البيانات المفوضية السامية لحقوق الإنسان
الاجتماعات المنعقدة ما بين الدورات المعنيّة بتعزيز الحوار والتعاون في مجال حقوق الإنسان وخطة التنمية المستدامة للعام 2030، مجلس حقوق الإنسان
03 كانون الاول/ديسمبر 2019
بيان شفهيّ لنائب مفوّضة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان السيّدة كايت غيلمور
جنيف، في 3 كانون الأوّل/ ديسمبر 2019
اسمحوا لنا أوّلاً أن نشكركم على منحنا فرصة الانضمام إليكم اليوم في الاجتماع الثاني المنعقد ما بين الدورات المعنيّ بتعزيز الحوار والتعاون في مجال حقوق الإنسان وخطة التنمية المستدامة لعام 2030.
وبالنيابة عن مفوّضة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان، اسمحوا لنا أيضًا بالتقدّم بأحرّ التهاني إلى سعادة الممثّل الدائم لشيلي لدى الأمم المتّحدة، السيّد فرانك تريسلر زامورانو، على تعيينه رئيسًا لهذا الاجتماع، وبجزيل الشكر إلى حضرة المتحدّثين الكرام الذين انضمّوا إلينا فعليًّا وافتراضيًّا، بما في ذلك سعادة رئيس مجلس حقوق الإنسان.
أصحاب السعادة،
أنتم على دراية أكثر منّا بكثيرٍ بنتائج التقرير المرحليّ العالميّ الذي أعدّ بشأن السنوات الخمس الأولى لتحقيق أهداف التنمية المستدامة غير المرضية، بحيث لا تزال الدول جميعها خلف ركب تحقيقها بحلول عام 2030.
ومنذ زمن بعيد خلال القرن الماضي عندما كنت صغيرةً، أذكر جيّدًا كلّما جاءت نتائج بطاقة التقرير غير مرضيةٍ أيضًا، بحيث كان لي أن ألقي اللوم على المعلّم أو الاختبار مثلاً، أو ربمّا حتّى على جهودي الضعيفة.
ومن هذا المنطلق، تشكّل خطة التنمية المستدامة لعام 2030 وثيقةً توافقيّةً أعدّها كلّ من تسعى إلى تقييمه الآن ووافق عليها. فهل يعدّ هذا الاختبار صعبًا للغاية؟ أم تشكّل جهودنا المبذولة في هذا الشأن موضع تساؤل؟
تعدّ أهداف التنمية المستدامة قابلةً للتحقيق، وتوفّر خطة التنمية المستدامة لعام 2030 خريطة طريق مفصّلة وعمليّة إلى وجهة لا يسعنا إلّا الوصول إليها، وعاملاً مساهمًا في إحداث التغيير المنشود إن رغبنا بذلك فعلاً.
ومع ذلك، تعيق الصراعات العنيفة مختلف الجهود المبذولة لمعالجة الوضع القائم، وتساهم ممارسات الإفلات من العقاب في ترسيخ الفساد الذي، وبدوره، يؤدّي إلى هدر أبرز الاستثمارات العامة، في الوقت الذي يواصل فيه التمييز تأجيج ظاهرة عدم المساواة، ما ساهم في ترك الملايين خلف الركب. وكذلك، تقوّض ممارسات قمع الحريّات العامة والحيّز المدنيّ مبادئ الحوكمة الديمقراطيّة، ما يعيق عمليّة تطبيق ثقافة النزاهة والعدالة والمساءلة. وبالتالي، قد تعدّ عوامل نجاح الأهداف هي نفسها الكامنة وراء فشلها، ويشكّل السلام والازدهار اللذان تطمح الشعوب إلى تحقيقهما أداةً واحدةً لا تتجزأ في وجه الانقسام والفشل.
لذلك، لم تصرف قمة الأمم المتّحدة للتنمية المستدامة النظر هذا العام عن تحقيق الأهداف المنشودة، بل ناشدت بـضرورة اتّخاذ إجراءات متسارعة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وبالتالي، تشكّل حقوق الإنسان، باعتبارها هي المسرّعات الكامنة وراء تحقيق أهداف التنمية المستدامة، أساس اجتماعنا هنا اليوم.
وفي هذا السياق، تشكّل حقوق الإنسان بؤرة تركيز أهداف التنمية المستدامة، وإقرارًا بالنظر إلى مساعي التنمية، التي تتعذّر عن شمل متطلّبات الشعوب ضمن مقوّماتها، باعتبارها مجرّد محرّك للاقتصاد؛ وإقرارًا آخرًا بالنظر إلى مساعي التنمية، التي تعسى إلى إثراء الأثرياء وترك أولئك الأقلّ حظًا خلف الركب، باعتبارها مجرّد ظاهرة من مظاهر الفساد الأخلاقيّ أو حتّى القانونيّ منها أيضًا؛ وإقرارًا أخيرًا بالنظر إلى مساعي التنمية التي تساهم في تدمير الثقافة التقليديّة واللغة والأرض الأمّ والتراث الإنسانيّ، باعتبارها مجرّد ظاهرة من مظاهر التدمير المعتمد.
لذلك، تخضع عمليّة تحديد الشروط التي، وبموجبها، تتعذّر التنمية عن اتّخاذ شكلاً من أشكال الفساد أو التدمير أو الاستثناء، للعديد من المقاييس والحدود، في الوقت الذي تشكّل فيه معايير حقوق الإنسان وقواعدها أساسًا لتحقيقها.
وبالتالي، يشكّل الاجتماع الثاني هذا المنعقد ما بين الدورات علامةً فارقةً في رحلتنا الطموحة، وتعدّ السنوات العشر المتبقّية ضروريّة للتركيز على الدور الذي قد تؤدّيه الحقوق في تحقيق النتائج المنشودة بكلّ عزم وتصميم.
أصحاب السعادة،
لم تُقرّ الحقوق الحديثة في ظلّ ظروف طغا عليها الرخاء والازدهار، بل نشأت من أعماق مخاوف ولّدتها الدول بعد انقلابها ضدّ شعبها، ورأت النور في وقت هلكت فيه بنيتها التحتية في خضم أسوأ مظاهر الكراهيّة والظلم، ما منحنا الحقّ والصبر لمواجهة أكثر الأوقات صعوبةً والازدهار والنموّ مجدّدًا.
وخلال العقد المقبل، لا بدّ لأهداف التنمية المستدامة من أن تؤدّي دور "الخطة التشغيليّة" للإعلان العالميّ لحقوق الإنسان، احترامًا لكافة حقوق الشعوب على وجه الأرض. فوفقًا لميثاق المجتمع الدوليّ، لا بدّ من السعي إلى "ضمان عدم ترك أيّ أحد خلف الركب"، ما يمثّل وعدًا بالقضاء على أوجه عدم المساواة والتمييز، وهدم الجدران القائمة بين الشعوب لتفريقها، ومدّ يد العون والمساعدة وإتاحة الفرص السانحة على أولئك الذين قاوموها.
فمن أجل الوفاء بهذا الوعد، لا بدّ أيضًا من التركيز على اعتماد المسرّعات الكامنة وراء تنفيذ أهداف التنمية المستدامة. لذلك، يتعيّن على منظومة حقوق الإنسان تعزيز وتيرة المشاركة في هذه العمليّة، وذلك وفقًا لما يلي:
من أجل تسريع وتيرة تحقيق أهداف التنمية المستدامة، لا بدّ لنا من المساعدة في الابتكار: يتعيّن وضع توصيات منظومة حقوق الإنسان (بما في ذلك الاستعراض الدوريّ الشامل) في موقع أفضل لتعزيز احترامها على المستويات القطريّة والإقليميّة والدوليّة.
وفي هذا السياق، تضمّ تقارير حقوق الإنسان مجموعةً كبيرةً من معلومات وبيانات تهدف إلى المساعدة في تحديد المجموعات المتروكة خلف الركب، في الوقت الذي قد تساهم فيه قراراتكم وتوصياتكم الموقرة المتّخذة ونصائح خبرائكم المقدّمة بشأن تأمين وضع أكثر استراتيجيّةً لتحقيق نتائج منظومة حقوق الإنسان، في التخفيف من أعباء عمليّة الإبلاغ، وذلك من خلال مساعدة الدول في تلبية متطلّبات المساءلة التي تحدّدها عمليّة تنفيذ خطة التنمية المستدامة لعام 2030 والتزامات حقوق الإنسان على حدّ سواء.
من أجل تسريع وتيرة تحقيق أهداف التنمية المستدامة، لا بدّ لنا من المساعدة في تعزيز عمليّة الإدماج: فعلى سبيل المثال، يحظى مجلس حقوق الإنسان هذا، وآلياته المعتمدة، بالقدرة على المضيّ قدمًا، وذلك من خلال تعزيز تركيزه على إبرام شراكة عميقة ومستنيرة في هذا الشأن وبذل جهود عالميّة لاتّخاذ إجراءات متعلّقة بالمناخ. وبالتالي، تعدّ الآثار الإنسانيّة المترتّبة على مستويات تغيّر المناخ المتوقّعة كارثيّةً. وستتأثّر اقتصاديّات كافة الأمم وتنميتها المدنيّة والسياسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة وحقوق شعوبها وأجيالها القادمة بقرارات الحكومات على مدى العقد المقبل، وذلك على النحو الذي يُعرض على بعد بضع مئات من الأميال في تجمّع كبير آخر يُعقد اليوم أيضًا في هذا الصدد. وكذلك، تتيح معايير منظومة حقوق الإنسان وقواعدها وممارساتها المعتمدة في التفاوض والإبلاغ مجموعةً من أصول وقدرات يحتاج إليها نظرائنا في مدريد بشدّةٍ.
من أجل تسريع وتيرة تحقيق أهداف التنمية المستدامة، لا بدّ لنا من المساعدة في توليد مصادر تمويليّة كافية وأكثر ملاءمةً مخصّصة للتنمية، فضلاً عن نموذج جريء وشجاع من شأنه تعزيز عمليّة التحوّل الاقتصاديّ حتّى تّتخذ طابعًا أكثر عدلاً واستدامةً، وذلك على النحو الذي جاء في كلمة الأمين العام كما يلي: "ومن الحقائق المحزنة لعالمنا اليوم أن فرص المرء في أن يحي حياةً خالية من العوز وأن يعيش بكرامةٍ إنسانيّة كاملة لا تزال تعتمد على ظروف ولادة المرء أكثر من اعتمادها على قدراته الفطريّة".
لذلك، لا بدّ لنا من تعزيز أعمالنا أيضًا من أجل تمكين مؤسسات الدولة، بما في ذلك السلطات القضائيّة، لتصبح أكثر فعاليّةً، وذلك دعمًا لتطبيق مبادئ الحوكمة المسؤولة والشفافة وتماسك السياسات التي من شأنها تمكين عمليّة التحوّل الاقتصاديّ، التي وبدورها، تشكّل إحدى أبرز شروط التنمية المستدامة الأساسيّة.
من أجل تسريع وتيرة تحقيق أهداف التنمية المستدامة، لا بدّ لنا من تصنيف البيانات المتاحة لتقييم الأوضاع القائمة: تساهم ممارسات التنمية الشاملة، كتلك المتعلّقة بالتدابير الفعّالة للتكيّف مع تغيّر المناخ، في تمكين المرأة والشعوب الأصليّة وغيرها من تلك التي تعيش في أكثر الأماكن تعرّضًا لأسوأ العواقب حتّى تتمكّن من تقديم، ولو حتّى قدر ضئيل، من المساهمة. لذلك، يتعيّن علينا تقييم أجرة السكان الوطنيّين الحالية مقارنةً بوضعهم السابق، ورصد إمكانيّات تحوّل علاقات القوّة التي تحظى بها هذه الشعوب. فإلى أيّ مدى تتمتّع النساء والفتيات بالاستقلال الذاتيّ لاتّخاذ قراراتهنّ الخاصة إزاء أجسادهنّ وحياتهنّ؟ وكيف غيّر الرجال والفتيان تصوراتهم وتصرفاتهم إزاء النساء والفتيات؟
وفي هذا السياق، تتطلّب عمليّة تطبيق مبدأ "عدم ترك أيّ أحد خلف الركب" تصنيف البيانات المتاحة من أجل تحديد التقدّم الذي تحرزه الفئات المهمّشة ومقارنته. وتحت قيادة مفوّضة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان، تكثّف مفوّضية الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان جهودها المبذولة في هذا المجال، في الوقت الذي تسعى فيه إلى تقديم دعم جديد لفرق الأمم المتّحدة القطريّة المعنيّة بتمكين الدول الأعضاء من الالتزام بتطبيق مبدأ "عدم ترك أيّ أحد خلف الركب".
من أجل تسريع وتيرة تحقيق أهداف التنمية المستدامة، لا بدّ لنا من ضمان مشاركة الجهات المعنيّة في ذلك: تتمثّل إحدى أبرز مقوّمات نجاح خطة التنمية المستدامة الموحّدة والشاملة في مشاركة أصحاب الحقوق في عمليّة تنفيذها، باعتبارهم من أبرز ركائزها، وليس مجرّد أهداف تسعى إلى تحقيقها.
وفي الوقت الحالي، تشارك مختلف الشعوب من حول العالم في ذلك، إلّا أنه لم يتمّ دمجها في العمليّة هذه بعد بسبب تنقلّ الاحتجاجات العامة التي تشهدها شوارع دولها؛ احتجاجات تطالب بالقضاء على أوجه عدم المساواة وتطالب باحترام الحقّ في التنمية، وتدين عمليّات التضييق على الحيّز الديمقراطيّ. ومع ذلك، لا ترتبط بعض من هذه المساعي بمجالات القوّة بطرقٍ تشير إلى مشاركتهم مشاركةً كاملةً.
فمن أجل تسريع وتيرة تحقيق أهداف التنمية المستدامة، لا بدّ لنا من السعي إلى الارتقاء بالشعوب، بدلاً من النظر إليها باعتبارها مشاكل لا بدّ من احتوائها والتصدّي لها، ما يتطلّب تحويل بؤرة التركيز من على الدولة فحسب، لتنصبّ على الجهات الفاعلة من غير الدول، بما في ذلك تلك الخاصة والتقليديّة والمدنيّة منها، التي تعدّ ضروريّةً للمساعدة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وعلى وجه الخصوص، يتعيّن علينا حماية دور المجتمع المدنيّ وتعزيزه، حيث تزدهر مشاركة المدافعين عن حقوق الإنسان وتنمو من أجل تحقيق مصالح الشعوب والمجتمعات والوفاء بمتطلّباتها وضمان احترام كرامات شعوبها المستدامة في مواجهة الاضطرابات العامة.
ويتجلّى ذلك بكلّ وضوحٍ عندما يتعلّق الأمر بالشباب، بحيث ستحدّد استثماراتنا في كلّ من المراهقين والشباب الآن وطوال سنوات حياتهم، مسارات تحقيق أهداف التنمية المستدامة لسنواتٍ وسنوات قادمة.
أصحاب السعادة،
كما هو الحال بالنسبة للحقّ في التنمية، تنطوي أهداف التنمية المستدامة على وعد لشعوب العالم؛ وعد عالميّ بمكافحة ظاهرة عدم المساواة بين الشعوب، وجهد عالميّ مبذول لانتشال الشعوب من الفقر والاضطهاد والعجز، والتزام عالميّ بتحقيق الازدهار المستدام لشعوب كوكبنا الذي يضمّ مختلف الموئل البشريّة ومقوّمات التراث والتعايش الإنسانيّ في بيئة غنيّة لكن مهدّدة من حيث تنوّعها البيولوجيّ.
ويشكّل ذلك صميم أهداف التنمية المستدامة، ويعدّ مهمًا في تمكين الدول الأعضاء من التعامل مع الشعوب كأصحاب حقوق من خلال تحقيقها، كما هو الحال دائمًا من دون أيّ استثناء.
ويدرك مجلس حقوق الإنسان، وبفضل آليّاته المعتمدة، جيّدًا أنه إن نجحنا، ومن خلال تنفيذ خطة التنمية المستدامة لعام 2030، في تسريع وتيرة جهودنا المبذولة لمنح هذه الحقوق الأولويّة وسط مساعي تحقيق السلام والازدهار والارتقاء بكوكبنا، فإننا سنتمكّن من منح الشعوب ومصالحها واهتماماتها ومبادراتها الأولويّة أيضًا، ما سيساهم حتمًا في إحداث التغيير المنشود.
وشكرًا.