Skip to main content

البيانات آليات متعدٓدة

الحلقة النقاشيّة بشأن الأطفال في سوريا

الأطفال في خضم الصراع السوريّ

13 آذار/مارس 2018

الدورة الـ37 لمجلس حقوق الإنسان

بيان نائب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان

12 آذار/مارس 2018

سيّدي الرئيس
أصحاب السعادة
أيّها المندوبون المحترمون،

يدخل قريبًا النزاع السوري عامه الثامن. هو نزاع تأجّج مع تشويه مروّع لجثة طفل. ففي العام 2011، وفي خضمّ ثورات الربيع العربي، أعادت السلطات الطفل حمزة علي الخطيب، البالغ من العمر 13 عامًا ، إلى أحضان أسرته بعد أن اعتقلته مدّة شهر، جثّةً هامدةً مشوهةً بوحشيةٍ، ومحروقةً، وقد اخترقها الرصاص وقُطِعَت منها الأعضاء التناسليّة.

وعلى أثر تلك الوحشيّة الصادمة، أمسى مصير حمزة المأساويّ صرخةً حاشدةً للآلاف - صرخةً حاشدةً تمّ قمعها بوحشيةٍ في ما بعد، مسببةً المعاناة للشعب السوريّ، معاناةٌ ما انفكّت عن التأجّج والانتشار خلال السنوات اللاحقة لتخطّى أسوأ مخاوفهم.

وقد أفيد بأنّ النزاع أدّى إلى مقتل حوالى 400,000 شخص وإصابة أكثر من مليون آخرين. واليوم، باتت الحالة الإنسانية الكارثية تؤكّد من جديد على فشل المجتمع الدوليّ في حماية المدنيّين، لا سيما الأطفال منهم.

أصحاب السعادة،

لم يقتصر هذا النزاع الشنيع والمخزي الذي كان لا بدّ من الوقاية منه على مجرّد حرمان ملايين الأطفال من حقوقهم الإنسانيّة الأساسيّة، بل سلبهم أيضًا طفولتهم.

وكذلك، لم تكن الطفلة السوريّة البالغة من العمر 7 سنوات، بانا العابد، تدرك مفهوم السلام عندما غرّدت على موقع تويتر من مدينة حلب المحاصرة عبارة "أنا أكره الحرب".

وتضمّ سوريا 8.35 مليون طفل. ويحتاج اليوم حوالى الثلثان منهم إلى مساعدات إنسانيّة، حيث يعيش أكثر من مليون منهم في مناطق يَصعب جدًّا الوصول إليها و 170,000 آخرين في مناطق محاصرة. مع العلم أنّ نصف هؤلاء النازحين داخليًا من الأطفال.

ويشقّ جيل كامل من السوريين طريقه من الطفولة إلى سنّ الرشد، هي طريق محفوفة بالمخاطر يتخلّلها قصف دائم في ظلّ أجواء من العنف المستمر التّي تسيطر على أطفالٍ يعيشون في خوفٍ دائمٍ، محرومين من الخدمات الأساسيّة، غير قادرين على ممارسة حقوقهم في التعليم والرعاية الصحيّة واللّعب. وقد أظهرَت جميع المؤشرات تقريبًا تدهور الوضع خلال العام 2017.

وعلى الرغم من كافة جهودنا الإنسانيّة المبذولة والأدلّة المجمّعة وعمليات المراقبة والرصد والإبلاغ المنفّذة والمفاوضات المنعقدة ومحاولات النفي والإنكار المحتملة والخطابات المرفوعة، ، تصاعد النزاع السوريّ وتأجّج خلال العام 2017، ممّا أدّى إلى تسجيل أعلى عدد تمّ التحقّق منه من الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال منذ العام 2012. .

أصحاب السعادة،

إنّ نطاق الجرائم المرتكبة ضدّ الأطفال وخطورتها وحجمها لمروع. وتنتهك السلطات السوريّة تمامًا كما الجماعات المسلّحة حقوق الإنسان والقانون الإنسانيّ الدوليّ بشكلٍ يؤثر على الأطفال أو يستهدفهم أيضًا.

ويتمّ توقيف الأطفال واحتجازهم لارتباط أسرهم المزعوم بالقوات المسلّحة المعارضة. أمّا الفتيات، فيتعرضن على وجه الخصوص للعنف الجنسي على أيدي الجماعات المسلّحة، بما في ذلك الاغتصاب والزواج القسري والاسترقاق الجنسي.

وقد استُهدِفَت استهدافًا عنيفًا، المنازلُ وقواعد الإسعاف والمستشفيات والمدراس من أكثر أوجه النزاع السوريّ شراسةً
فكمّ طفل سوريّ سيموت هذا العام بعد بسبب العنف أو الرحلات المحفوفة بالمخاطر للهرب منه؟ وإلى متى سيحمل المجتمع الدوليّ بهذا القدر من التسامح إزاء معاناة لا يمكن تحمّلها أبدًا؟ وكيف لنا أن نسمح بأن يتحمّل الأطفال مثل هذه الأعباء ونقبل بخسارة هذا الكمّ من الأطفال حياته؟ أوَليس من اللامبالاة الشديدة بمعاناة الأطفال أن يتمّ الاستهزاء بقرارات مجلس الأمن بشأن وقف إطلاق النار والاستهتار بها؟ وأن يتمّ منع وصول المساعدات الإنسانيّة 105 مرّات خلال العام الماضي؟ وأن يواصِل القصف العشوائيّ استهداف الأطفال؟

أصحاب السعادة،
لا بدّ لنا من أن نولي اهتمامًا أكبر بالأطفال!

فقد تمّت محاصرة 125,000 طفل في الغوطة الشرقيّة ، وواجه العديد منهم أسوء أشكال سوء التغذية وتعرّض آخرون لصدمات كبيرة. فما يعيشه أولئك الأطفال ينطوي على “عنف مفرط” لدرجة تمنع عرضه على شاشات التلفزيون، ولكن، في موازاة ذلك لا يُعتَبَر أنّه ينطوي على قدر كافٍ من العنف، فيحفّز من يتمتّع بالسلطة على وضع حدّ لهذا العنف الذي لا معنى له من القيام ذلك.

ومن المحتمل أن يكون أطفال الغوطة الشرقيّة، وغيرها من المناطق الأخرى في سوريا، من ضحايا جرائم الحرب، وربما أيضًا الجرائم ضدّ الإنسانيّة. وفي هذا السياق، أصدرت اليونيسف في الشهر الماضي بيانًا صحفيًا تضمّن سطورًا بيضاء بقيت فارغةً وذلك للتعبير عن حجم الكارثة الإنسانيّة التّي تشهدها الغوطة الشرقيّة، ومفاده: "عجزت كلماتنا عن وصف هول معاناة الأطفال وغضبنا الصارخ. هل ما زال لدى من يتسبّب في هذه المعاناة كلمات تبرّر أعمالهم الوحشيّة؟".

فقد تعذرت الكلمات عن وصف معاناة أطفال سوريا بإنصافٍ، إلّا أنه يمكننا فعلًا أن نحافظ على وعدنا لهم في تحقيق العدالة. ومن أجل المساعدة في ضمان مساءلة كافة أطراف النزاع، نحثّ الدول على تجديد ولاية لجنة التحقيق الدوليّة المستقلّة في سوريا؛ ودعم الآليّة الدوليّة المحايدة المستقلّة ، وإحالة سوريا، وبشكلٍ عاجل، إلى المحكمة الجنائيّة الدوليّة..

أصحاب السعادة،

لا بدّ للمسؤولين عن هذا العنف المتفشّي داخل سوريا وخارجها، من أن يدركوا أنّه يتمّ تحديد هويّاتهم حاليًا، وإعداد الملفّات لملاحقتهم قضائيًا؛ وبفضل الأدلّة المتوفّرة سيُحاكمون أمام المحاكم وفقًا الأصول، على الجرائم التّي لا يزالون يرتكبونها بحقّ أطفال سوريا، بكلّ خبثٍ ولامبالاةٍ وقسوةٍ.

وشكرًا.

الصفحة متوفرة باللغة: