Skip to main content

الخطابات المفوضية السامية لحقوق الإنسان

عرض شفوي لتقرير الأمين العام بشأن التعاون مع الأمم المتحدة وممثليها وآلياتها في مجال حقوق الإنسان، قدّمته الأمينة العامة المساعدة لحقوق الإنسان إيلزي براندس كيريس

30 أيلول/سبتمبر 2020

الدورة 45 لمجلس حقوق الإنسان
البند 5 على جدول الأعمال
جنيف، في 30 أيلول/ سبتمبر 2020

 

 

سيّدتي الرئيسة، أصحاب السعادة، سيداتي وسادتي،

يسعدني كثيرًا أن تتاح لي فرصة مناقشة الترهيب والأعمال الانتقامية الممارسة ضدّ من يتعاون مع الأمم المتحدة، ضمن إطار هذا الحوار التفاعلي. ونقدر كلّ التقدير اهتمام المجلس المستمر بهذا الموضوع المقلق للغاية، وأشكركم سيدتي الرئيسة، على تفانيكم لمعالجة هذه المسألة.

لقد جدد الأمين العام هذه السنة التزامه بالتصدي للترهيب والأعمال الانتقامية من خلال تكريس قيادة الأمم المتحدة ومواردها تحقيقًا لهذه الغاية. ويشرفني أن أواصل عمل سلفي، أندرو غيلمور، بصفته مسؤولًا رفيع المستوى في الأمم المتحدة. ومن الدلالات الإيجابية على التزام هذا المجلس، أن الدول الأعضاء قد اعترفت بأهمية هذا الدور، في القرار الذي اتّخذه في أيلول/ سبتمبر الماضي، وأدانت فيه جميع أعمال التخويف والأعمال الانتقامية، وحثت فيه الدول على اتخاذ الإجراءات اللازمة للتصدّي لها.

وبالإضافة إلى مساهمة هذه الهيئة الهائلة في هذه المسألة، يشجعني أيضًا الاهتمام المتزايد الذي عبّرت عنه الجمعية العامة ومجلس الأمن العام الماضي. ولا بدّ لنا من أن نحافظ على هذا الزخم العالمي المتنامي وأن نوسّع نطاقه، على الرغم من تفاقم العديد من حالات الطوارئ، وأتطلّع إلى مواصلة الجهود في هذا الاتّجاه.

ممّا لا شكّ فيه أن جائحة كوفيد-19 غيّرت طريقة عملنا وتفاعلنا، كما أنّها أتت بالعديد من التحديات الجديدة، ولكن أيضًا بالكثير من الفرص. ولكن، وللأسف الشديد، فإن حجم ونطاق أعمال التخويف والأعمال الانتقامية المبلّغ عنها لا يزالان يسجّلان المستوى نفسه كما في السابق، بحسب ما أوضحه التقرير المعروض أمامكم. ونظرًا إلى التغيير الكبير في كيفيّة الانخراط مع الأمم المتحدة خلال الفترة المشمولة بالتقرير بسبب كوفيد-19، وإلغاء العديد من أنشطة الأمم المتحدة منذ آذار/ مارس، كنّا نأمل أن يسجّل عدد الادعاءات الواردة قد انخفضًا موازيًا، ولكن هذا لم يحصل للأسف. وهذه العلامة مقلقة للغاية، وقد تشير إلى أن هذه الأعمال تتزايد في ظلّ تفشّي الوباء.

وفي النداء الذي أطلقه الأمين العام في شباط/ فبراير للعمل من أجل حقوق الإنسان، شدّد على أنّ الأمم المتّحدة تعتمد على مشاركة الجهات الفاعلة في المجتمع المدني، وأنه علينا أن نتصدّى للخطابات التي تسعى إلى تشويه سمعة شركائنا وإلى تقويضهم. كما أشار في التقرير إلى أنه "مع تزايد عملنا عبر الإنترنت بسبب كوفيد-19، علينا أن نضمن أن تظل المشاركة مجدية وفعّالة، ومتاحة للجميع، وبعيدة عن أي تخويف أو أعمال انتقامية."

لقد حان الوقت كي نعيد التفكير في كيفيّة ضمان المشاركة الفعالة والشاملة. فالظروف الجديدة التي نوجهها تتطلّب إشراك المزيد من الأشخاص لا أقل. فالتخويف والأعمال الانتقامية تشكّل انتهاكًا صارخًا لا لبس فيها لحقوق الأفراد المستهدفين. كما أنها تشكل عقبة أمام المشاركة والحكم الرشيد. لا يمكننا أن نسمح بإسكات الأصوات.

سيدتي الرئيسة، سيّداتي وسادتي،

التقرير المعروض عليكم اليوم هو عبارة عن مجموعة من الإجراءات التي اتخذتها جهات فاعلة متعددة في الأمم المتحدة، ولكنّه بكلّ تأكيد ليس شاملًا. ومن المثير للقلق أن نرى أن الأعمال الانتقامية والتخويف في عدد من البلدان ليست بحوادث نادرة أو منعزلة، بل تعكس أنماطًا آخذة في التطوّر. وهذا ما أكده الأمين العام السنة الماضية، وأكّده مرة جديدة في تقريره لهذه السنة.

هذا العام، سلّطت الإجراءات التي اتخذها العديد من الجهات الفاعلة في الأمم المتحدة بهدف التصدي للترهيب والأعمال الانتقامية، الانتهاكات الخطيرة التالية: الاعتقالات والاحتجاز وغيرها من أشكال الحرمان من الحرية الأخرى، والتهم الجنائية، والتعذيب وسوء المعاملة، وحتى حالات الوفاة في الحجز والاختفاء القسري. وقد وقع العديد من هذه الحالات في سياق إساءة استخدام التدابير والتشريعات الخاصة بالأمن القومي وبمكافحة الإرهاب المعتَمَدة على نطاق واسع. ومن مسؤوليتنا الجماعية، بصفتنا جهات فاعلة في الأمم المتحدة، أن نتصدى لهذه الانتهاكات وأن نعالجها.

من بين أكثر الأمور فظاعة هي أن الفرد يمكن أن يعاني حرمانًا مطولًا من الحرية بسبب ممارسته حقه في التواصل مع الأمم المتحدة، لا سيّما عندما يعلن خبراء الأمم المتحدة أنّ احتجازه تعسفي. وينص التقرير على وجه التحديد، على ثلاث حالات وقعت في ثلاث بلدان حددتها جهات فاعلة في الأمم المتحدة "تشير فيها المزاعم إلى أن الاعتقال التعسفي يشكّل مشكلة منهجية"، هي الصين ومصر والمملكة العربية السعودية. كما نبدي قلقنا من أنّ الاحتجاز لربّما استُخدام لمعاقبة من يتعاون معنا. وفي حين أنّنا لم نذكر إلاّ هذه الأمثلة الأساسيّة الثلاثة، نظنّ أن هناك أمثلة أخرى على ذلك.

ذكر التقارير أكثر من مرّة عددًا من الأفراد الذين تم استهدافهم مرارًا وتكرارًا وسنة تلو الأخرى، ما يؤكد مخاوفنا من أنه بمجرد زيارة أيّ شخص الأمم المتحدة أو رؤيته في مكاتبها أو تصور أنه يتعاون معنا بطريقة أو بأخرى، أو أنّه عرض قضيته أمام هيئة تابعة للأمم المتحدة، يعرّضه لمزيد من الأذى. والنمط الذي نشهده واضح، إذ يتم ترهيب الناس أو معاقبتهم لردعهم عن التحدث علنًا أو باسم الآخرين.

ندرك تمامًا أن بعض الأفراد والجماعات لا يجرؤون على الانخراط معنا إذا ما تواجدوا في بيئات مقيدة، ما يدل على تقلص الحيّز المدني في البلدان المعنية. ويسلّط التقرير الضوء على الحالات التي لفتت المفوضة السامي الانتباه إليها، بما في ذلك في ليبيا ونيكاراغوا والفلبين والاتحاد الروسي وسري لانكا والإمارات العربية المتحدة وفنزويلا. كما شدّد الأمين العام على الاتجاه المثير للقلق للرقابة الذاتية.

وأثارت جهات فاعلة متعددة في الأمم المتحدة مزاعم فردية برزت في بيئات قمعية على مدى عدة سنوات، ونصّ عليها تقرير هذا العام، منها على سبيل المثال لا الحصر، في البحرين وبوروندي والصين وكوبا ومصر والهند وإيران وميانمار والمملكة العربية السعودية وأوزبكستان وفيتنام. ونظرًا إلى هذه الحالات العديدة المقلقة، يجب أن نعمل معًا كي نحافظ على حيّز خاص بالأمم المتحدة ونوسع نطاقه بهدف تيسير التفاعل والمشاركة.

في حالات النزاع، بلّغت عمليات السلام التابعة للأمم المتحدة عن أعمال تخويف وأعمال انتقامية، ولكن التقصير في الإبلاغ عنها لا يزال يشكّل مصدر قلق لنا. ومن الأمثلة التي وثقتها بعثات حفظ السلام وسلّط التقرير الضوء عليها، حالات وقعت في جمهورية الكونغو الديمقراطية ومالي وجنوب السودان.

سيدتي الرئيسة، سيّداتي وسادتي،

يبيّن التقرير بكلّ وضوح أن التحدّيات تنطوي على بُعد إلكتروني، حيث لا يقتصر الاستهداف على من ينخرط مع الأمم المتحدة في مكاتبها أو في غيرها من المباني الأخرى. ففي العالم الرقمي، تتراوح الحالات بين تعرض الناشطين والصحفيين للهجوم على وسائل التواصل الاجتماعي بعد التحدث في اجتماع للأمم المتحدة، ومعاقبة الضحايا لتقديمهم معلومات إلينا أو لتواصلهم معنا إلكترونيًا. ومن بين الجوانب المقلقة للغاية، أنّ بعض هذه الحالات يتعلق باتصالات أجرينها وظنّنا أنّها خاصة وسرية. وبالتالي، فإن الاستهداف يفضح درجة الرصد والمراقبة، والثغرات في الأمن الرقمي التي يواجهها الضحايا والناشطون والصحفيون.

ويشدّد التقرير على أن العاملين في مجال حقوق المرأة وحقوق المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهويّة الجنسانية وأحرار الهوية والميول الجنسية وحاملي صفات الجنسَيْن، بما في ذلك حقوق الصحة الجنسية والإنجابية، معرضون للخطر أكثر من غيرهم. وقد تم الإبلاغ عن تهديدات بالاغتصاب وأشكال أخرى من العنف الجنسي، وعن حملات تشهير وتصيّد عبر الإنترنت، ووصم في العلن، واعتداء جنسي أثناء الاحتجاز، ومعاملة مهينة ومذلّة على خلفيّة التعاون مع الأمم المتحدة، بالإضافة إلى تكثّف الهجمات ضد أفراد الأسرة.

ويشدّد التقرير على أن مزاعم الأعمال الانتقامية التي تم الإبلاغ عنها علنًا واستهدفت النساء ومن يعمل في مجال حقوق المرأة والقضايا المتعلقة بالنوع الاجتماعي، شهدت تزايدًا ملحوظًا بين العامين 2017 و2019. وفي موازاة ذلك، فإن الحالات الفردية التي لم يتم الإبلاغ عنها علنًا أو بقي المبلّغ عنها مجهول الهويّة لغرض الحماية أو مخاوف أخرى، تتعلق بالنساء في أغلبيّتها.

وكما أوضحتُ أمام مجلس الأمن في شباط/ فبراير، فقد شهدنا للأسف أن تسليط الضوء على انخراط المرأة مع الأمم المتحدة، لا سيما المدافعات عن حقوق الإنسان وبناة السلام، قد يزيد من تعرضهن للأعمال الانتقامية والوصم. ما قد يولّد حلقة مفرغ من التمييز المترسّخ الذي يولّد بدوره المزيد من التمييز.

ويحدد التقرير أيضًا المخاطر والتحديات التي تواجهها المجموعات الأخرى. ومن بين الكثيرين من المعرضين للتهديد، يؤكد التقرير المخاطر التي يواجهها الناشطون الشباب وممثلو مجتمعات السكان الأصليين والأقليات. فنحن نتلقّى حاليًا الكثير من الشهادات التي يعبّر فيها الشباب الذين يشاركون في المظاهرات أو يستخدمون منتديات الأمم المتحدة للدفاع عن حقوقهم، عن مخاوفهم. كما يتم استهداف المجموعات التي تطالب بحقوقها في الأرض والموارد وتتحدث عن مخاوفها البيئية والإنمائية، ولا سيما المجتمعات المتضررة، سنة تلو الأخرى.

سيّدتي الرئيسة، أصحاب السعادة، سيداتي وسادتي،

فيما نتطلع إلى المستقبل، أشعر بالامتنان للفرصة المتاحة لي كي أتابع العمل الذي بدأه سلفي في العام 2016، وأؤكد عزمي على مواصلة جميع الجهود المبذولة لبناء وصقل استجابة متماسكة وفعالة لمنظومة الأمم المتّحدة. لكن لا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال تعاوننا وعملنا يدًا بيد. ولا يجب أن نحمي الضحايا وأن نمكّنهم فحسب، بل يجب أيضًا أن نحسّن قدراتنا وأدواتنا كي نمنع فعلاً وقوع هذه الأعمال.

تردنا إشارات من شركائنا في منظومة الأمم المتحدة على تحسن الإبلاغ وزيادة اليقظة تجاه هذا النوع من الحوادث والاتجاهات. كما قمنا بجمع بعض الأمثلة الجيدة عن مساءلة الدولة وتدابير الحماية. ومن المهم للغاية أن يكون مستوى الرد على الادعاءات المرفوعة إلى الدول المعنية بإعداد التقرير هذا العام، قد تحسن. ونود أن نشكر الدول التي شاركت في تقديم إجابات مفصّلة ومعلومات إضافية، وقد حرصنا على تضمينها في التقرير.

من الضروري للغاية أن يواصل مجلس حقوق الإنسان ومنظومة الأمم المتحدة الأوسع نطاقًا إرسال رسالة واضحة لا لبس فيها تشدّد على عدم التسامح، وعلى تعزيز المساءلة والمساهمة في التخفيف من المخاطر، بما في ذلك عبر التعاون مع الإجراءات المواضيعية وآليات المراقبة القطرية التي أنشأها هذا المجلس. وستواصل المفوضية السامية لحقوق الإنسان من جانبها دعم جهود الدول الأعضاء وزملائها في الأمم المتحدة تحقيقًا لهذه الغاية.

نتشارك جميعنا هذه المسؤولية. فمن يعرض علينا قضيته وشهادته يضع فينا ثقته. ولا نستحق هذه الثقة إلا إذا دافعنا عنه عندما تدعو الحاجة، وعملنا معًا للاستجابة بشكل أفضل لقضاياه. وشكرًا.

الصفحة متوفرة باللغة: