Skip to main content

البيانات التحقيق المستقل

كلمة السيد باولو سيرجيو بينيرو رئيس لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالجمهورية العربية السورية

14 تموز/يوليو 2020

الدورة 44 لمجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان

جنيف، 14 تموز/يوليو 2020

السيدة الرئيسة،

أصحاب المعالي والسعادة،

يسعدني أن أكون هنا اليوم لتقديم تحديث شفوي عن الحالة في الجمهورية العربية السورية وتقريرنا الخاص عن إدلب والمناطق المحيطة بها.

يعيش الملايين من المدنيين في إدلب إلى حد كبير تحت سيطرة الجماعة الإرهابية  المعروفة بهيئة تحرير الشام (هيئة تحرير الشام التي صنفتها الأمم المتحدة على هذا النحو).

وكما قالت اللجنة مراراً وتكراراً، فإن للدول الحق الكامل في الدفاع عن بلادها ومواطنيها ضد الإرهابيين، ولكن يجب أن تفعل ذلك وفقًا للقانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان.

لكن لم يحصل ذلك في حالة إدلب في الشتاء والربيع. فقد ارتكبت جميع الأطراف جرائم حرب. وتعرض الأطفال للقصف في المدارس، والأهل للقصف في الأسواق، والمرضى والجرحى للقصف في المستشفيات. وتعرضت أسر بأكملها للقصف حتى أثناء محاولتها الفرار من هذه الهجمات.

وكان القصف الجوي الواسع النطاق في أجزاء من جنوب إدلب وغرب حلب قد ترك المدنيين دون خيار سوى الفرار. فتم تشريد ما يقارب مليون شخص خلال ثلاثة أشهر فقط، حيث فروا من حملة القصف التي قد تنطوي جزئياً على جرائم ضد الإنسانية. ثم انخرطت القوات الحكومية في عمليات النهب والسلب في المناطق التي استولوا عليها، وهي الآن خالية من السكان إلى حد كبير.

واستفادت هيئة تحرير الشام أيضًا من النزوح، فنهبت المنازل الخالية من السكان. وأثناء المعارك، قاموا باعتقال مدنيين وتعذيبهم وإعدامهم. واستهدفوا الأشخاص الذين يعبرون عن آراء معارضة، بما في ذلك الصحفيون، ضمن عمليات الاعتقال. وواصلوا هم والجماعات المسلحة الأخرى التمييز ضد النساء والفتيات بشكل منهجي، وحرمانهن من حرية التنقل.

ولا يزال الأشخاص الذين نزحوا خلال الأعمال العدائية المكثفة يعانون في مخيمات نزوح واسعة مكتظة تفتقر للخدمات – محاصرين بين جدار الحدود التركية والقوات البرية للحكومة السورية.

وعلى الرغم من المخاطر، عاد بعض السكان الذين نزحوا خلال الأعمال القتالية، حتى ولو إلى منازل مدمرة. فالظروف في المخيمات المكتظة سيئة إلى حد كبير، ويضاف إليها تهديد كوفيد-19 الذي يلوح في الأفق – حيث تم الإبلاغ عن أول حالة في الأسبوع الماضي.

واتخذ مجلس الأمن للتو الحد الأدنى من التدابير عبر إعادة إطلاق عملية المساعدات عبر الحدود، مما يسمح باستخدام معبر واحد لمدة عام واحد. ويتعيّن عليه فعل المزيد. فيجب أن تتدفق المساعدات على أساس الحاجة وليس السياسة. وأي شيء آخر يُعدّ فشلاً مخجلاً، يمكنه أن يؤدي إلى المزيد من الخسائر غير الضرورية في الأرواح. فالجوائح لا تعترف بالحدود، ويجدر بالمساعدة المنقذة للحياة ألا تعترف بها كذلك.

السيدة الرئيسة،

لقد شهدنا جميعًا كيف كافحت حتى أغنى البلدان وأكثرها موارد في جميع أنحاء العالم لمواجهة كوفيد-19.

وانهار نظام الرعاية الصحية في سوريا بسبب ما يقارب 10 سنوات من النزاع - ومن قبل حكومة قصفت المستشفيات بشكل منهجي. وغادر 70٪ من القوى العاملة الصحية البلاد، واليوم لا يعمل سوى ثلثي المستشفيات ونصف مراكز الرعاية الصحية الأولية. ووقع العاملون في مجال الصحة ضحايا للاعتداء والاحتجاز والاختفاء من قبل أطراف النزاع.

وفي حين يؤثر ذلك على جميع السوريين، فإن المعتقلين والمحتجزين في مخيمات في الهول الذين لا يحصلون إلا على رعاية طبية محدودة وأكثر من 6.5 مليون نازح داخليًا، هم أكثر عرضة بشكل خاص.

ويجب إطلاق سراح المحتجزين بشكل غير قانوني دون إبطاء، وكذلك جميع الأطفال والمسنين والمعوقين والعجزة. صحيح أن مرسوم العفو الحكومي الذي صدر مؤخراً يمنح عفواً وتخفيفاً للعقوبات، لكن يُرجح ألا ينجو عدد كبير من المحتجزين ما لم ينفذ المرسوم على نطاق واسع وبسرعة.

ولمواجهة الجائحة، التي أدت إلى تفاقم أزمة اقتصادية سيئة أصلاً، يحتاج الأطفال والنساء والرجال السوريون إلى كل مساعدة يمكنهم الحصول عليها. ولا يمكن تبرير قرار مجلس الأمن بتقييد عبور المساعدات بدلاً من توسيع نطاقها. ولا بد من إزالة جميع العوائق أمام المساعدات الإنسانية، بما في ذلك تلك التي تسببها عن غير قصد إجراءات الإعفاء الإنسانية المرهقة بشكل مفرط. ونكرر الدعوات التي وجهها الأمين العام غوتيريس والمفوضة السامية لحقوق الإنسان باشيليت لتخفيف العقوبات القطاعية المفروضة على البلدان أو التنازل عنها لضمان الحصول على الغذاء والإمدادات الصحية الأساسية والدعم الطبي لحالات كوفيد-19.

أصحاب المعالي والسعادة،

في غضون ذلك، شهدنا في جنوب البلاد، ولا سيما في درعا ، تزايد الاشتباكات وعمليات القتل المستهدف بسبب مزيج سام من العناصر المسلحة التي تتنافس على السلطة. وفي ريف دمشق، مُنع آلاف المدنيين من العودة إلى ديارهم. ويبدو أن السياسات الحكومية تهدف إلى معاقبة أي شخص كان من سوء حظه العيش في المناطق التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة. وبشكل عام في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، وبعد تسع سنوات متتالية من الاعتقالات التعسفية والاختفاء القسري، يقبع الآلاف في الحبس الانفرادي، وتقلق آلاف العائلات كل يوم على مصير أحبائها.

وفي المناطق المحيطة بمنطقة عفرين ورأس العين، يعاني المدنيون على أيدي الجيش الوطني السوري - الذي يعرض المدنيين للاحتجاز التعسفي وإساءة المعاملة والتعذيب والاغتصاب ونهب ممتلكاتهم. وبالتزامن مع ذلك، تساهم الهجمات بقذائف الهاون التي يُزعم أنها نشأت من الأراضي التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية في عفرين، في قتل المدنيين وتشويههم باستمرار.

وشمال شرقي البلاد، لا يزال حوالى 58000 طفل محتجزين في مخيمات مكتظة. وأكثر من 8000 من هؤلاء الأطفال هم "رعايا بلدان ثالثة"، من 60 دولة أخرى غير سوريا أو العراق. ومن الواضح أنه لا يتم احترام مبدأ التصرف من أجل "مصلحة الطفل الفضلى" في هذه المخيمات. فلا بد أن تصل المساعدات الإنسانية والطبية الكافية إلى جميع هؤلاء الأطفال وينبغي إطلاق سراحهم في أقرب وقت ممكن. ويجب ترحيل الأطفال الأجانب الذين يمكن إعادتهم بأمان إلى بلادهم. وهذا مجالٌ يمكن للدول الأعضاء الأخرى أن تتحرك فيه الآن، حتى لو كان ذلك لصالح مواطنيها فقط، بما يساعد أيضًا في تخفيف العبء عن هذه المخيمات التي تفتقر إلى الموارد.

السيدة الرئيسة،

أصحاب المعالي والسعادة،

إن ارتكاب الانتهاكات الجسيمة في سوريا مراراً وتكراراً خير دليل على الأهمية البالغة للمساءلة. فالضحايا والناجون السوريون يحتاجون ويستحقون العدالة، على النحو المحدد من قبلهم ومن أجلهم، كما يحتاجون ويستحقون وضعَ حدٍّ للإفلات من العقاب المتفشي. لذلك، نشجع الدول الأعضاء على مواصلة السعي للمساءلة، بما في ذلك من خلال التشريعات الفعالة والبنية التحتية للتحقيقات الفاعلة التي من شأنها تمكين الدول من محاكمة الأفراد المشتبه في ارتكابهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في سوريا.

وفي حين لا يزال الوضع في جميع أنحاء سوريا قاتمًا على أقل تقدير، إلا أنه كان من المشجع أن نرى أن الجائحة العالمية ساعدت في وقف القتال في إدلب. والآن بعد أن تلاشت الصدمة الأولية للجائحة، يتلاشى كذلك الأمل في أن يصبح وقف إطلاق النار دائمًا. وبينما نرحب بالقرار الأخير الذي يدعو إلى وقف القتال لمدة 90 يومًا، فإننا ندعو أطراف النزاع مرة أخرى إلى الاستجابة للأمين العام، ودعوة المبعوث الخاص إلى وقف دائم لإطلاق النار، والعودة الفورية للمفاوضات لإنهاء هذا الصراع. فنحن بحاجة الآن إلى إجراءات ملموسة حقيقية لوضع حد للنزاع والمعاناة، وتمهيد الطريق إلى سوريا أكثر احترامًا لحقوق شعبها. شكراً لكم.


الصفحة متوفرة باللغة: