على قيد الحياة – ويشمل ذلك المستشفيات والمرافق الطبية -، وذلك في انتهاك صارخ للمبادئ الأساسية لقوانين الحرب.

وظهر فقط خلال شهور قليلة مضت أن تقدما في العملية السياسية بات ممكنا. وكانت اتفاقيات خفض التوتر في إدلب والغوطة الشرقية ودرعا وشمال حماة قد ساهمت في تراجع العنف بشكل ملحوظ، كما أن اجتماعات أستانا وسوتشي كانت قد أتاحت إمكانية لإعادة تنشيط عملية جنيف.

ويؤدي تصاعد العنف الذي طرأ مؤخرا إلى تخليد الوهم بشأن التوصل إلى حل للنزاع من خلال نصر عسكري. ومما دعم هذا الوهم، إحجام الدول المؤثرة عن فرض الانضباط على الأطراف المتحاربة والمطالَبة بمشاركتها الجدية في جهود التوصل إلى حل سياسي دائم. إن مثل هذه التسوية ستتطلب من كل أطراف النزاع، والجهات الداعمة لها، التصدي بشكل جدي للأسباب الجذرية للنزاع. وذكَّرنا هذا المجلس مرارا أن المظالم والانتهاكات المتعلقة بحقوق الإنسان تظل في صلب هذه الأسباب الجذرية.

أصحاب المعالي،

يُذَكرنا الناجون السوريون أنه لا ينبغي تجاهل المبادئ الأساسية للعدالة والمساءلة. وشدد ضحايا هذا النزاع العنيف لسنوات عديدة على الأهمية البالغة للمساءلة. وعلى الرغم من ذلك، فإن الانتهاكات من كل الأطراف – القوات الموالية للحكومة، والمجموعات المسلحة المعارضة للحكومة والتنظيمات الإرهابية والأطراف المرتبطة بها والداعمة لها – تظل لا تنطوي على أي عقاب.

ولذلك، ينبغي البحث عن وسائل الانتصاف التي تراعي الاحتياجات الأشد إلحاحا للضحايا.

ويشمل ذلك جملة تدابير من بينها: الوقف الفوري للاعتداءات المتعمدة والعشوائية ضد السكان المدنيين، والسماح الفوري بوصول المساعدة الإنسانية للمناطق المحاصَرة والتي يصعب الوصول إليها، وخاصة للمدنيين في الغوطة الشرقية.

وكذلك، لا ينبغي أن ننسى العائلات التي يُعتبر بعض أعضاءها من المفقودين. وتعرض الآلاف للاحتجاز التعسفي أو للاحتجاز كرهائن أو للاختطاف أو للاختفاء القسري، دون أن ترد أنباء عنهم في معظم الحالات. ويحقُ لهؤلاء الضحايا ولعائلاتهم التمتع بالحق في الحقيقة. وينبغي أن تُقدم، من جانب كل الأطراف، القوائم الكاملة لأسماء المحتجَزين من طرف المسؤولين عن هذه العملية، وأن تُبلَّغ عائلات أو أقرب أقارب هؤلاء الذين فارقوا الحياة أثناء الاحتجاز. ليس هناك ما يدعو إلى انتظار وقف الأعمال العدائية قبل تقديم مثل هذه القوائم. وفي نفس الوقت، ينبغي أن تولى الأولية لضمان وصول هيئات الرصد المستقلة، أو المنظمات الإنسانية مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر، إلى أماكن الاحتجاز، ولإطلاق سراح الفئات الأكثر هشاشة، أي الأطفال والنساء والمسنين والمعوقين.

وينبغي أن نستحضر مصير حوالي 12 مليون سوري نازح من الرجال والنساء والأطفال – حوالي 5.6 مليون لاجئ و 6.1 مليون مشرد داخلي – وأن نحدد التحديات المرتبطة بتيسير عودتهم. وبجب أن يتم تعديل القوانين القطرية بشأن حقوق السكن والأراضي والممتلكات ليس فقط من أجل تيسير عودة اللاجئين والنازحين إلى بيوتهم، بل ينبغي أن تُترك جانبا كل القوانين المصمَّمة لإعاقة عمليات العودة بشكل مستدام أو لتغيير التشكيل الديمغرافي.

ويمكن الاستعانة بمثل هذه الإجراءات كمرجع لتقييم فعالية تدابير بناء الثقة والتقدم المحرَز في المرحلة الانتقالية أو مدى استدامة السلم. ومن المهم أن يمثل تنفيذ هذا الصنف من تدابير المساءلة المقياس الذي يستعين به المجتمع الدولي والأمم المتحدة لتمويل جهود إعادة الإعمار وتصميم برامج المساعدة الإنمائية.

ولقد حان الوقت الآن للانكباب على هذه المسائل. ويتعين على أطراف النزاع إيلاء الأولوية لاحتياجات الأفراد الذين يزعمون تمثيلَهم. ويجب على عمليات الحوار السياسي في جنيف وسوتشي وأستانا، والتي أقرَّت بالعديد من الاحتياجات السالفة الذكر، أن تواصل تحديد هذه المسائل باعتبارها جزءا لا يتجزأ من أي حل سياسي، مع استحضار وجوب عدم منح أي عفو أو إعفاء للمسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان أو جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية.

وإذ تستمر الحرب ويتواصل حرمان الضحايا السوريين من أي تدابير مجدية تتصل بالعدالة، أُذكِر أن الوقت حان الآن لتغيير هذا الوضع. ونظل ملتزمين بخدمة ضحايا هذا النزاع، وسنبقى نصيرا قويا في سعيهم للحصول على العدالة التي يستحقونها.

الصفحة متوفرة باللغة: