Skip to main content

البيانات المفوضية السامية لحقوق الإنسان

الملاحظات الافتتاحية لمفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان زيد رعد الحسين في المؤتمر الصحفي أثناء مهمته إلى إندونيسيا

المفوض السامي في إندونيسيا

07 شباط/فبراير 2018

جاكرتا، 7 شباط/فبراير 2018

أودُّ أن أتوجه بالشكر أولاً إلى الرئيس جوكو ويدودو وحكومة إندونيسيا للدعوة التي وجهوها إلي لزيارة هذه الدولة المميزة والمتنوعة. وإن دعوتنا، بحد ذاتها، لهي شهادة عن كيفية تقيد دولة ما جدياً بالتزاماتها في مجال حقوق الإنسان. وتبرهن عن انفتاح تجاه عقد حوار بناء والرغبة في التعاون لضمان تعزيز وحماية حقوق الإنسان للجميع. وتبرز لدى كافة الدول التزامات في مجال حقوق الإنسان وقد حقق العديد منها الكثير من هذه الالتزامات، لكنها كلها، ومن دون استثناء، تواجه تحديات متعلقة بحقوق الإنسان لا بدَّ من التصدي لها.

خلال زيارتي، استمعت بعناية إلى أصوات من مختلف أنحاء المجتمع الإندونيسي. وتشرفت بلقاء الرئيس ويدودو والعديد من كبار المسؤولين الآخرين والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان وبعض الأعضاء في المجتمع المدني ممن يعملون على مجموعة كبيرة من القضايا في هذا الأرخبيل الواسع الذي يضم أكثر من 17 ألف جزيرة. وأنا ممتن أيضاً لممثلي المجتمع المدني المتسمين بالقوة والنشاط، والذين قطع البعض منهم مسافات طويلة كي يتبادلوا معنا تجاربهم ويرفعوا أصواتهم دفاعاً عن حقوقهم وحقوق مجتمعاتهم.

المزارعة التي تحدثت عن حقوقها في ملكية الأراضي وخوفها من مصادرتها منها بسبب الصناعات الاستخراجية. الأب من بابوا الذي أُطلقت النار على ابنه. زوجة المدافع عن حقوق الإنسان الذي جرى تسميمه في عام 2004، لكن قتلته لا يزالون طليقين. الأقلية من المصلين الذين يرغبون في الحصول على مكان خاص بهم للصلاة. الأم التي لا تزال تشعر بالأسى على طفلها، بعد مرور 20 عاماً على فقدانها له خلال أعمال العنف التي وقعت في يوغياكرتا. المرأة المسنة التي تكافح من أجل نيل العدالة بعد مضي 53 عاماً على سجنها ووصمها بالعار بوصفها "شيوعية" خلال مأساة عام 1965. والمحامي الذي رأى عن كثب الإجحاف القضائي المتمثل في عقوبة الإعدام. جميعهم طلبوا مني أن أساعدهم لإيصال أصواتهم على نطاق أوسع، وإنني أتوجه إليهم بالشكر لما يتحلون به من إصرار وعزيمة وأحيي شجاعتهم.

لقد تطرقت في اجتماعاتي مع الحكومة إلى كل الحالات التي شدَّدوا عليها وسأتشارك معكم بعد لحظة ملاحظاتي وتوصياتي في هذا الشأن. لكن دعونا أولاً نقيِّم إنجازات الشعب الإندونيسي. قطعت إندونيسيا شوطاً طويلاً في وقت قصير. فهي إذ ظهرت بكيانها الحالي بعد أكثر من 300 عام على الاحتلال الاستعماري، الذي تلته عقود من فرض القيود على الحريات المدنية، نجحت منذ عام 1998 في الانتقال إلى مرحلة الديمقراطية ومواكبتها بنمو اقتصادي قوي. وتشكل إندونيسيا اليوم إحدى أكثر الدول تقدماً في المنطقة في ما يتعلق بحقوق الإنسان. أما التزامها الفعال بالنسبة إلى محنة المسلمين من الروهينغا، فهو جدير بالثناء ونحن بأمس الحاجة إليه.

تبنَّت الحكومة أهداف التنمية المستدامة، وعملت على دمجها في خطة عملها الوطنية لحقوق الإنسان. كما سجلت إندونيسياً تقدماً كبيراً في ما يتعلق بإنجاز الحق في الصحة وتوسيع نطاق التغطية الصحية الشاملة. وأمنت الحيز والموارد للجنة الوطنية الإندونيسية لحقوق الإنسان (Komnas HAM) واللجنة الوطنية لمناهضة العنف ضد المرأة (Komnas Perempuan) حتى تكونا مؤسستين وطنيتين لحقوق الإنسان قويتين ومستقلتين. وإنني أشجع الحكومة على ضمان تنفيذ التوصيات المهمة التي وضعتها هاتان المؤسستان. ويوجد اثنان من مشاريع القوانين التي طرحت في البرلمان وهما يعترفان ويحميان حقوق الشعب الإندونيسي ويقدمان الحماية اللازمة إلى ضحايا العنف القائم على الجنس والجنسانية. وإنني أحث البرلمان على إقرار هذين القانونين المهمين.

تمتعت إندونيسيا بنمو اقتصادي متواصل على مدى سنوات عدة وهي تمتلك ثروة من الموارد الطبيعية والبشرية. لكن لم يستفد كل الإندونيسيين من توزيعات الأرباح. فالمقياس الحقيقي للتنمية والنمو الاقتصادي يجب أن يكون في تأثير ذلك على الأشخاص الأكثر ضعفاً، هؤلاء الذين يمتلكون النزر اليسير ليبدأوا به. وقد اتخذ الرئيس العديد من الخطوات الإيجابية تجاه تحقيق المساواة الاجتماعية. بالرغم من ذلك، لا تزال الفجوات قائمة في ما يتعلق بحماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للإندونيسيين. وأفادت التقارير عن وجود حالة من سوء التغذية الحادة في المناطق النائية من البلاد، بما في ذلك في مرتفعات بابوا، ولا يزال الكثير من الأشخاص يجابهون الفقر والأمراض التي يمكن الوقاية منها.

وأطلعتنا بعض الجهات الفاعلة في المجتمع المدني كيف أن استخراج المعادن وقطع الأشجار من قبل الشركات الكبرى، ابتداءً من جزيرة سومطرة وصولاً إلى بابوا، شكلا مصدراً لانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان ضد المزارعين والعمال والمجتمعات الأهلية من الشعوب الأصلية. وبشكل عام، تمَّ الموافقة على هذه المشاريع وتنفيذها من دون مشاورات تذكر مع المجتمعات الأهلية المحلية، ما أسفر عن الاستحواذ على الأراضي والتدهور البيئي وتلوث إمدادات المياه والمخاطر الصحية الناجمة. ومع فقدان الناس لسيطرتهم على مواردهم الطبيعية لصالح الشركات التي تستخدم نفوذها الكبير ببراعة، تحدثوا إلي بشأن الإحباط الكبير الذي يصيبهم. وثمة حاجة واضحة إلى إجراء حوار ومشاورات على نحو شامل ولا يجب تنفيذ هذه المشاريع من دون الموافقة الحرة والعادلة والمستنيرة للمجتمعات الأهلية المتضررة. وتشير تقديرات المجتمع المدني إلى أن حوالى مئتين من المدافعين المعنيين بالحقوق في الأراضي وبالبيئة يواجهون اتهامات جنائية اعتباراً من آب/أغسطس من العام الماضي.

وكما قلت يوم الإثنين في محادثات جاكرتا، المؤتمر الإقليمي المعني بحقوق الإنسان، بمقدور التنمية أن تحمل معها الوصول إلى الخدمات والسلع الأساسية التي من شأنها أن تحسِّن رفاه الأشخاص بشكل كبير. لكن إذا لم يتمكنوا من التعبير عن مخاوفهم ومن المشاركة في القرارات، فإن التنمية الحاصلة قد لا تزيد رفاههم. وإنني أحث حكومة إندونيسيا والشركات التي لها علاقة باستخراج الموارد الطبيعية وبالمزارع ومصائد الأسماك الكبرى على التقيد بمبادىء الأمم المتحدة التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان من خلال ضمان ألا يتم تنفيذ نشاطات الأعمال التجارية في ظل انتهاك حقوق الأشخاص. كما أدعو الحكومة إلى ضمان حماية المدافعين عن حقوق الإنسان، لا سيما أولئك الذين يدافعون عن القضايا المتعلقة بالأراضي وبالبيئة، وإلى التأكيد على عدم معاقبتهم أو ملاحقتهم قضائياً لممارستهم حقهم في حرية التعبير والتجمع السلمي. وأشعر بالقلق أيضاً إزاء ازدياد التقارير بشأن الاستخدام المفرط للقوة من قبل قوات الأمن وبشأن المضايقات وعمليات التوقيف والاحتجاز التعسفية في بابوا.

وأشعر ببالغ القلق بشأن النقاشات المتعلقة بالنظر في قانون العقوبات. وتفضح هذه النقاشات أشكالاً من الظلم الذي يبدو غريباً على الثقافة الإندونيسية التي حققت تقدماً ملحوظاً هنا. وتعتبر الآراء المتطرفة التي تدور على الساحة السياسية مثير للقلق بشدة، يرافقها ازدياد مستويات التحريض على التمييز أو الكراهية أو العنف في مختلف أنحاء البلاد، بما في ذلك إقليم آتشيه. وفي الوقت الذي تعزز فيه إندونيسيا مكاسبها في مجال الديمقراطية، فإننا نحث الإندونيسيين على المضي قدماً، وليس إلى الوراء، في ما يتعلق بحقوق الإنسان وعلى مقاومة المحاولات لإدخال أشكال جديدة من التمييز في القانون. وبما أن هذه التعديلات المقترحة من شأنها فعلياً تجريم فئات كبرى من الفقراء والمهمشين، فإنها تمييزية بالفطرة. وتواجه المثليات والمثليون ومزدوجو الميل الجنسي ومغايرو الهوية الجنسانية وحاملو صفات الجنسين من الإندونيسيين في الأساس تفاقماً في وصمة العار والتهديدات والترهيب. وليس من شأن خطاب الكراهية الموجه ضد هذه الجماعة، والذي يُزرع على ما يبدو لأغراض سياسية مريبة، إلا أن يعمِّق معاناتهم ويخلق انقسامات غير ضرورية.

كذلك، في حال أعيد النظر في قانون العقوبات مع بعض الأحكام التمييزية الإضافية، فإنه سيعرقل بجدية الجهود التي تبذلها الحكومة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة وسيتناقض مع التزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان. في سياق متصل، لقد أعربت أيضاً للحكومة عن مخاوفي بشأن تنفيذ قانون التجديف المبهم، الذي استُخدم من أجل إدانة أتباع بعض جماعات الأقليات الدينية أو المذهبية. وإذا كنا نتوقع ألا نتعرض للتمييز على أساس معتقداتنا الدينية أو لوننا أو عرقنا أو جنسانيتنا، وإذا كانت المجتمعات المسلمة تتوقع من الآخرين أن يدافعوا ضد كراهية الإسلام، فيجب أن تستعد للقضاء على التمييز في الديار أيضاً. كراهية الإسلام أمر خاطىء. والتمييز على أساس المعتقدات الدينية واللون أمر خاطىء. والتمييز على أساس الميل الجنسي أو أي حالة أخرى أمر خاطىء.

لقد جمع مكتبي تحت سقف واحد في العام الماضي في بيروت مجموعة متنوعة من علماء الدين وغيرهم من الجهات الفاعلة المدنية والاجتماعية القائمة على الدين والذين تحدثوا عن إطار "الإيمان من أجل الحقوق" لتحديد دور "الإيمان" في دعم "الحقوق". ويعتمد هذا الإيمان من أجل إعلان الحقوق على الالتزام المشترك في كل الديانات والمعتقدات "بدعم الكرامة والمساواة في القيمة لجميع البشر"، بما يعكس المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وهو يؤكد أن "العنف المرتكب باسم الدين يقضي على أسسه الأساسية، أي الرحمة والتعاطف" ويحدِّد المسؤوليات التي تقع على عاتق الجماعات الدينية وقادتها وأتباعها من أجل ضمان عدم خضوع أحد للتمييز من قبل أي شخص.

ويعتبر واجب دعم كرامة كل البشر أمراً ملحاً أيضاً في التعامل مع القضايا الصعبة من الجرائم المرتبطة بالمخدرات. فالمخدرات تستطيع تدمير حياة الأفراد وأسر ومجتمعات برمتها، لكن قتل المشتبه بهم بارتكاب جرائم المخدرات لا يعدُّ طريقة لمعالجة المشكلة. كل شخص لديه الحق في الحصول على محاكمة قضائية عادلة. وكل الادعاءات بشأن استخدام القوة المفرطة، بل حتى الفتاكة، ضد المشتبه بهم بارتكاب جرائم المخدرات يجب التحقيق فيها أيضاً. وليس من سلطة قضائية لا تخطىء وتظهر الأبحاث أن عقوبة الإعدام غير فعالة كرادع وكذلك بتنفيذها بشكل متفاوت ضد المجتمعات المحرومة أصلاً. وقد عملت على حثِّ الحكومة على وقف استخدام عقوبة الإعدام ضد الأشخاص المدانين بارتكاب جرائم المخدرات. وكانت الولايات المعنية بحقوق الإنسان قد أكدت مراراً وتكراراً أن الجرائم المرتبطة بالمخدرات لا تقع في خانة الجرائم الأشد خطورة. وأودُّ أيضاً أن أحث الحكومة الإندونيسية على اتخاذ الخطوات الهادفة إلى المساءلة بشأن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المرتكبة في الماضي. ويعتبر هذا الأمر دقيقاً لكنه تعهد ملح.

وتواجه كل الدول تقريباً وقتاً صعباً جداً للتعامل مع أكثر الفترات سوداوية من ماضيها، لكن عليها القيام بذلك. وكما قال لي أحد كبار المسؤولين، فإن إندونيسيا لا تزال عالقة في حقبة عام 1965، غير قادرة على الانتباه إلى الأحداث المروعة التي حصلت آنذاك، بما في ذلك قتل ما لا يقل عن 500 ألف شخص اتهموا بانتمائهم إلى الشيوعية واحتجاز أكثر من ذلك بكثير. لكن هذا البلد يستطيع أن يتقدم نحو الأمام من خلال قول الحقيقة والمصالحة وإجراء التحقيقات والملاحقات القضائية. وقد أكدت اللجنة الوطنية الإندونيسية لحقوق الإنسان تسع حالات رئيسية من الانتهاكات الجسيمة للحقوق بين عامي 1965 و2003 والتي تحتاج إلى إيجاد الحلول لها. وإنني أحث المدعي العام على معالجة هذه الحالات، خصوصاً من خلال تقديم الجناة إلى العدالة وتقديم التعويض الذي طال انتظاره إلى الضحايا كمسألة أولوية.

وعندما قامت المفوضة السامية السابقة لحقوق الإنسان نافي بيلاي بزيارة إندونيسيا في عام 2012، قالت إنها رأت بلداً أظهر وعداً كبيراً في تحويل نفسه إلى بلد ديمقراطي حيوي. وتلتزم إندونيسيا بهذا الوعد في نواح عدة. لكن من الثابت أن كل الدول هشة وأنها كلها تعمل تدريجياً. وليست هذه الدولة استثناءً. ثمة سحب قاتمة تلوح في الأفق، لكنني متفائل بالزخم الإيجابي وآمل في أن يتغلب الحس السليم وتقليد التسامح القوي للشعب الإندونيسي على الشعبوية والمحاباة السياسية.

وآمل في أن إندونيسيا ستتقدم أكثر أكثر في تحقيق الحقوق لشعبها خلال هذا العام الذي يمثل ذكرى مرور 70 عاماً على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. كما آمل في أن تكون زيارتي قد أرست منصة لتعزيز التعاون بين مكتبي وإندونيسيا، حكومةً وشعباً. وقد دعتنا حكومة إندونيسيا خلال النقاشات التي خضناها على مدى اليومين الماضيين إلى زيارة بابوا وسوف نرسل بعثة إلى هناك قريباً. وإنني أشكر الحكومة على دعوتها. وسيواصل ممثلي لدى مكتب الأمم المتحدة الإقليمي لحقوق الإنسان في بانكوك الاعتماد على شراكتنا للقيام بما يمكن أن نساعد به إندونيسيا لتعزيز وزيادة المكاسب المحققة في مجال حقوق الإنسان.

شكراً لكم.

الصفحة متوفرة باللغة: