Skip to main content

البيانات آليات متعدٓدة

وقائع أكثر سوداويّة وخطورة: المفوّض الساميّ يُطلِع مجلس حقوق الإنسان على آخر مستجدّات قضايا حقوق الإنسان في 40 دولة

التحديث العالمي لمجلس حقوق الإنسان

11 أيلول/سبتمبر 2017

الدورة 36 لمجلس حقوق الإنسان
كلمة الافتتاح يلقيها زيد رعد الحسين، مفوّض الأمم المتّحدة السامي لحقوق الإنسان

في 11 أيلول/ سبتمبر 2017

سيّدي الرئيس،
أصحاب السعادة،
أيها الزملاء والأصدقاء الكرام،

ها نحن ذا ندخل السنة الأخيرة لولايتنا الحاليّة – بحزم وتصميم – ونستهلّ مداخلتنا ببعض أفكار استقيناها من السنوات الثلاث الأخيرة.

نودّ أوّلاً أنّ نتذكّر مَن قضى في نيويورك، وواشنطن العاصمة وبنسلفانيا في 11 أيلول/ سبتمبر 2001. ولم تُمحَ من ذاكرتنا أبدًا، شأننا شأن كلّ سكّان نيويورك وقتذاك، هذه الفجوة الهائلة التي أصابت جانب المبنى، ولا الدخان المتصاعد، ولا بطولات رجال الإطفاء والشرطة، ولا انهيار البرجَيْن، ولا قتل هذا الكمّ الهائل من الأبرياء، ولا فظاعة هذه الجريمة الرهيبة كلّها. ولكنّنا سنتذكّر دومًا أيضًا صفاء السماء الصارخ ذاك اليوم. هي غايةٌ في الزُرقَة والنقاء، زَرَعَت البهجة في نفوسنا ونحن نتوجّه إلى العمل. وفجأة، ضرب الإرهابيّون ضربتهم.

ولربّما تشكّل الوتيرة السريعة للتغيّر التكنولوجي في مطلع هذا القرن سماءنا الزرقاء. ولربما نتساءل اليوم جميعنا إن كانت طلقة ناريّة يصوّبها متطرّف عنيف نحونا، أو مركبة يقودها أو قنبلة يفجّرها ستقضي على مستقبلنا. ولكن لا يمكن أبدًا للتطرّف العنيف أن يبيد عالمنا. وحدها الحكومات قادرة على ذلك – تلك هي المأساة اليوم. ففي حال اتّبعت الحكومات مجراها الحاليّ، ستكون هي من يقضي على الإنسانيّة. المتطرّفون هم بالطبع مَن يهاجمنا، ولكن مَن خطّط لهذه الجرائم مِن المفكّرين غالبًا ما يتمتّع مرتاح البال بمشاهدة الحكومات تنهش حقوق الإنسان؛ ويتلذّذ بمشاهدة مجتمعاتنا تنهار تدريجيًّا، وتزحف نحو الاستبداد والقمع – ولا يعدّ للأغلبيّة الساحقة من البشر، قرنًا من الإنجازات والمجد، بل قرنًا دنيئًا ملؤه البؤس والمرارة والحرمان .

أمّا فكرتنا الثانية فتركّز على اتّساق موقف الدول – أو عدم اتّساقه – في ما يتعلق بالتزامات حقوق الإنسان، أو ما يُعرَف بالهوّة التي تفصل بين مواقفها في الداخل وموقفها المختلف تمامًا في الخارج. ألا يزعج الحكومات أن تدافع عن حقوق الإنسان في أيّ منطقة أخرى من العالم – كي تتمكّن من أن تلعب في ملعب الأطراف العالميّين – في حين أنّها تحرم علنًا شعبها منها؟ ألا ترى النفاق في موقفها هذا؟

ثالثًا، ألا يتبادر إلى أذهان العديد من الحكومات التي تمارس الترهيب والتنمّر، والأعمال الانتقاميّة ضدّ المدافعين عن حقوق الإنسان والمنظمات غير الحكوميّة التي تعمل مع آليّات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان – ألا تدرك أن ذلك يؤكّد لنا وللعالم إلى أي مدى تمارس الاستبداد والظلم ضمن حدود وطنها؟ هذا ليس بمستقبل مشترك؛ هذا سلب لحقوق شعبها غير القابلة للتصرّف.

رابعًا، ألا تمتعض الحكومات عندما لا تستغل إلا وضع بعض البلدان التي أتناولها في مداخلاتي الشفهيّة وتقاريريّ، وتتجاهل الأخرى؟ فغالبًا ما يتطلّب عدد من القضايا الطارئة الخطيرة انتباه هذا المجلس المركّز – وفي ظلّ هكذا ظروف، وعندما يعتمد المجلس إجراءات سريعة فوريّة، يحظى بكلّ ثناء وإشادة. ولكن عندما لا يتحرّك بالشكل الطارئ وعلى النطاق الواسع اللذين تفرضهما الأزمة، تمسي الانتقائيّة التي يمارسها سمًا يتآكل مصداقيّة هذه الهيئة.

خامسًا، نشجّع الرئيس والدول الأعضاء على اعتماد صوت أقوى وأكثر اتّحادًا باسم حقوق الإنسان. كما نقترح درس إمكانيّة استبعاد الدول التي ترتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان عن هذه الهيئة.

أمّا ملاحظتنا الأخيرة في هذا الصدد هي التالية: يتغاضى العديد من كبار المسؤولين والدبلوماسيّين عن هجمات ضدّ آليّات حقوق الإنسان، أو حتّى ينكرون وقوع انتهاكات جسيمة وخطيرة. لَمِنَ المستغرَب أن نشهد خلال السنوات الثلاث الأخيرة كيف أنّ بعضًا من هؤلاء المسؤولين الكبار الذين ازدرَوا يومًا حقوق الإنسان، يغيّرون رأيهم جذريًّا عندما يُحرَمون بأنفسهم من بعض حقوقهم وحريّاتهم. لا يجب أبدًا أن ننتظر أن تطالنا الانتهاكات شخصيًّا، كي ندرك حقًّا أهميّة حقوق الإنسان.

سيّدي الرئيس،

في ميانمار، تجري عمليّة أمنيّة شرسة في ولاية راخين – ويبدو أنّها أوسع نطاقًا هذه المرّة.

وقد أشار مفوّض الأمم المتّحدة السامي لشؤون اللاجئين إلى أنّ أكثر من 270,000 شخص هربوا إلى بنغلادش في أقلّ من ثلاثة أسابيع، وهو عدد يتخطّى بثلاثة أضعاف عدد الأشخاص الذين هربوا من العمليّة السابقة، الذي بلغ وقتذاك 87,000 شخصًا. وتذكر التقارير أنّ أعدادًا إضافيّة لا تزال عالقة بين ميانمار وبنغلادش. والعمليّة هي ردّة فعل واضحة على الهجمات التي استهدفَت في 25 آب/ أغسطس 30 مركزًا للشرطة ولكنّها بالطبع غير متناسبة مع حجمها، ولا تحترم أبدًا المبادئ الأساسيّة للقانون الدوليّ. وقد وصَلَنا العديد من التقارير والصور الساتليّة تبيّن قوّات الأمن والميليشيا المحليّة تحرق قرى الروهنغيا، بالإضافة إلى إفادات متطابقة تشير إلى عمليّات إعدام خارج نطاق القانون، بما في ذلك إطلاق النار على المدنيّين الهاربين.

ومن جهة أخرى، ينتابنا جزع كبير حيال تقارير تشير إلى أنّ السلطات في ميانمار بدأت تزرع حقول ألغام على طول الحدود مع بنغلادش، وحيال البيانات الرسميّة التي تشير إلى أنّ اللاجئين الذين هربوا من العنف لن يتمكّنوا من العودة إلى وطنهم إلاّ في حال قدّموا وثائق "تثبت جنسيتهم". وبما أنّ الحكومات المتعاقبة منذ العام 1962 في ميانمار جرّدت تدريجيًا شعب روهنغيا من حقوقه السياسيّة والمدنيّة، بما في ذلك حقوق المواطنة – بحسب ما كشفته لجنة راخين الاستشاريّة التي عيّنتها أونغ سان سوكي - يحاكي هذا الإجراء حيلة خبيثة لنقل أعداد كبيرة من الأشخاص قسرًا ومن دون إمكانيّة العودة.

لقد حذّرنا خلال السنة الفائتة من أنّ نمط انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة ضد شعب الروهنغيا يشكّل هجمات واسعة النطاق أو هجمات منظمة ضد المجتمع، وقد ترقى إلى الجرائم ضدّ الإنسانيّة أمام المحاكم. وبما أنّ ميانمار قد رفضت دخول المحقّقين في مجال حقوق الإنسان إلى أراضيها، لا يمكن تقييم الوضع الراهن بالكامل، ولكن يبدو جليًّا وكأنّه تطهير عرقيّ.

على حكومة ميانمار أن تتوقّف عن الادّعاء بأن الروهنغا يحرقون بأنفسهم منازلهم ويخرّبون قراهم. هذا إنكار صارخ للواقع وهو يضرّ بمنزلة الحكومة على المستوى الدوليّ التي استفادت، حتّى الآونة الأخيرة من قدر كبير من النوايا الحسنة. أدعو الحكومة إلى أن تضع حدًّا لعمليّتها العسكريّة الفظيعة، وأن تحاسب المسؤولين عن كافة الانتهاكات التي ارتُكِبَت، وأن تعالج التمييز الخطير والمتفشّي الممارَس ضدّ شعب الروهنغا. كما أحثّ السلطات على السماح لمكتبنا بأن يدخل البلاد من دون قيد أو شرط.

وفي مقابل ذلك، أدعو حكومة بنغلادش كي تبقي الحدود مفتوحة أمام اللاجئين من الروهنغيا، وأحثّ المجتمع الدوليّ على دعم السلطات ومساعدتها على استقبال اللاجئين ومساندتهم. أمّا في ما يتعلّق بالوضع الداخليّ في بنغلادش، فنحيي تعاون الحكومة البنّاء مع مكتبنا، ونرغب في استكمال العمل مع السلطات ومعالجة سلسلة واسعة من قضايا حقوق الإنسان الخطيرة في البلاد.

نستنكر الإجراءات التي اعتمدتها الهند مؤخّرًا لترحيل الروهنغا في ظلّ العنف الممارَس ضدّهم في بلدهم الأم. فقد استقرّ حوال 40,000 شخص من الروهنغيا في الهند، وحصل 16,000 منهم على وثائق خاصة باللجوء. إلاّ أنّ وزير الدولة للشؤون الداخليّة أشار إلى أنّ البلاد يمكنها ألاّ تتقيّد بالقانون الدوليّ ذات الصلة بما أنّها لم توقِّع على الاتّفاقيّة بشأن اللاجئين، ولا حتّى أن تعبّر عن مجرّد التعاطف الإنسانيّ البحت معهم. ولكن، بموجب القانون العرفيّ، وتصديق الهند على العهد الدوليّ للحقوق المدنيّة والسياسيّة، والالتزامات بمراعاة الأصول القانونيّة ومبدأ عدم الإعادة القسريّة العالميّ، لا يمكن الهند أن تقوم بعمليّات طرد جماعيّة، أو أن تعيد الناس إلى مكان يكونون فيه معرّضين للتعذيب وانتهاكات أخرى خطيرة.

كما أنّنا مستاؤون جدًّا حيال تفشيّ التعصّب الدينيّ والموجّه ضدّ الأقليّات الأخرى في الهند. فموجة الهجمات العنيفة، القاتلة في معظم الأحيان، التي تقوم بها العصابات ضدّ الناس بحجّة حماية حياة البقر مقلقة إلى أقصى الحدود. كما أنّ مَن يطالب بحقوق الإنسان الأساسيّة يتعرّض لشتى أنواع التهديد. فقد تعرّضت الصحافية غوري لانكس، التي تناولت من دون كل أو ملل التأثير المدمّر للنزعة الطائفيّة والكراهية، للاغتيال الأسبوع الفائت. وقد أبهجتنا كثيرًا المسيرات التي تلت عمليّة الاغتيال وطالبت بحماية الحقّ في التعبير، والمظاهرات التي انتشرت في 12 مدينة للاعتراض على عمليّات الإعدام خارج نطاق القانون. ويجدر اعتبار المدافعين عن حقوق الإنسان، الذين يبذلون كلّ جهد من أجل تحصيل حقوق أكثر الجماعات المستضعفة في الهند – بما في ذلك المهدّدون بالنزوح بسبب مشاريع البنى التحتيّة مثل سدّ ساردار ساروفار في وادي نهر نارمادا – حلفاءً في الاعتماد على إنجازات الهند من أجل بناء مجتمع أقوى وأكثر شموليّة. ولكن بدلاً من ذلك، يتعرّض العديد منهم إلى المضايقات وإلى ملاحقات جنائيّة حتّى، ويُحرَمون من حماية الدولة.

وفي باكستان، غالبًا ما تشجّع السلطات التعصّب ضدّ الأقليّات أو آرائهم، وقد يؤدّي ذلك إلى عواقب مميتة. فالعديد من الصحافيّين والمدافعين عن حقوق الإنسان يواجهون يوميًّا تهديدات عنيفة. حتّى أنّ الادعاءات بالتجديف، أو اقتراح أنّ القوانين الخاصة بالتجديف تحتاج إلى تنقيح كي تتماشى والحقّ في حريّة الفكر والدين، قد يؤدّي إلى أعمال عنف انتقاميّة. بالإضافة إلى ذلك، اعتمدت الحكومة تشريعات مبهمة وبصورة مفرطة بشأن الفضاء الرقميّ، والتنظيمات الخاصة بأنشطة المنظّمات غير الحكوميّة، بهدف قمع الأصوات الانتقاديّة وتقليص حجم المجال الديمقراطيّ. ولا يزال العنف ضدّ المرأة متفشّيًا إلى أقصى الحدود، بما في ذلك الزواج بالإكراه، والاعتداء بالأحماض وزواج الأطفال.

نشعر بأسف عميق حيال امتناع كلٍّ من الهند وباكستان عن التعاون مع مكتبنا على قضايا مُقلقة أشرنا إليها خلال الأشهر الأخيرة تتعلّق بحقوق الأنسان. فقد رفضتا وصولنا إلى كاشمير من جهتَيْ خطّ المراقبة، والتحقّق من تطوّرات مُقلِقَة لا تزال تصلنا تقارير بشأنها. وبما أنّه لا يمكن مكتبنا أن يصل إلى المنطقة المذكورة، فهو يقوم بمراقبة عن بعد لوضع حقوق الإنسان في كاشمير على جهتَيْ خطّ المراقبة، بغية نشر النتائج قريبًا.

نحثّ الحكومة في سريلانكا على أن تفعِّل على وجه السرعة مكتب المفقودين، وأن تنتقل فورًا إلى اعتماد إجراءات أساسيّة لبناء الثقة، على غرار تحرير الأراضي التي تحتلّها القوات العسكريّة، ومعالجة القضايا العالقة منذ زمن، المندرجة ضمن إطار قانون مكافحة الإرهاب. كما نكرّر طلبنا بأن يتمّ استبدال قانون مكافحة الإرهاب بقانون جديد يتماشى ومعايير حقوق الإنسان الدوليّة. ففي الشمال، يُبرِز احتجاجُ الضحايا إحباطَهم المتزايد جرّاء بطء وتيرة عمليّة الإصلاح. ونشجّع الحكومة أيضًا على أن تنفّذ التزامها بالقرار رقم 30/1 الذي يقضي بإنشاء آليّات للعدالة الانتقاليّة، واعتماد برنامج زمنيّ واضح ومعايير محدّدة لتنفيذ هذا الالتزام وغيره ممن الالتزامات.

ولا يجدر بالحكومة أن تقوم بذلك بطريقة سطحيّة ظاهريّة كي ترضي المجلس، بل عليها أن تعالج قضيّة حقوق شعبها بكلّ ما للكلمة من معنى. فغياب العمل ذات المصداقيّة في سريلانكا من أجل محاسبة كل مسؤول عن الانتهاكات المزعومة لقانون حقوق الإنسان الدوليّ والقانون الإنسانيّ الدوليّ يجعل ممارسة الولاية القضائيّة العالميّة ضرورة طارئة.

وفي الفلبّين لا يزال قلق عميق ينتابنا حيال دعم الرئيس علنًا سياسة "إطلاق النار بقصد القتل" المُمارسة ضدّ المشتبه بهم، بالإضافة إلى غياب المصداقيّة عن التحقيق في تقارير تشير إلى إعدام الآلاف خارج نطاق القانون، والفشل في ملاحقة المرتكبين. فقد وصف وزير العدل قضيّة قتل التلميذ الذي تمّ جرّه إلى زقاق وأرداه شرطيّ يرتدي زيًّا مدنيًّا، برصاصة في رأسه في 16 آب/ أغسطس بـ"الحالة المعزولة". إلاّ أنّ الشكوك بقضيّة إعدام خارج نطاق القانون أصبحت اليوم منتشرة لدرجة أنّ الحروف الأساسيّة باللغة الإنكليزيّة لعبارة "الإعدام خارج نطاق القانون"، (EJK)، أصبحت شائعة وتُستَعمل كفعل في جملة، على غرار "he was EJKed" أي أنّه أُعدِم خارج نطاق القانون. وبعد مرور يومَيْن على مراسم دفن المراهق التي شارك فيها مئات الأشخاص، أعلم الرئيس من جديد رجال الشرطة أنّهم لن يُحاسبوا إن قتلوا مشتبهًا به عند مقاومته عمليّة التوقيف. إنّ عدم احترام حق الفلبينيّين في المحاكمة وفق الأصول لمروّع للغاية.

كما أنّنا مصدومون بتهديد الرئيس دوتيرته بقصف مدارس الأطفال من السكّان الأصليّين في جنوب الفلبين، لأنّها، على حدّ تعبيره، تعلّم الأطفال أن يثوروا ضدّ الحكومة. ويشكّل الأمر الذي أعطاه إلى الشرطة بإطلاق النار على أيّ عامل في مجال حقوق الإنسان "يشارك" في التجارة بالمخدّرات أو "يعيق سير العدالة" ضربةً جديدة لسمعة بلاده وحقوق شعبه. ولا يزال القلق يعترينا حيال قضيّة السيناتور دي ليما. فالعديد من المدافعين عن حقوق الإنسان، وهم فخر بلادهم، يواجهون اليوم تهديدات بالقتل بصورة مضطردة، ونحن ندعوا الحكومة كي تمنحهم الحماية الكاملة والحقّ في حريّة التعبير والتجمّع السلميّ بعيدًا عن الأعمال الانتقاميّة. وتهدّد الإجراءات التي اعتُمِدَت لإعادة تطبيق حكم الإعدام بجرّ البلاد إلى الوراء. ونحثّ الحكومة كي تحترم التزامات الفلبين الدوليّة في مجال حقوق الإنسان، وأن تتعمّق في التفكير في القيم التي تدافع عنها.

تُعِدّ الصين حاليًّا أوّل قانون وطنيّ لها بشأن مراكز الاعتقال، بهدف تحسين معايير المعاملة والرقابة والمساءلة. ونرحّب شخصيًا بهذه الخطوة ونشجّع الحكومة على أن ينصّ القانون على الحق في الوصول إلى مستشارين قانونيّين مستقلّين وإلى أفراد العائلة، وأن يعالج قضايا سوء المعاملة خلال التوقيف والوفاة أثناء الاحتجاز التي أشارت إليها لجنة مناهضة التعذيب في العام 2015. فوفاة ليو كزيابو مؤخّرًا، الحائز على جائزة نوبل للسلام، أثناء احتجازه صدمت العديد حول العالم، تمامًا كما فعلت حالات وفاة كلٍّ من منكاو شانلي في العام 2014، وتانزن دليك زينبوش في العام 2015 أثناء الاحتجاز. ويعاني العديد من الآخرين أشكال متنوّعة من الحرمان من الحرّية لأسباب مشكوك فيها ومثيرة للتساؤل، بعيدًا عن أيّ آليّة مراقبة مستقلّة، ومنهم وانغ كانزهانغ، وجياغ تيانيونغ، ولي منغ تشي، وتاشي وانغ تشاك وليو كزيا. وتقلقنا جدًّا الإجراءات التي اعتُمِدَت ضدّ محاميي الدفاع. إلاّ أنّنا نحيّي سعي الصين على المساهمة في تمتّع الجميع بكافة حقوق الإنسان، ونقترح أن تركّز أكثر بعد على المجموعات الضعيفة، لا سيّما على شعوب التبييت واليغور وغيرها من الشعوب المهمّشة.

في فيتنام، ترك تنقيح قانون العقوبات خلال شهر أيّار/ مايو حكم الإعدام قائمًا لمعاقبة 18 جريمة مختلفة، بما في ذلك الجرائم المرتبطة بالمخدّرات التي لا تعتبرها آليّات حقوق الإنسان من "الجرائم الأخطر" وفق القانون الدوليّ. وحتّى الآونة الأخيرة، لم يكن من المسموح للفيتناميين أن يعرفوا عدد الأشخاص الذي يُعدَمون سنويًّا، ولكنّ تقريرًا نشرته وزارة الأمن العام في كانون الثانيّ/ يناير أشار إلى أنّ 429 شخصًا أُعدِموا بين آب/ أغسطس 2013 وحزيران/ يونيو 2016. كما أشارت الصحف الرسميّة مؤخّرًا إلى بناء خمس منشآت جديدة للإعدام، أيّ أنّ عدد هذه المنشآت سيتضاعف في البلاد. نحثّ دولة فيتنام على إعادة النظر في موقفها من حكم الإعدام. ونذكر أخيرًا أنّ الأشخاص الذين ينتقدون علنًا وبأيّ شكل من الأشكال الحكومة أو يسعَون إلى تعبئة الآخرين يواجهون خطر التوقيف، أو الحبس الانفراديّ أو فترات طويلة من العقوبات، ما ينتهك معايير حقوق الإنسان.

وينتابنا قلق عميق حيال الوضع في كمبوديا، حيث تمّ توقيف زعيم المعارضة كام سوخا مؤخّرًا، ويبدو أنّ عمليّة التوقيف جرت من دون احترام الأصول القانونيّة أو حصانته البرلمانيّة. وقد تمّ اتّهامه مذّاك بالخيانة. كما يقلقنا أنّ الكمّ الهائل من البيانات العامة التي يطلقها رئيس الوزراء وغيره من المسؤولين الرفيعي المستوى بشأن إدانة كام سوخا ينتهك قرينة البراءة والحقّ في محاكمة عادلة. وقد تبعت هذه التطوّرات حظر منظّمة غير حكوميّة دوليّة معروفة في كمبوديا، وسحب تراخيص العديد من الإذاعات، وإقفال إحدى الصحف المستقلّة الرئيسة في البلاد. ندعو الحكومة بصورة حثيثة، قبيل إجراء الانتخابات العامة السنة المقبلة، إلى أن تضمن حماية كامل الحقوق السياسيّة والمدنيّة وحريّة وسائل الإعلام. كما ندعو الحكومة إلى أن تضمن استقلاليّة المحاكم؛ واحترام الأصول القانونيّة، بما في ذلك الحقّ في استئناف كافة الإجراءات الإداريّة؛ واحترام الحقّ في تكوين الجمعيّات والتعبير عن الرأيّ.

وفي الملديف، ومع اقتراب الانتخاب التي تجري خلال السنة المقبلة، تتخّذ الحكومة إجراءات صارم بوتيرة مضطردة بحقّ كلّ من ينتقدها. وبعد أن تمّ تجريد عدد من البرلمانيّين من مقاعدهم عقب محاولة حجب الثقة عن رئيس البرلمان، وإغلاق الشرطة غير المسبوق للمبنى في 24 تمّوز/ يوليو، لا يزال البرلمان مشلولاً، في حين يواجه عددٌ من أعضائه وزعماء المعارضة العديد من الاتّهامات. ويساورنا القلق حيال التقارير بشأن الاستمرار في انتهاك الحقّ في محاكمة عادلة، والادّعاءات بالتحيّز السياسيّ الذي يمارسه عدد من السلطات القضائيّة والمعنيّة بإنفاذ القانون. فالثقة في مؤسّسات الحكومة تنهار لذا ندعو الحكومة كي تنشئ بيئة حاضنة لممارسة الحريّات الأساسيّة، بما في ذلك حريّة التعبير وتكوين الجمعيّات، واحترام حقّ الأفراد في سلطة قضائيّة مستقلّة ونزيهة. كما نعرب عن استيائنا من خطّة الحكومة باستئناف تطبيق حكم الإعدام مع حلول نهاية هذا الشهر، بعد أكثر من 65 سنة على وقف العمل به. وعلى قائمة الإعدام اليوم 20 شخصًا، ومن بينهم متّهمون تطرح إدانتهم الكثير من التساؤلات حول احترام الأصول القانونيّة، بما في ذلك أشخاص يعانون مشاكل في صحّتهم العقليّة أو أنّهم لم يكونوا قد بلغوا الـ18 عامًا من عمرهم عند ارتكابهم الجريمة المزعومة. وقد تدخّلنا شخصيًّا عدّة مرّات وطالبنا الحكومة بأن تَعدُل عن المضي بخطّتها، وها نحن اليوم ندعوها مرّة جديدة كي تتراجع عن هذا القرار القاسي.

ولا تزال جمهوريّة كوريا الديمقراطيّة الشعبيّة تنتهك بصورة منتظمة وشاملة حقوق شعبها، وتقيّد كلّ شكل من أشكال الحرّيات الأساسيّة أو حتّى تنتزعها، بحسب ما أشارت إليه لجنة التحقيق في العام 2014. ولا مثيل لقمعها الحقوق المدنيّة والسياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة في أيّ رقعة أخرى من العالم لا تشارك في حرب أو تشهد نزاعًا داخليًا، ويؤسفنا أن نشير إلى أنّه ما من تغيير يُذكر طرأ على هذا الوضع خلال السنوات الأولى من ولايتنا. إلاّ أنّ جمهوريّة كوريا الديمقراطيّة الشعبيّة رفعت مؤخّرًا تقريرًا إلى لجنة حقوق الطفل، وصادقت على الاتّفاقيّة بشأن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة ورحّبت بزيارة المقرّر الخاص المعنيّ بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في مطلع هذا العام؛ وتشكّل هذه الإشارات لالتزام جمهوريّة كوريا الديمقراطيّة الشعبية بالآليّات والهيئات المنشأة بموجب معاهدات، خطوةً إيجابيّة ونتمنّى أن نشهد المزيد منها.

سيّدي الرئيس،

إنّ وضع حقوق الإنسان في اليمن غاية في الخطورة، وندعو للمرّة الثالثة من أمام هذا المجلس، إلى إنشاء هيئة تحقيق دوليّة ومستقلّة تجري تحقيقات شاملة لانتهاكات قانون حقوق الإنسان الدوليّ والقانون الإنسانيّ الدوليّ. ونذكّر في هذا السياق أنّ 62 منظّمة غير حكوميّة دوليّة ويمنيّة رفعت رسالة مشتركة إلى الدول الأعضاء في هذا المجلس، مشدّدة على ضرورة إجراء هكذا تحقيق. ولا تكفي أبدًا الجهود التي لا تُذكَر التي بُذِلَت خلال السنة الفائتة لتحقيق مسائلة المرتكبين ومعالجة الانتهاكات اليوميّة والمستمرّة والخطيرة التي تسبّب بها النزاع. فمنذ 30 آب/ أغسطس 2017، تأكّد مكتبنا من وفاة 5,144 مدنيًّا وإصابة أكثر من 8,749 شخصًا آخر منذ انطلاق النزاع؛ ومن المرجّح أن تكون الأرقام الحقيقية مرتفعة أكثر بكثير. ولا تزال الضربات الجويّة التي ينفّذها التحالف السبّب الرئيس الكامن وراء الإصابات بين صفوف المدنيّين، بما فيهم الأطفال.

تتفاقم معاناة الشعب اليمنيّ بسبب تفشّي وباء الكوليرا الخطير، كنتيجة مباشرة لهجمات الأطراف في النزاع العشوائيّة على المراكز الطبيّة وغيرها من الأصول المحميّة، بالإضافة إلى أشكال الحصارات المختلفة وتقييد حريّة التنقل. ولا يزال يردنا العديد من التقارير التي تشير إلى عمليّات احتجاز تعسّفية أو غير قانونيّة، واختفاء قسريّ وتعذيب وسوء معاملة يمارسها الطرافان في النزاع على حدّ سواء. وسيكون لتدمير اليمن ولمعاناة شعبها الفظيعة انعكاساتٌ عميقة وطويلة الأمد على المنطقة كلّها. ندعو الأطراف في النزاع إلى التفاوض على حلّ دائم، وإلى احترام التزاماتهم التي يمليها عليهم القانون الدوليّ، بما في ذلك تيسير وصول الإغاثة الإنسانيّة من دون أيّ عائق. ونحثّ هذا المجلس كي يبذل كلّ ما في وسعه ويوقف فورًا وبصورة طارئة هذه المجزرة.

أعاد النزاع في سوريا تحديد مصطلح "الرعب". ويلقي استمرار هذا الكابوس بظلامه وسواده على إرث هذا الجيل من قادة العالم إلى الأبد. ولا يزال الأطراف في النزاع يشاركون في أعمال تنعكس انعكاسًا خطيرًا على المدنيّين. وقد وثّق مكتبنا المئات من الضربات الجويّة والأرضيّة في العام 2017، أدّت إلى قتل آلاف المدنيّة في المناطق كافة، وربعهم أقلّه من الأطفال. وقد سجّلت المعارك الأخيرة في المناطق التي سيطر عليها داعش، على غرار الرقّة ودير الزور، فظائع ارتكبها مقاتلو التنظيم، بالإضافة إلى الأعداد المرتفعة من القتلى المدنيّين في الغارات الجويّة ضدّ داعش. ولا تزال الأوضاع هشّة في الغوطة الشرقيّة في ريف دمشق، كما يقيّد القصف والاشتباكات العسكريّة والحصار الذي تفرضه القوى الموالية للحكومة، حياة المدنيّين اليوميّة بصورة مضطردة، بالإضافة إلى حرمانهم من حقّهم في حريّة التعبير والتجمّع وإنشاء الجمعيّات. وقد حُرِم آلاف الأشخاص من مناطق مختلفة من البلاد من حريّتهم، واحتُجِزوا في مرافق تديرها الحكومة أو المجموعات المسلّحة المعارضة، حيث غالبًا ما يتعرّضون للتعذيب أو سوء المعاملة، بما في ذلك العنف الجنسيّ. وفي عدد لا يُستهان به من حالات ترقى إلى الاختفاء القسريّ، لم يتم إعلام الأُسَرِ بمكان وجود أقاربهم أو حتّى بوضعهم.

لقد شكّلت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان المحرّك الأساسيّ للنزاع في سوريا، وعلى من يرغب في إحلال سلام مستدام نحن بأمسّ الحاجة إليه، أن يبنيه على أسس المعايير الدوليّة لحقوق الإنسان. وسيكون عمل الآلية الدوليّة المحايدة والمستقلّة الحديثة الإنشاء، أساسيّ لتحقيق المساءلة، من خلال إعداد الملفّات الخاصة بملاحقة الأفراد قضائيًّا من قبل محاكم مختصة أخرى. ونكرّر نداءنا إلى مجلس الأمن بإحالة القضيّة إلى المحكمة الجنائية الدوليّة.

في العراق، حرّر انهزام داعش في الموصل وتلعفر مئات الآلاف من المدنيّين من حكم هذه المجموعة المسلّحة العنيف. ندعو السلطات إلى معالجة أوجه المظالم الطويلة الأمد التي واجهتها كافة المجتمعات بمختلف أعراقها وأطيافها من أجل تعزيز المصالحة والاستقرار. وعلى المرأة أن تشكّل جزءًا لا يتجزّأ من هذه العمليّة من أجل ضمان العدالة والمساءلة على مستوى الانتهاكات السابقة. ونرحّب بإعلان رئيس الوزراء عن التحقيق في ادّعاءات انتهاكات حقوق الإنسان الخطيرة التي ارتكبتها القوى الموالية للحكومة. وإنّي على ثقة أنّ نتائج التحقيق ستُعلن وتُتابع سريعًا بملاحقات قضائيّة محايدة. كما نشجّع الحكومة على ضمان أن يتمكّن النازحون داخليًّا من العودة إلى منازله في أقرب وقت ممكن، وأن تُتَّخِذ الإجراءات الملائمة ضدّ أيّ هيئة – أحكوميّة كانت أم غير حكوميّة – تشارك في أيّ شكل من أشكال العقاب أو الانتقام الجماعيّ. ومن الضروريّ أن تُفرَض سيادة القانون بصورة المحايدة على كافة المناطق المحرَّرة من قبضة داعش في أسرع وقت ممكن.

لا تزال الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة تشهد انتهاكات جسيمة للقانون الإنسانيّ الدوليّ وقانون حقوق الإنسان ترتكبها السلطات الإسرائيليّة. ولا يزال العنف القائم باستمرار يثير قلقنا: فبين الأوّل من كانون الثانيّ/ يناير و28 آب/ أغسطس 2017، قُتِل تسعة إسرائيليّين و46 فلسطينيًّا في الأراضيّ الفلسطينيّة المحتلة. ولا يزال الإفراط في استخدام القوّة، وأشكال العقاب الجماعيّ، والاحتجاز التعسّفي تثير قلقًا عميقًا في النفوس. وقلما يتحمّل مرتكبو الانتهاكات مسؤوليّة أعمالهم، بحسب ما أشرنا إليه في تقريرنا الصادر في شهر حزيران/ يونيو. ونذكّر السلطات أنّ غياب المساءلة يقوّد الثقة في النظام القضائيّ ويولّد دوامة من العنف.

يعمل الصحافيّون والمدافعون عن حقوق الإنسان، في كلّ من إسرائيل وفلسطين على حدّ سواء، في ظلّ ضغوط متزايدة تمارسها السلطات كافة. فالتشريعات التي أقرّها الكنيست في العام 2016 تسعى إلى نزع الشرعيّة عن منظّمات حقوق الإنسان التي تعمل في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة واعتبارها "معادية لإسرائيل"، كما أنّ رئيس الوزراء أشار إلى أنّه سيسعى إلى فرض قيود إضافية والحدّ من التمويل الأجنبيّ لمنظّمات حقوق الإنسان. ويواجه المدافعون الفلسطينيّون عن حقوق الإنسان المضايقات، بما في ذلك التوقيف بسبب التعبير عن الرأي على وسائل التواصل الاجتماعيّ وخلال مظاهرات سلميّة.

يبدو أنّ كلًّا من الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة يشهد قمعَ السلطات الفلسطينيّة للمدافعين عن حقوق الإنسان، لا سيّما الصحافيّين منهم والمواقع الإخباريّة – بما في ذلك من خلال إجراءات تشريعيّة، وعمليّات توقيف أفراد ومضايقات، وحظر مواقع إلكترونيّة. وفي غزّة، إنّ خدمات الصحّة والمياه والصرف الصحّي وغيرها من الخدمات الضروريّة على وشك الانهيار بسبب أزمة الكهرباء، ما يؤدّي إلى تفاقم معاناة الشعب التي يتسبّب بها الحصار. كما يُمنَع المرضى بصورة مضطردة من الخروج من غزّة للحصول على العناية التي يحتاجون إليها أو يتأخّر منحهم التصريح المطلوب. وقد فشلت إسرائيل، ودولة فلسطين والسلطات في غزّة في احترام التزاماتها بحماية حقوق شعب غزّة.

وفي مصر، تمّ استغلال حالة الطوارئ التي أُعلِنَت في نيسان/ أبريل 2017 لتبرير إسكات المجتمع المدنيّ بصورة منتظمة والقضاء على الحيّز المدنيّ بحجّة مكافحة الإرهاب. وقد وردتنا تقارير تفضح الممارسات القمعيّة المعتَمَدة، بما في ذلك تفاقم موجة التوقيفات، والاحتجاز التعسّفي، وإدراج أسماء على اللائحة السوداء، وحظر السفر، وتجميد الأصول، والتخويف، وغيرها من الأعمال الانتقاميّة التي تُمارَس ضدّ المدافعين عن حقوق الإنسان، والصحافيّين، والمعارضة السياسيّة وكلّ مَن هو على صلة بالإخوان المسلمين. كما تَرِدنا بصورة متزايدة ادّعاءات بالتعذيب خلال الاحتجاز، وحالات اختفاء قسريّ، وإعدام خارج نطاق القانون، ومحاكمة مدنيّين أمام المحاكم العسكريّة. ومن جهة أخرى، لا ينتهك القانونُ الجديد الخاص بالمنظّمات غير الحكوميّة الذي تمّ اعتماده في 24 أيّار/ مايو، وينطوي على تقييد أنشطة منظّمات المجتمع المدنيّ تقييدًا شاملاً، القانونَ الدوليَّ فحسب بل ينتهك أيضًا دستور مصر. كما حجبت الحكومة المصريّة مئات المواقع الإلكترونيّة ووسائط الإعلام، بما في ذلك مواقع عدد من وسائل الإعلام المصريّة والمنظّمات غير الحكوميّة. ولا يؤدّي العنف والترهيب الممارسَيْن ضدّ أكثر الأصوات حكمة في البلاد، ومنع المنظّمات غير الحكوميّة من تأمين الخدمات الاجتماعيّة والاقتصاديّة الحيويّة، وحظر المعلومات، إلاّ إلى تفاقم التطرّف وعدم الاستقرار. نحيّي المدافعين عن حقوق الإنسان والناشطين الذين لا يزالون يدافعون عن حقوق الشعب المصريّ بكلّ تفانٍ وبعيدًا عن الأنانيّة، ونحث الحكومة على أن تعكس مجرى سياستها وتوسّع الحيّز الديمقراطيّ، وتسمح للمدافعين عن الحقوق بأن يساهموا بكلّ حريّة في تنمية مجتمع قادر على الازدهار والانفتاح. ونكرّر عرضنا بالتعاون والدعم التقنيَّيْن، وندعو مصر كي تلتزم التزامًا أكثر إنتاجيّة مع مكتبنا والإجراءات الخاصة التابعة إلى هذا المجلس.

منذ حزيران/ يونيو 2016، فرضت حكومة البحرين قيودًا صارمة على المجتمع المدنيّ والنشاط السياسيّ من خلال عمليات التوقيف، والترهيب وحظر السفر وأوامر بالإغلاق، في موازاة ارتفاع نسبة التقارير التي تشير إلى ممارسة السلطات الأمنيّة التعذيب. وقد أمسى اليوم الحيّز الديمقراطيّ في البلاد معدومًا. لفتنا انتباه السلطات أكثر من مرّة إلى خطورة الوضع في المملكة، وذلك بالتعاون مع العديد من آليّات حقوق الإنسان وعبر بيانات مشتركة مع الدول الأعضاء. كما قدّمنا مرارًا وتكرارًا دعم مكتبنا ليساهم في إجراء تحسينات عمليّة. إلاّ أنّ هذه الجهود كلّها قوبلت برفض صريح، وباتّهامات عارية عن الصحّة وبشروط غير منطقيّة فُرِضَت على البعثات التقنيّة. ولكن، لِيَكُن بالعلم أنّه ما من حملةٍ للعلاقات العامة يمكنها أن تطمس الانتهاكات التي يتعرّض إليها شعب البحرَيْن. فهو جدير بأن تُحتَرَم حقوقه الإنسانيّة، ولا نزال نعرض مساعدة مكتبنا كي نساهم في أيّ جهد حقيقيّ يهدف إلى معالجة الوضع.

لا تزال إيران تقيّد حريّة الرأيّ والتعبير. وقد ورد إلى مكتبنا العديد من التقارير تشير إلى توقيف مدافعين عن حقوق الإنسان، وصحافيّين وناشطين على وسائل التواصل الاجتماعيّ وإلى احتجازهم. ولا يزال سوء معاملة السجناء متفشيًّا في البلاد، بالإضافة إلى إصدار السلطة التشريعية أحكامًا قاسية ولاإنسانية ومهينة، بما في ذلك بتر الأعضاء والتعمية. ولا تزال إيران تحتل أعلى المراتب على مستوى معدّل عمليّات الإعدام للفرد. والعديد ممَّن يعدمون قد ارتكبوا جرائم تتعلّق بالمخدّرات وليس "أكثر الجرائم خطورةً" بحسب أحكام القانون الدوليّ. ومنذ بداية هذه السنة، أُعدم أربعة أطفال أقلّه، ولا يزال 89 طفلاً آخرَ على الأقلّ ينتظر تنفيذ حكم الإعدام. وخلال الشهر الفائت، أصدر البرلمان الإيرانيّ تعديلاً طال انتظاره يرفع الحدّ الأدنى لعقوبة الإعدام في قضايا التجارة بالمخدّرات، على الرغم من أنّ بعض تجّار المخدّرات لا يزالون يواجهون خطر الإعدام. وينتظر حاليًّا التعديل موافقة مجلس الأوصياء.

سيّدي الرئيس،

أصدر مكتبنا الشهر الفائت تقريرًا بشأن فنزويلا، سلّط الأضواء على إفراط ضبّاط الأمن في استخدام القوّة، بالإضافة إلى العديد من انتهاكات حقوق الإنسان الأخرى المرتَكَبة في سياق المظاهرات المناهضة للحكومة. هناك خطر حقيقي يلوح في الأفق، ويهدّد بتفاقم التوتّر، في ظلّ سحق الحكومة المؤسّسات الديمقراطيّة والأصوات المعارضة – بما في ذلك من خلال الملاحقات الجنائيّة ضدّ قادة المعارضة، واللجوء إلى التوقيف التعسّفيّ، والإفراط في استخدام القوّة، وسوء معاملة الموقوفين الذي يتحوّل في بعض الأحيان إلى تعذيب. إنّ فنزويلا دولة عضو في هذا المجلس، وبصفتها هذه، تقع على كاهلها مسؤوليّة خاصة بـ"اعتماد أرفع المعايير لتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها"، بحسب ما ينصّ عليه القرار 250/60. وتشير التحقيقات التي أجريناها إلى إمكانيّة وقوع جرائم ضدّ الإنسانيّة، ولا يمكن تأكيد ذلك إلاّ من خلال إجراء تحقيقيات جنائيّة. وفي حين أنّنا ندعم مفهوم اللجنة الوطنيّة لتقصّي الحقائق والمصالحة، إلاّ أنّ الآليّة المعتمدة حاليًّا غير ملائمة. لذا، ندعو إلى إعادة تشكيلها بمشاركة المجتمع الدوليّ ودعمه. كما نحثّ هذا المجلس على إجراء تحقيق دوليّ في انتهاكات حقوق الإنسان في فتزويلا.

ينتهك الفساد حقوق الملايين من الناس حول العالم، من خلال سلبهم ما يجدر به أن يخدم المصلحة العامة، وحرمانهم من حقوقهم الأساسيّة على غرار الصحّة والتعليم والوصول المتساوي إلى العدالة. وقد بيّنت فضائح برزت مؤخّرًا وانطوت على ادّعاءات خطيرة جدًّا طالت مسؤولين في أعلى المراكز في البرازيل وهندوراس، إلى أي مدى الفساد متجذّر في كافة مستويات إدارة العديد من بلدان القارة الأميركيّة، وغالبًا ما يرتبط بالجرائم المنظّمة والتجارة بالمخدّرات. ما يقوّض المؤسّسات الديمقراطيّة ويبدّد ثقة الرأيّ العام. ويشكّل المضيّ نحو فضح الفساد المعشعش في أرفع المستويات الحكوميّة وملاحقته، خطوة أساسيّة نحو ضمان احترام حقوق الشعوب، بما في ذلك تحقيق العدالة.

وفي غواتيمالا، نحيّي العمل الذي قامت به المحكمة الدستوريّة لمواجهة المساعي لطرد رئيس اللجنة الدوليّة لمناهضة الإفلات من العقاب في غواتيمالا – وهي هيئة دولية مستقلّة هدفها الأساسيّ دعم مؤسّسات الدولة خلال التحقيقات والملاحقات ذات الصلة بقضايا الفساد والجريمة المنظّمة. كما نحيّي الجهود التي يبذلها العديد من الناس الذين نزلوا الشوارع دعمًا للجنة الدوليّة لمناهضة الإفلات من العقاب في غواتيمالا، وحقوق الشعب في إنشاء دولة أكثر انفتاحًا وشفافية. وندعو إلى دعم كل من التزم مكافحة الإفلات من العقاب والفساد وإلى حمايته. كما نشجّع حكومة غواتيمالا على إعادة التأكيد على التزاماتها بتعزيز حقوق الإنسان والحكم الديمقراطيّ وحكم القانون.

وفي السلفادور، لا نزال قلقين حيال العنف المستمرّ في البلاد البارز بين أعضاء من عصابات قويّة وقوات الأمن، الذي أدّى إلى ارتفاع نسبة التقارير بشأن تزايد وتيرة الإعدام خارج نطاق القانون. كما ورد إلى مكتبنا تقارير تشير إلى تهديد الصحافييّن الذين يعملون على توثيق انتشار فرقة الموت المزعومة، بما في ذلك التواطؤ مع رجال الأمن. ويريحنا كثيرًا أنّه تمّ فتح بعض التحقيقات وندعو إلى تعزيز كلّ جهد يُبذَل في هذا الاتّجاه. فالصحافيّون يعملون كي يضمنوا أن تصل المعلومات الصحيحة إلى الرأيّ العام، ولا بدّ من حمايتهم من العنف والترهيب.

وفي الولايات المتّحدة الأميركيّة، يقلقنا قرار الحكومة الذي يقضي بإلغاء برنامج العمل المؤجّل للطفولة الوافدة في مهلة ستّة أشهر، على الرغم من البراهين الواضحة لتأثيره الإيجابيّ على حياة حوالى 800,000 مهاجر شاب، والاقتصاد والمجتمع الأميركيَّيْن. نتمنّى أن يتحرّك الكونغرس اليوم فيسوّي أوضاع المستفيدين السابقين من البرنامج وتصبح قانونيّة. كما ينتابنا قلق عميق حيال ارتفاع معدّلات الاحتجاز والترحيل بين صفوف المهاجرين المترسّخين في المجتمع والمطيعين للقانون: فعدد المهاجرين الموقوفين الذين لم يرتكبوا أيّ جرم ارتفع بنسبة 155 في المائة خلال الأشهر الخمسة الأولى من السنة مقارنة مع الفترة الموازية من العام 2016. حتّى أنّ عددًا من المقيمين الطويلي الأمد، مرتعدون من خطر الترحيل لدرجة أنّهم يمتنعون عن الوصول إلى حماية الشرطة والمحاكم؛ فقد انخفضت مثلاً نسبة تبليغ المرأة اللاتينيّة عن حالات اغتصاب في هيوستون بنسبة 43 في المائة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2017. وقد عبّرنا علنًا عن قلقنا حيال معاداة السامية والتمييز العنصريّ الفاضح في فرجينيا الشهر الماضي، المتفشّيان بصورة مضطردة على المواقع الإلكترونيّة والمناقشات العامة. إنّ حريّة التعبير حقّ أساسيّ لا يُقدَّر بثمن، وتحميه المعايير الدوليّة وقوانين الولايات المتّحدة، ولا يجدر أبدًا استخدامه كسلاح لارتكاب المزيد من العنف والكراهية.

سيّدي الرئيس،

نرحّب بتعبير تركيا وغيرها من البلدان الأجنبيّة، عن خوفها على حقوق الإنسان التي يتمتّع بها مجتمع الروهنغيا. ولكننا نشجّع الحكومة على أن تتبنّى الاعتبارات ذاتها في ما يتعلّق بوضع حقوق الإنسان في تركيا نفسها، فهو في تدهور مستمر، ويخضع حقّ في حريّة التعبير وفي الاطلاع على المعلومات لضغوط مستمرّة، وتوقيف أعداد لا تُحصى من الصحافيّين والقضاة والأكاديميّين والموظّفين الحكوميّين والمدافعين عن حقوق الإنسان الأتراك واحتجازهم، في موازاة صرف آخرين أو ممارسة المراقبة الاقتحاميّة والرقابة والتهديدات والعنف ضدّهم. كما تمّ استهداف الأفراد الذين يُشتَبَه باتّصالهم بحركات دينيّة لا توافق عليها الدولة، أو منظّمات يساريّة أو تركّز على قضايا الأكراد. ويبدو العديد من الإجراءات المعتَمَدة غير متناسب لا بل تعسّفيًا في بعض الأحيان: فتوقيف 10 من المدافعين عن حقوق الإنسان خلال فصل الصيف يعملون مع منظّمة العفو الدوليّة – واتّهامهم بمساعدة منظّمة إرهابيّة مسلّحة لمشاركتهم في ورشة عمل تدريبيّة والعمل في ميدان حقوق الإنسان – يشير إلى أنّ آخرين واجهوا أيضًا إجراءات تعسّفيّة. ندعو الحكومة إلى أن تضع حدًّا لهذه الممارسات التي تقوّض الدافع الحيويّ لإنشاء مجتمع منفتح وصحّي وحرّ.

كما نحثّ الحكومة التركيّة على عدم تمديد حالة الطوارئ عند حلول أجلها الشهر المقبل، وأن تراقب إداريًّا وقضائيًّا كافة الإجراءات ذات الصلة – بما في ذلك السماح للجنة التحقيق الحديثة الإنشاء المسؤولة عن معالجة الشكاوى، أن تعمل بالكامل وباستقلاليّة تامة. كما ندعو الحكومة ألا تعتمد أيّ إجراء من شأنه أن يعيد حكم الإعدام، ما قد يسيئ إلى سمعة تركيا الدوليّة ومنزلتها، ويشكّل انتكاسة للبلاد. وأخيرًا، لا تزال مخاوفنا في مكانها في ما يخصّ طلبنا بوصول فريق من مراقبي حقوق الإنسان وزيارته تركيا الجنوبيّة الشرقيّة. ولا نزال ملتزمين بإشراك السلطات التركيّة لحلّ هذه القضيّة؛ وفي غضون ذلك، سينشر مكتبنا قريبًا تقريرًا حول انعكاسات حالة الطوارئ على حقوق الإنسان.

في بولندا، نحيّي نشاط آلاف الأشخاص الذين اعترضوا في شهر تمّوز/ يوليو على أربع عمليّات إصلاح طالت السلطة القضائية، هدفت بصورة أساسيّة إلى تفكيك أساس السلطة القضائيّة المستقلّة – بما في ذلك منح الحكومة سلطة تعيين كافة القضاة وتسريحهم، وإلغاء تعيينات كافة أعضاء المحكمة العليا فورًا.

وعقب الحركات الاحتجاجيّة، استخدم الرئيس دودا حقّ النقض ضدّ تعديلَيْن وأعادهما إلى البرلمان. إلاّ أنّ التعديلَيْن الآخرَيْن دخلا حيّز التنفيذ – ما يضمن، من بين نقاط أخرى، أن تتمكّن الحكومة من تعيين كافة رؤساء محاكم الحقّ العام وتسريحهم، وأي قاض يرأس أيّ قضيّة. نندّد بسيطرة الحكومة الواضحة على المؤسّسات الأساسيّة، بما في ذلك المحكمة الدستوريّة ووسائل الإعلام الوطنيّة. ونحثّ السلطات على أن تستعيد في ذاكرتها تاريخ الشعب البولندي الرائع المفعم بالنضالات من أجل تحصيل حقوق الإنسان والحريّة، وأن تحترم وتحمي وتعزّز حقوقه في سلطة قضائيّة مستقلّة، وفي مراعاة الأصول القانونيّة، وفي وسائل الإعلام المستقلّة والحريّات الأساسيّة.

وتقلقنا في جمهوريّة مولدوفا ملاحقة المحامين الذي يمثّلون رموز المعارضة، والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحافيّين ومضايقتهم؛ وكما تقلقنا أيضًا الأعمال الانتقاميّة ضدّ المنظّمات غير الحكوميّة، وعزل قاضٍ، وتوقيف مسؤولين حكوميّين على أساس اتّهامات مفبركة عارية عن الصحّة. كما أنّ التعديلات المقترحة على القانون الخاص بالمنظّمات غير الحكوميّة يعرقل بصورة كبيرة نشاط منظّمات المجتمع المدنيّ التي تصلها أموال من الخارج. نشجّع الحكومة على أن تدعم حقوق الشعب في حريّة الرأيّ والتعبير والتجمّع وإنشاء الجمعيّات عند إطلاق إصلاحات مماثلة، وأن تعزّز فورًا آليات حقوق الإنسان في البلاد، وأن تطلب الخبرات والمساعدة من مكتبنا. فعلى كلّ تغيير تشريعيّ أن يهدف إلى توسيع الحيّز المتاح للمجتمع المدنيّ القويّ والحرّ والمستقرّ، على أن تسبقه استشارات شفّافة وشاملة مع منظّمات المجتمع المدنيّ.

في ما يتعلّق بوضع حقوق الإنسان في هنغاريا، نضمّ صوتنا إلى صوت الاتّحاد الأوروبيّ وإلى سلسلة من الهيئات الثنائيّة الأطراف ومنظّمات فوق وطنيّة، لنعبّر عن أسفنا حيال تدهور حكم القانون والحقوق الأساسيّة. فقد تمّ تقويض جوانب حيويّة من حريّة التعبير، بما في ذلك استقلاليّة وسائل الإعلام وحريّة التعليم. ففي شهر حزيران/ يونيو، فرضت تشريعات جديدة خاصة بالمنظّمات غير الحكوميّة قيودًا جديدة على المجتمع المدنيّ، وهي آخر ما توصّلت إليه إجراءات التضييق على الحيز الديمقراطيّ. كما نندّد بالإجراءات الجذريّة واللاإنسانية التي تعيق وصول المهاجرين إلى الخدمات الأساسيّة. يُنقَل طالبو اللجوء المحاصرون في مراكز العبور، الذين يحتاجون إلى عناية طبيّة طارئة إلى المستشفيات المحليّة مكبّلي اليدين وتحت حراسة مسلّحة، كما أن الأطفال المهاجرين يحتجزون تلقائيًّا وبصورة غير قانونيّة لفترات طويلة.

على الرغم من أنّ المهاجرين واللاجئين في الكثير من مناطق أوروبّا يواجهون هذا النوع من المعاملة العدائيّة واللاإنسانيّة، برهن سكّان جزيرة تيلوس البالغة الصغر اليونانيّة، أنّه من الممكن تمامًا أن نرحّب بهم بكرامة واحترام. وعلى الرغم من الركود الذي تشهده البلاد، والخفض الحاد في الإنفاق العام، استقبلت السلطات البلديّة، بمساندة المنظّمات غير الحكوميّة والعديد من المتطوّعين المحليّين، العائلات التي تطلب اللجوء وإعادة التوطين في بلدان أوروبيّة أخرى – كما دمجوا الأطفال في المدرسة المحليّة ومكّنوا الراشدين من البحث عن عمل. نحيّي هذا المثال المشرِّف عن الكرامة الإنسانيّة.

سيّدي الرئيس،

طالب الأمين العام سيّد غوتيريس، بإطلاق نقاش منطقيّ بشأن الهجرة، مع الاحترام الكامل لحقوق الإنسان. نتمنّى من كلّ قلبنا أن يؤدي الاتّفاق العالمي بشأن الهجرة إلى إدارة الهجرة إدارة مترسّخة في حقوق الإنسان. فمنذ شهر، اضطر العديد من المنظّمات غير الحكوميّة إلى تقليص حجم أنشطتها الحيويّة أو إلى تعليقها حتّى في المنطقة الوسطى للبحر الأبيض المتوسّط، بعدما أُفيد أنّ خفر السواحل الليبيّ منع عمليّات البحث والإنقاذ في المياه الدوليّة قرب ليبيا، وهدّد أيّ منظّمة غير حكوميّة تسعى إلى إنقاذ المهاجرين. وأمست المنظّمات غير الحكوميّة تدخل المنطقة اليوم على مسؤوليّتها الخاصة. ندعو ليبيا والاتّحاد الأوروبيّ ودوله الأعضاء إلى حماية المنظّمات غير الحكوميّة خلال عمليّات الإنقاذ هذه؛ فهي تنقذ حياة العديد العديد من الرجال والنساء والأطفال. ونكرّر من جديد أنّ إعاقة عمليّات البحث والإنقاذ، ووضع حياة المهاجرين المهدَّدين بالموت في خطر وسط البحار، وإعادة أيّ كان إلى مناطق قد يواجه فيها خطر التعذيب وغيرها من أوجه الإساءة الأخرى، يشكّل انتهاكًا فاضحًا لقانون البحار والقانون الدوليّ لحقوق الإنسان.

نحن مرتاعون للإساءات الفظيعة التي يواجهها الهاجرون عندما يتمّ اعتراض طريقهم وإعادتهم إلى ليبيا. فالإعدام خارج إطار القانون، والاستعباد، والتعذيب، والاغتصاب، والاتّجار بالبشر، والتجويع هي من الإساءات التي يتمّ التبليغ عنها ويتعرّض لها المهاجرون في مراكز الاحتجاز الرسميّة وغير الرسميّة في البلاد. نذكّر كافة حكومات الاتّحاد الأوروبيّ، لا بل كافة الحكومات حول العالم، أنّه لا يجدر أبدًا ترحيل أيّ كائن بشريّ مهما كان، وفي ظلّ أيّ ظروف، إلى مكان قد يواجه فيه خطر التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان. ونظرًا إلى الإفلات من العقاب السائد في ليبيا والخروج عن القانون والفوضى المتفشيّة في بعض المناطق، تقلقنا كثيرًا التقارير الأخيرة التي تشير إلى أنّ مجموعات مسلّحة توقف وتحتجز حاليًّا المهاجرين الذين يحاولون الهرب من البلاد، والأرجح بتشجيع من بعض الدول الأعضاء في الاتّحاد الأوروبيّ. على الاتّحاد الأوروبيّ ودولِه الأعضاء أن يضمن أن يحترم أيُّ اتّفاقِ تعاونٍ مع ليبيا كاملَ حقوق الإنسان وكرامةَ المهاجر.

سيّدي الرئيس،

نشعر بقلق عميق حيال التدهور الصارخ لشروط الأمن في مناطق واسع من جمهوريّة إفريقيا الوسطى خلال الأشهر الأخيرة، لا سيّما في جنوب شرق البلاد. وتزعجنا كثيرًا التقارير المتكرّرة حول هول الجرائم التي دفعت البلاد إلى شفير الانهيار التام بسبب قضايا دينيّة وعرقيّة. وقد أجبرَت دوّامة الهجمات المتزايدة ضد العاملين في مجال الإغاثة عددًا من المنظّمات الإنسانيّة على تعليق أنشطة إنقاذ الحياة في عدد من المناطق، وخلال الأشهر الأخيرة، اضطرّ عشرات آلاف المدنيّين إلى الهرب من المناطق التي تتكثّف فيها أعمال العنف. إنّ ميليشيات "أنتي بالاكا" وائتلاف سيليكا السابق، بالإضافة إلى المجموعات المنشقّة المختلفة هي المسؤولة عن تصعيد الأعمال الانتقاميّة التي يغذّيها تحريض القادة الدينيّين وغيرهم على الكراهية والعنف. نحثّ المسؤولين الحكوميّين على التنديد فورًا بأيّ نداء يدعو إلى العنف. ونرحّب بالخطوات التي تمّ تنفيذها من أجل تفعيل المحكمة الجنائيّة الخاصة، واللجنة الوطنيّة لتقصّي الحقائق والمصالحة، ولجنة حقوق الإنسان، ولجنة وطنيّة لمنع الإبادة الجماعيّة. فهذه الإجراءات التي تهدف إلى تحقيق المساءلة تساهم في تذكير كافة المجموعات المسلّحة والقادة بالمخاطر التي يواجهونها عند ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الشعب.

وتتجلّى أيضًا حاجة طارئة إلى تحقيق المساءلة في جنوب السودان. فالبلاد تُدمَّر بكلّ بساطة، ويبحث مليون سودانيّ عن ملجأ في أوغندا بعيدًا عن العنف المتفشّي، بالإضافة إلى مليون سودانيّ آخر يبحث عن مأوى في بلدان أخرى. وقد أشارت منظّمات الإغاثة إلى رقم قياسيّ جديد لحالات عرقلة المساعدات الإنسانيّة أو نهبها خلال الأشهر الأخيرة. وبالإضافة إلى مستويات العنف والعنف الجنسيّ المروّعة التي تمارسها كافة الأطراف في النزاع على حدّ سواء، تقلقنا أيضًا تقارير عن الاحتجاز التعسّفي لأشخاص يُعتَبَر أنّهم ينتقدون الحكومة. وفي حين أنّ الحوار الوطنيّ لا يزال قائمًا، لا بد من أن يُفسح المجال أمام كافة السودانيّين الشماليّين كي يعبّروا عن آرائهم بكلّ حريّة ومن دون الخوف من الانتقام. وأكرّر من جديد ضرورة إنشاء المحكمة المختلطة لجنوب السودان، وفق ما ينص عليه اتّفاق السلام، من أجل أن تعالج الانتهاكات الجسيمة التي تغذّي دوّامة العنف. ونرحّب بقرار هذا المجلس بتكليف لجنة حقوق الإنسان في جنوب السودان جمع البراهين الضروريّة لمقاضاة المرتكبين. ويرفع نائب المفوّض الساميّ تقريره المفصّل إلى المجلس في فترة لاحقة من هذه الدورة.

لم يشهد الوضع في بورونديّ أيّ تحسّن، بحسب ما أشارَت إليه مؤخّرًا اللجنة الدوليّة للتحقيق في بوروندي، مع تزايد حالات اختفاء المعارضين المفتَرَضين، وقتلهم، وتوقيفهم التعسّفي، واحتجازهم وتعذيبهم. كما تمّ حظر معظم أحزاب المعارضة، والمنظّمات غير الحكوميّة ووسائل الإعلام المستقلّة أو تعليقها، من دون ترك أيّ حيّز للحريّات المدنيّة والنقاش المفتوح. وقد انعكست الأزمة السياسيّة انعكاسًا مدمّرًا على حقوق الشعب الاقتصاديّة والاجتماعيّة. وترفع لجنة التحقيق نتائجها وتوصياتها إلى المجلس خلال فترة لاحقة من هذه الدورة. وعلى ضوء هذه الانتهاكات الخطيرة المستمرّة، نذكّر مرّة جديدة الدول الأعضاء في هذا المجلس، ومن ضمنهم بوروندي، أنّها تتحمّل مسؤولية خاصة بـ"اعتماد أرفع المعايير لتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها." وندعو دولة بروندي إلى استعراض تقرير لجنة التحقيق وتطبيقه بكلّ دقّة، وأن تتحرّك بصورة طارئة وتضع حدًّا للانتهاكات والإساءات التي ترتكبها القوى الأمنيّة وامبونيراكور.

إن التأخّر في تنفيذ اتّفاق السلام في مالي، وضعف مؤسّسات الدولة أو غيابها على مستوى مناطق عدّة من البلاد من العوامل التي تساهم في تغذية نشاط المجموعات الإرهابيّة والعصابات المجرمة في أجزاء كثيرة من المنطقة الساحليّة. ولا بدّ لأيّ استراتيجيّة فاعلة لمكافحة التطرّف العنيف من أن تعالج العوامل الكامن على غرار الفقر، والنقص في الخدمات الأساسيّة، والفساد والتهميش، والتمييز، وانتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها المؤسّسات المسؤولة عن حماية الشعب. ونرحّب بقرار بركينا فاسو، والنيجر، وتشاد، وموريتانيا ومالي، بإنشاء قوة مشتركة لمواجهة هذه التحدّيات. ونركّز على حاجة هذه البلدان إلى ضمان أن يولي كافة أعضاء هذه القوّة – بما فيهم الدرك والشرطة والقوى العسكريّة من البلدان الخمسة المساهمة فيها- العناية الواجبة لحقوق الإنسان.

في السودان، نرحب بتراجع حدّة الصراع في دارفور. إلاّ أنّنا لا نزال قلقين حيال تحقيق المسائلة. فمنذ شهر كانون الثاني/ يناير، سجّل قسم حقوق الإنسان التابع للعمليّة المختلطة للاتّحاد الإفريقيّ والأمم المتّحدة في دارفور ارتفاعًا في معدّل انتهاكات حقوق الإنسان والهجمات على المدنيّين، لا سيّما المشرّدين داخليًّا. ويرتكب معظمها قوّات الأمن الحكوميّة والميليشيات التي لا تزال تعمل من دون أيّ عقاب في دارفور.

في جمهوريّة كونغو الديمقراطيّة، يساورنا قلق شديد حيال غياب أيّ تقدّم في اتّجاه إجراء الانتخابات، وفق ما ينصّ عليه اتّفاق 31 كانون الأوّل/ ديسمبر السياسيّ، ويبدو أنّ العنف الطائفيّ في تصعيد مستمرّ في مناطق عدّة من البلاد، بما في ذلك مقاطعة تكاييكا وشمال كيفو وجنوبها. وقد أجرَت بعثة من مكتبنا مقابلات مع لاجئين هربوا من مناطق كاساي فذكروا سلسلة مروّعة من الانتهاكات. يؤسفنا أنّه على الرغم من التحقيقات الجارية وإدانة عدد من أعضاء ميليشيا كاموينا نسابو المزعومين، لم يتمّ إحراز أيّ تقدّم ملحوظ نحو إطلاق تحقيق مستقلّ ومحايد يتمتّع بالمصداقيّة المطلوبة في انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها قوات الأمن والدفاع. وقد فوّض المجلس فريقًا دوليًّا من الخبراء للعمل مع السلطات والتحقيق في هذه الانتهاكات التي لا تزال تُرتَكَب في مناطق كاساي، وإني لأترّقب صدور نتائج هذه التحقيقات وتوصياتها.

إلاّ أنّه على السلطات أن تتحرّك فورًا كي تمنع وقوع هذه الجرائم الشنيعة وتحمي حقوق الشعب. ويرفع نائب المفوّض الساميّ إلى هذا المجلس تقريره الشامل والمفصّل بشأن وضع حقوق الإنسان في جمهورية كونغو الديمقراطيّة.
في إثيوبيا، نرحّب برفع حالة الطوارئ الشهر الفائت، ونتطلّع إلى تحسين حماية حقوق الإنسان، وتحميل مرتكبي الانتهاكات مسؤوليّة أفعالهم، ومعالجة جذور الاستياء الاجتماعيّ، بما يتناسب وتوصيات حقوق الإنسان الوطنيّة والدوليّة. ونحثّ الحكومة على إطلاق سراح من تمّ توقيفه واحتجازه تعسّفيًّا لممارسته حقّه في حريّة التعبير وتكوين الجمعيّات، وعلى ضمان أن تُعالج كافة القضايا العالقة وفق الأصول القانونيّة وباحترام الحقوق المتعلّقة بضمانات المحاكمة العادلة. وإنّنا نتطلّع لاستكمال تعاوننا المثمر مع الحكومة.

نرحّب باستكمال التعاون بين مكتبنا وحكومة جمهوريّة الكونغو، بما في ذلك التزام الحكومة – أمام مكتبنا الأسبوع الفائت – بإنشاء لجنة تحقيق في ادّعاءات الإعدام خارج نطاق القانون وغيرها من الانتهاكات الخطيرة التي وقعت في العام 2015 وصولاً إلى الأزمة العنيفة الحاليّة المتفشية في منطقة بول. كما نرحّب بالتزام الحكومة معالجة وضع العديد من الأشخاص الذين يُزعَم أنّهم محتجزون بصورة غير قانونيّة. ونتوقّع أن تتحرّك الحكومة فورًا لتعتمد سريعًا هذه الإجراءات وغيرها من الإجراءات الضروريّة.

سيّدي الرئيس،

خلال السنوات الثلاث الأولى من ولايتنا، خيّم على العالم المزيد من الأسى والمخاطر. وقد أصبحت رؤيانا أكثر حزمًا وتصميمًا، ومبنيّة على أسس العِبَر التي استخلصها أسلافنا، ومفادها أنّ مبادئ حقوق الإنسان هي السبيل الوحيد لتفادي حرب عالميّة والبؤس والحرمان.

ويلهمنا، ونحن لا نزال على رأس هذا المكتب، كلّ من يقوم ويدافع عن الحقوق في العديد من البلدان ويتحدّى من لا يمكن الدفاع عنه. هو لا يسعى إلى تحصيل سلطة معيّنة أو تحقيق مصلحته الشخصيّة، بل إلى نشر العدالة.

وشكرًا.

الصفحة متوفرة باللغة: