بيانات صحفية التحقيق المستقل
لجنة الأمم المتحدة تُحذر من تصاعد حدة الحرب السورية، في ظل تفاقم الأزمة الإنسانية واستمرار أنماط جرائم الحرب والمخاوف من نزاع إقليمي واسع النطاق
10 أيلول/سبتمبر 2024
جنيف – بمناسبة إطلاق أحدث تقاريرها اليوم، حذَّرت لجنة الأمم المتحدة للتحقيق بشأن سوريا من اشتداد حدة القتال على العديد من خطوط جبهات النزاع السوري، في منطقة تعيش على وقع المخاوف من حرب واسعة النطاق.
وذكر رئيس اللجنة باولو بينهيرو أن "الديناميات القاتلة العميقة الجذور تُشعل مجددا موجات جديدة من الأعمال العدائية. إن الاقتتال المباشر الأخير في محيط دير الزور شمال شرق سوريا بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي يقودها الأكراد من جهة، والقبائل العربية وقوات النظام والميليشيات المدعومة من إيران من جهة أخرى، تذكرنا بالشعور العميق بالظلم الذي يتملك سكان هذا الجزء من شمال شرق سوريا."
إن تصاعد التوترات الإقليمية الناجم عن النزاع في فلسطين قد أدى إلى زيادة الضربات الجوية الإسرائيلية التي تستهدف مسؤولين إيرانيين وميليشيات مدعومة من إيران في كل أنحاء سوريا، بشكل تسبَّب ثلاث مرات على الأقل في سقوط ضحايا مدنيين. وتواصل اللجنة التحقيق بشأن مثل تلك الضربات الجوية، بما في ذلك غارة يوم الأحد على منطقة حماة. وقامت مجموعات تابعة لإيران، بدورها، باستهداف قواعد أمريكية في شرق سوريا أكثر من مائة مرة منذ بداية حرب غزة، وكانت آخرها الشهر الماضي وتلتها هجمات مضادة من الجانب الأمريكي. وظلت ستة جيوش أجنبية نشطة في سوريا أثناء الفترة المشمولة بالتقرير، من 1 يناير/كانون الثاني إلى 30 يونيو/حزيران.
وأدى تصاعد حدة العنف في شمال غرب سوريا إلى وفاة وإصابة وتشويه مدنيين جراء هجمات غير مشروعة شنتها قوات الحكومة السورية، بما في ذلك من خلال استعمال الذخائر العنقودية في مراكز حضرية ذات كثافة سكانية مرتفعة في منطقة إدلب. وفي إطار الأحداث التي أجرت اللجنة تحقيقات بشأنها، قُتل أو أُصيب أكثر من 150 مدنيا، نصفهم من النساء والأطفال، في غالب الأحيان نتيجة هجمات عشوائية شنَّتها القوات الحكومية، وقد ترقى إلى جرائم حرب. وأدت هجمات روسية مجددا إلى وقوع ضحايا مدنيين في إدلب.
وشنَّت القوات التركية العديد من العمليات ضد أهداف عسكرية لقوات قسد في شمال شرق سوريا. وأجرت اللجنة تحقيقات بشأن الهجمات الجوية التركية التي أدت، خلال فصل الشتاء الماضي، إلى ضرب العديد من المباني الطبية وتدمير العديد من العنفات في محطةٍ لتوليد الطاقة في السويدية بالحسكة، مما أثر على إمكانية وصول أكثر من مليون شخص إلى الماء والوقود وخدمات أساسية أخرى، لتستنتج اللجنة عدم مشروعية تلك الضربات. وفي مايو/أيار، استهدفت ضربات جوية سيارات إسعاف مُعلَّمة بإشارات واقية، وذلك في انتهاك للقانون الإنساني الدولي.
ويظل جنوب سوريا يعاني بشدة من العنف وانعدام الأمن بشكل حاد، بما في ذلك في المناطق التي أعادت الحكومة السيطرة عليها. وأطلقت اللجنة تحقيقا شاملا بشأن مجزرة وقعت يوم 7 أبريل/نيسان في درعا حيث تعرض عشرة مدنيين، من بينهم طفلان، إلى الإعدام بطريقة وحشية من طرف ميليشيات داعمة للحكومة تتألف بشكل كبير من متمردين سابقين "قاموا بإتمام إجراءات المصالحة"، ويقومون بترديد شعارات تنظيم الدولة. وتم إعدام غالبية الضحايا باستخدام سكاكين أو طلقات نارية من مسافة قريبة في إطار أعمال قد ترقى إلى جرائم الحرب المتمثلة في القتل والاعتداء على الكرامة الشخصية.
وذكر عضو اللجنة هاني مجالي أن "الأحداث في درعا كانت تحمل نفس بصمة البعض من أبشع الفظائع المرتكبة خلال أكثر من عقد من النزاع السوري، في حين أن القوات الحكومية المتمركزة على بعد أمتار قليلة من المجزرة فشلت في التدخل وحماية المدنيين، مُظهِرة مدى انزلاق سوريا نحو حالة الفوضى"، ثم أضاف أن "القوات الأمنية والفصائل المفترسة تستخدم العنف والاعتقال والتهديدات لسلب الناس أموالهم عن طريق الابتزاز. وقد يكون المرء عرضة للاعتقال أو التعذيب أو الاغتصاب أو الوفاة في الاعتقال أو الاختفاء في كل أنحاء البلاد إن كان معارضا للسلطات."
وتتوفر اللجنة على أسباب معقولة تحملها على الاعتقاد بأن الحكومة السورية واصلت ارتكاب أعمال التعذيب، بما في ذلك العنف الجنسي والجنساني في بعض الحالات، وسوء المعاملة ضد أشخاص في أماكن الاحتجاز التابعة للدولة السورية، رغم الأمر الصادر عن محكمة العدل الدولية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي والمُوجه إلى الدولة السورية بشأن وقف التعذيب.
وتم مجددا توثيق حالات للوفاة أثناء الاعتقال من طرف الدولة السورية. وواصلت السلطات السورية إعاقة جهود الأهالي للعثور على أقاربهم المعتقلين بشكل تعسفي، حيث فُرض عليهم دفع رشاوي مقابل الحصول على معلومات بشأن مصير المعتقلين، أو مقابل زيارتهم أو إطلاق سراحهم.
ووثَّق التقرير حالات شهدت إصدار السلطات السورية لإخطارات رسمية بشأن حالات وفاة أثناء الاعتقال، تأخر تسليمها لعشر سنوات، مما ترك الأهالي تعاني لفترة عقد كامل وهي في حالة من انعدام اليقين.
واستمرت ممارسات الاعتقال القاسية في كل أنحاء سوريا، مما يؤكد مجددا استمرار أنماط جرائم الحرب من طرف كل الجهات الفاعلة الممارِسة للاعتقال، وكذا أنماط الجرائم ضد الإنسانية أثناء الاعتقال من طرف الدولة السورية.
وقالت عضو اللجنة لين ولشمان: "قمنا بتوثيق حالات لتعذيب وإعدام معتقلين في شمال غرب سوريا من طرف هيئة تحرير الشام. فالهيئة وبعض فصائل الجيش الوطني السوري في الشمال تستخدم في مرافق الاحتجاز الواقعة تحت سيطرتها العديد من نفس أساليب التعذيب القاسية التي تستخدمها الحكومة. ولازال حوالي 30 ألف طفل مُحتجز من طرف قوات قسد في ظروف مزرية في مخيمي الهول وروج، بسبب انتساب آبائهم/أمهاتهم المزعوم إلى تنظيم الدولة."
وأضافت عضو اللجنة ولشمان: "وعلى نحو صادم، فإن بعض النساء والفتيات والفتيان من الإيزيديين، وهم من الناجين من إبادة الإيزيديين ومن جرائم أخرى لتنظيم الدولة، تم احتجازهم لمدة تفوق خمس سنوات الآن إلى جانب من قام باضطهادهم."
وبعد مضي عشر سنوات على الاعتداء الوحشي لتنظيم الدولة على سنجار والهجوم المكثف على المجتمع الإيزيدي هناك عام 2014، تحثُّ اللجنة الإدارة الذاتية والدول الداعمة لها على القيام فورا بتحديد هوية جميع الإيزيديين المحتجزين في هذه المخيمات وإطلاق سراحهم، ودعم مساعيهم لتحقيق العدالة بشأن الأعمال الفظيعة التي نجوا منها.
وتُحذر اللجنة من أن سوريا تنزلق أكثر باتجاه أزمة إنسانية مقلقة تهدد بأن تصبح خارج السيطرة. وخلال السنة الحالية، لم يتم تمويل سوى ربع الاحتياجات الإنسانية، التي بلغت أعلى مستوى لها منذ بدء النزاع: يواجه 13 مليون سوري حالة حادة لانعدام الأمن الغذائي، ويُظهر أكثر من 650 ألف طفل علامات تدل على توقف النمو الناجم عن سوء التغذية الحاد.
واندلعت مؤخرا مظاهرات في كل أنحاء البلاد، يغديها اليأس في ظل الانهيار الاقتصادي وخفض الدعم وممارسات السلطات المحلية القائمة على الافتراس. وشهد الشمال الغربي مظاهرات كبيرة غير مسبوقة وداعية إلى إسقاط الجولاني، قائد هيئة تحرير الشام، وإلى إطلاق سراح المعتقلين وإجراء إصلاحات. وفي منطقة السويداء الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية، تُنظَّم مظاهرات بشكل أسبوعي منذ سنة، رغم حالات موثقة لاستخدام قوات الأمن للعنف والذخيرة الحية في مواجهة المتظاهرين.
وقال عضو اللجنة هاني مجالي أن "السوريين الذين تحلوا بالشجاعة ونزلوا إلى الشوارع للمطالبة بحقوقهم، ينبغي أن يُسمع صوتهم وألا يتم قمعهم. وتظل سوريا تعاني من انعدام الأمن بشكل حاد، ولا ينبغي لأي لاجئ سوري أن يُجبر على العودة في الظروف الحالية."
-نهاية
خلفية: أُنشأت لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية بتاريخ 22 أغسطس/آب 2011 من طرف مجلس حقوق الإنسان بموجب القرار S-17/1. وتتمثل ولاية اللجنة في التحقيق بشأن كل الانتهاكات المزعومة لقانون حقوق الإنسان المرتكبة منذ آذار/مارس 2011 في الجمهورية العربية السورية. وكلف مجلس حقوق الإنسان اللجنة كذلك بإثبات الوقائع والظروف التي قد ترقى إلى مثل تلك الانتهاكات والخاصة بالجرائم المرتكبة مع القيام، حيثما أمكن، بتحديد الجناة بهدف التأكد من مساءلة المسؤولين عن تلك الانتهاكات، بما في ذلك تلك التي قد ترقى إلى الجرائم ضد الإنسانية. وقام مجلس حقوق الإنسان أكثر من مرة بتمديد ولاية اللجنة منذ ذلك الحين، حيث مدد الولاية للمرة الأخيرة إلى غاية 31 مارس/آذار 2025.
احصل على معلومات إضافية بشأن عمل لجنة الأمم المتحدة للتحقيق بشأن سوريا
للرد على طلبات وسائل الإعلام، يرجى الاتصال:
يوهان إريكسون، المستشار الإعلامي للجنة الأمم المتحدة للتحقيق بشأن سوريا، +41 76 691 0411 / johan.eriksson@un.org؛
تود بيتمان، المستشار الإعلامي لدى وحدة دعم آليات التحقيق، +41 76 691 17 61 / todd.pitman@un.org؛
باسكال سيم، مسؤول إعلامي لمجلس حقوق الإنسان، +41 22 917 9763 / simp@un.org
الصفحة متوفرة باللغة: