Skip to main content

البيانات المفوضية السامية لحقوق الإنسان

المنتدى الثامن المعني بالأعمال التجاريّة وحقوق الإنسان "تعزيز القيادة الحكومية: من مجرّد التزامات إلى عمل مكثّف" بيان افتتاحي لمفوّضة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان

25 تشرين الثاني/نوفمبر 2019

جنيف، في 25 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019

حضرة نائب رئيس المجلس الكريم،
حضرة أعضاء الفريق العامل المعني بالأعمال التجارية المحترمين،
حضرة المحاضرين الكرام،
أيّها الزملاء والأصدقاء الأعزّاء،
  
يسعدنا أن نرحّب بكم في منتدى الأمم المتّحدة السنوي الثامن المعني بالأعمال وحقوق الإنسان. من المشجع للغاية أن نرى الكثير من الأشخاص من خلفيات مختلفة يجتمعون لتبادل الخبرات والأفكار حول كيفية ضمان حماية واحترام حقوق الإنسان في سياق الأعمال. ونرحّب ونشيد بحرارة بالمدافعين عن حقوق الإنسان وممثلي العمال والمجتمعات: لقد سمعنا بعض قصصهم وخبراتهم في جلسة "أصوات تصدح من الأرض" هذا الصباح.

على مر التاريخ، كانت الأعمال والتجارة حاسمة بالنسبة إلى حياة الإنسان وحقوق الإنسان. فقد حقّقت مستويات معيشية أعلى وأمّنت السلع، ما مكّن الناس من الوصول إلى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وعزّز التنمية. كما أنّ ممارسة الأعمال التجارية في جميع أنحاء العالم تحرّرنا من العوز.

ولكن إن لم يتم الإشراف على أنشطة الأعمال التجاريّة عبر أطر مساءلة وحوكمة أقوى، قد تنطوي على استغلال العمال ومستخدمي المنتجات، وعلى الاستيلاء على الأراضي وغيرها من انتهاكات حقوق المجتمعات المحلية، وتفاقم عدم المساواة وغيرها من الإساءات التي قوّضت حقّنا في بيئة صحية.

يدرك جميع من هنا اليوم أنّ الوقت قد حان للانتقال من مجرّد الالتزام بهذا النوع من الأطر إلى عمل الفعليّ لتنفيذها. وعلينا أن نحقّق الأركان الثلاثة لمبادئ الأمم المتّحدة التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان، وهي "الحماية والاحترام والانتصاف"، كي لا تبقى حبرًا على ورق. ونحتاج إلى إجراءات تعتمدها الدول كي تمرّر أو تدعم التشريعات التي تمتثل للمعايير الدولية لحقوق الإنسان والمعايير العمّالية التي تحمي العمّال والمجتمعات المتأثرة، في الداخل والخارج. كما ينبغي أن تشمل سياسات وتنظيمات وأحكام فعّالة، وحوافز اقتصادية وأن توجّه وتشجّع الحوار بين الجهات الفاعلة المعنيّة.

فعلى الرغم من أن المزيد من الشركات تعترف بمسؤوليتها المشتركة باحترام حقوق الإنسان، وتبذل العناية الواجبة لمراعاة حقوق الإنسان، لا نزال نشهد حتى اليوم ممارسات تجارية غير قائمة على المبادئ تولّد معاناة إنسانية يمكن الوقاية منها، وتعيق التنمية الشاملة والمستدامة، وتغذّي عدم المساواة.

انبثق العديد من المظاهرات الجماهيرية التي نشهدها اليوم في كلّ من البلدان المتقدمة والنامية على حدّ سواء، من قضايا سنناقشها خلال الأيام الثلاثة المقبلة. فالناس غاضبون من استبعادهم عن صنع القرار، ومن الفساد، ومن تفاقم عدم المساواة التي لا تؤدّي إلى استبعاد ملايين الأشخاص وعدم شملهم في التنمية فحسب بل إلى تردّي أوضاعهم أكثر بعد.

يطالب الشباب والأكبر سنًا بالتحرك من أجل مستقبلهم ومستقبل بيئتنا.

إنّ معالجة هذه القضايا أساسيّة بالنسبة إلى حقوق الإنسان، لكنها أيضًا مسألة عملية للغاية بالنسبة إلى مصلحة كلّ حكومة وشركة. وتشكّل عدم المساواة إهانة للحقوق، وتؤدّي إلى ترسخ مظالم الناس، وتخلق توترات اجتماعية وسياسية واقتصادية، وتمنع كل فرد من أفراد المجتمع من المشاركة الكاملة في مجتمعه. فتقاعس الدولة والممارسات التجارية التي تؤدي إلى تغيّر المناخ والتدهور البيئي تولّد المعاناة للأفراد والمجتمعات.

والتخفيف من أوجه عدم المساواة، والتصدّي لتغيّر المناخ عبر اتّخاذ إجراءات عملية فعلية، من عناصر التماسك الاجتماعي والتنمية المستدامة الأساسية.

ونشهد أيضًا تفاقمًا في الهجمات على المدافعين عن حقوق الإنسان وقتلهم. وتشير التقارير الصادرة عن مفوضيّتنا إلى أنّ العام الماضي شهد مقتل أكثر من ثلاثة مدافعين عن حقوق الإنسان كل أسبوع بسبب دفاعهم ونشاطهم. كما يتعرّض المدافعون عن حقوق الأرض والحقوق البيئية في سياق قطع الأشجار والأعمال الزراعية ومشاريع البنية التحتية والتعدين والصناعات الاستخراجية الأخرى، إلى الكثير من المخاطر بشكل خاص.

وترتبط إحدى القضايا الأخرى البارزة بالثورة الرقمية. ندرك تمامًا فوائد الثورة الرقميّة، ولكنّ بعض جوانبها الأسوأ يهدّد حقوق الإنسان بطريقة متزايدة. فخطابات الكراهية والمضايقات تتفشّى أكثر فأكثر عبر الإنترنت، وقد تترجم عنفًا وكراهية في العالم الحقيقي، كما تستهدف في بعض الأحيان مجتمعات أو مجموعات سكانية بأكملها. ويؤدي استخدام الحكومات والشركات والجهات الفاعلة الخاصة الأخرى المراقبة الجماعية إلى تفاقم التمييز وانتهاك الحقّ في الخصوصية ومجموعة واسعة جدًا من الحقوق الأخرى، وإلى جمع البيانات الشخصيّة وسوء استخدامها، بما في ذلك التلاعب بالناخبين.

وتستخدم حاليًّا العمليات القائمة على الآلة والذكاء الاصطناعي في أنظمة الحماية الاجتماعية والعدالة الجنائية في جميع أنحاء العالم، وفي التأمين الصحي والمصرفي، وهي تساهم في العديد من الحالات، في تكثيف أوجه عدم المساواة من خلال التحيز التلقائيّ غير المقصود.

ولا يمكن أن نعتبر أنّ هذه العملية لا تعني حقوق الإنسان لمجرّد أنّها رقمية. فحقوق الإنسان عالمية، وهي للجميع أينما كانوا، وهذه الحقيقة مطلقة إن على الإنترنت إم في الشارع. وبالتالي، يجب أن ندمج ضمانات حقوق الإنسان في جميع هذه النظم منذ بدايتها، وتنفيذها فورًا وعلى كافة المستويات.

تطلق مفوّضيّتنا مشروعًا يضمّ عددًا من الأطراف المعنيّين، بما في ذلك من البلدان النامية، بهدف تقييم المخاطر والفرص التي يواجهونها على مستوى التقنيات الرقمية. ونسعى إلى استخدام المبادئ التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان كي نقدّم المشورة إلى الشركات وصانعي السياسات حول كيفية تخفيف مخاطر التكنولوجيا الرقمية ونضمن أن تكون قوّة من أجل الخير، عبر منع أضرارها على حقوق الإنسان ومعالجتها.

نحتاج إلى ردود أقوى من الحكومات، تنطوي على سياسات تفرض حماية المجموعة الكاملة لحقوق الإنسان. ونحتاج إلى شركات تكنولوجية تؤدّي دورها وتحترم حقوق الإنسان.

لدينا اليوم أجندات وأطر عمل واضحة تساند الدولة والشركات فتضمن أن يعمل عالمنا المعولم خدمة لمصلحة للجميع. فخطّة التنمية المستدامة للعام 2030 متجذّرة في العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان. كما توفر المبادئ التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان خارطة طريق لاقتصاد عالمي يحمي ويحترم حقوق الإنسان ويحقّق مستقبلًا عادلًا وسلميًا ومستدامًا للجميع.

على الدول أن تحمي الإنسان، وعلى الشركات أن تحترمه. كما يجب جبر ضرر من تأذّى. وتنصّ المبادئ التوجيهية على كيفيّة تحقيق ذلك.

نرحّب بالإجراءات القانونية الهامة التي يتّخذها عدد من البلدان والمناطق، وتفرض على الشركات أن تبذل العناية الواجبة لمراعاة حقوق الإنسان بهدف منع أنشطة الشركات من التأثير سلبيًا على الأشخاص وسلاسل القيمة. وفرنسا أول دولة تبنت هذا النوع من الإجراءات بموجب قانون واجب اليقظة، وتلتها هولندا مع تركيز بذل العناية الواجبة فيها على عمل الأطفال. كما نرحب بالتشريع الخاص بمعالجة الرقّ المعاصر في سلاسل التوريد.

ويسرّنا أيضًا تزايد عدد البلدان التي تضع خطط عمل وطنية خاصة بالأعمال التجارية وحقوق الإنسان، بما فيها كينيا وتايلند مؤخرًا. لكنّنا نحتاج إلى عمل أوسع وأسرع وأكثر شمولاً في هذا الصدد كي نبدأ فعلًا في لمس التغيير. نشجّع البلدان في جميع المناطق على وضع خطط مماثلة، وتشكّل خطوة حيوية نحو تنفيذ المبادئ التوجيهية.

نحن بحاجة إلى سياسة وإجراءات تشريعية متماسكة، كما أكد عليه الفريق العامل في التقرير الأخير الذي رفعه إلى الجمعية العامة. فالدول ملزمة بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان بأن تحمي الأشخاص من انتهاكات الشركات والمؤسسات حقوق الإنسان التي يتمتعون بها. وتوضح المبادئ التوجيهية أنه على الدول أن تنظر في "مجموعة ذكية" من التدابير الوطنية والدولية، الإلزامية والطوعية، كي تفي بهذا الواجب، وتعزّز احترام شركات الأعمال لحقوق الإنسان.

ومن المشجّع جدًا أن نلحظ أنّ هذا المنتدى يضم العديد من النساء والرجال من شركات ومؤسسات استثمارية، يطالبون باعتماد المزيد من الإجراءات الحكومية الفعالة، وهم يدركون تمامًا أنّ الشركات تستفيد من وضوح الحكومة بشأن ما تتوقّعه من عملياتهم المحلية والخارجية. كما يبذل عدد من الشركات الرائدة جهدًا كي يدرج احترام حقوق الإنسان في سياستها وممارستها، بما في ذلك عبر سلاسل القيمة.

يدرك قادة الأعمال المستنيرون أن القيام بالأمر الصحيح هو خطوة ذكيّة. ويدركون أيضًا أنّ الأمر لا "يتخطّى حدود" وظائفهم، بل هو مجرّد إنجاز أعمالهم الأساسية بطريقة تحترم الناس والكوكب. ويدرك المستثمرون أيضًا أنهم يتحمّلون مسؤولية معالجة انتهاكات حقوق الإنسان في الشركات التي يستثمرون فيها، وقد بدأ العديد من المستثمرين البارزين في ممارسة الضغوط لإحداث التغيير في هذا الاتّجاه.

في غياب الأعمال التجارية والمستثمرين المسؤولين، من المستحيل بكل بساطة أن نحقّق وعد خطة العام 2030. ومن خلال تعاوننا، يمكننا أن نحقّق تلك الالتزامات الطموحة. ويمكننا القضاء على الفقر المدقع والاستثمار في الإدماج الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وضمان أن نشمل الجميع من دون أيّ استثناء. لكنّنا بحاجة إلى الاعتماد على كلّ من الدول والأعمال التجاريّة، ووضع احترام حقوق الإنسان في قلب عملنا المشترك كي نحقّق النجاح.

وشكرًا.

الصفحة متوفرة باللغة: