Skip to main content

البيانات والخطابات المفوضية السامية لحقوق الإنسان

الدورة الـ42 لمجلس حقوق الإنسان حدث جانبيّ: "السبيل إلى تحقيق العدالة في آسيا" بيان لمفوّضة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشيليت

19 أيلول/سبتمبر 2019

في 19 أيلول/ سبتمبر 2019

 

أصحاب السعادة،
حضرة أعضاء حلقة النقاش المتميّزين،
أيّها الزملاء والأصدقاء الأعزّاء،

تتمتّع منطقة آسيا بمجموعة كبيرة ومتنوعة من الخبرات التاريخيّة والتقاليد الدينيّة والثقافيّة والأنظمة القانونيّة والسياسيّة. وشهدت مراحل انتقاليّة مختلفة بعيدًا عن الاستعمار والاحتلال والصراعات المسلّحة والحكم العسكريّ. وينعكس هذا التنوع في مجموعة مختلفة من المقاربات المعتمدة من أجل تحقيق المساءلة عن أسوأ انتهاكات حقوق الإنسان والعدالة للضحايا.

وشهدت المنطقة في العقود الأخيرة عددًا من المحاكم الجنائيّة أُنشِئَت للنظر في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. وانخرطت الأممُ المتّحدة انخراطًا حثيثًا في كمبوديا وتيمور الشرقيّة، في حين اتبعت بنغلاديش نموذجًا وطنيًّا بحتًا. وتم تشجيع جهود العدالة الانتقاليّة في سريلانكا ودعمها. وأُنشِئَت لجان تقصّي حقائق في جمهوريّة كوريا، ومقاطعة آتشيه الإندونيسيّة، ونيبال، وتيمور-ليشتي، وتايلند، وجزر سليمان وتايوان، ومقاطعة الصين، والتزمت سريلانكا بإنشاء لجنة خاصة بها.

في تيمور الشرقية وإندونيسيا والفلبين ونيبال وجمهوريّة كوريا وتايلاند، تم اعتماد برامج تهدف إلى توفير شكلًا من أشكال الإغاثة أو التعويض لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان. وقد جمع بعض البلدان أيضًا عناصر مختلفة في نماذج معقّدة، مثل عمليّة العدالة الانتقاليّة في تيمور الشرقيّة، التي احتضنت المحاكم الجنائيّة، ولجان تقصّي الحقائق والتعويضات، ومؤخّرًا آلية متابعة متخصّصة.

وفي العديد من الحالات، اعتُمِدَت أيضًا خطوات على المستوى الدوليّ. فقد أجرت المحكمة الجنائيّة الدوليّة تحقيقات في الانتهاكات المزعومة المرتَكَبة في أفغانستان والفلبين وميانمار/ بنغلاديش. كما أُنشِئت آلية تحقيق مستقلّة في ميانمار بهدف تيسير مقاضاة مرتكبي الجرائم الدوليّة، على أراضي المنطقة المعنيّة في الحالات المثاليّة، نظرًا إلى استمرار الإفلات من العقاب وحالة الإنكار على المستوى الوطنيّ.

ما من نموذج من النماذج المذكورة مثاليّ لا شائبة فيه، لا بل يعاني بعضها عيوبًا كبرى. ولكنّ تجربتنا المشتركة حول كيفيّة تطور هذه العمليّات مع مرور الوقت، تبيّن أنّه يمكننا أن نكتشف دروسًا متكرّرة أساسيّة وممارسات جيّدة تعزّز مناهجنا الجماعيّة في المستقبل، وتساند المجتمعات المعنيّة فتنهض بمبادراتها الوطنيّة.

لا غنى عن العدالة الجنائيّة لإعادة بناء المجتمعات على أساس سيادة القانون. فعندما تُطبّق بإنصاف وتوازن، تحبط وقوع جرائم جديدة، وتساهم في المصالحة، وبالتالي تمهّد الطريق أمام تحقيق سلام أكثر استدامة. لقد اكتشف العديد من المجتمعات، بما فيها مجتمعات منتشرة في قارتي أنا شخصيًّا، بطريقة قاسية جدًّا أنّه عندما يتمادى الجناة بممارساتهم بتشجيعٍ من ثقافة الإفلات من العقاب، وعندما لا يتم إصلاح الجيوش، وعندما يتم إسكات الضحايا، تتأجّج المظالم، وتقوّض الديمقراطيّة، وقد تتفشّى دوامات جديدة من العنف.

من الواضح جليًّا أيضًا أنّ العدالة الجنائيّة قد تستغرق الكثير من الوقت لتبلغ خواتيمها، وأنّها قد لا تنجح في معالجة جميع الأضرار التي لحقت بالمجتمع. وتتجلّى حاجة بارزة لاعتماد تدابير العدالة التحويليّة الأوسع نطاقًا بهدف إشراك الأفراد والجماعات، ومواجهة الروايات المضلّلة بكلّ صراحة. لكنّها تساعد على إعادة بناء ثقة المجتمع في الدولة نفسها، وفي مفهوم سيادة القانون بحدّ ذاته.

وبالإضافة إلى عمليّات العدالة الجنائيّة، نحتاج إلى نشر نهج أكثر شموليّة وتكاملاً قد تنطوي على مشاورات وطنيّة، وخطوات عمليّة لتقصّي الحقائق، وبرامج تعويضات، وإصلاحات مؤسّسيّة، وتدابير مصالحة، بما في ذلك عبر الاحتفالات التقليديّة، واعترافات واعتذارات رسميّة تقدّمها الدولة، وتنقيح المناهج التعليميّة، وغيرها من التدابير الأخرى.

إنّ المبادرات التي تركّز على الضحايا عظيمة، إن من خلال إحياء ذكرى الضحايا، أم إنشاء محفوظات أو برامج ثقافيّة متاحة للجميع، وبرامج اجتماعيّة وطبيّة لمعالجة الصدمات، بما في ذلك آثار الصدمات النفسيّة على أطفال الضحايا. ومن المهمّ جدًّا تمكين الضحايا وغيرهم من أفراد المجتمع، من المشاركة بشكل مستمرّ وهادف في إعداد جميع تدابير العدالة الانتقاليّة وتنفيذها. وبغض النظر عن مدى ضعف وتهميش الأشخاص الذين عانوا التعذيب، واختفاء أحبائهم وغيرها من الانتهاكات الأخرى، هم يتمتّعون بالحقّ في مساءلة حقيقية.

ومن المهمّ أيضًا أن يعترف المسؤولون في أعلى المستويات بما حدث، وأن يتحمّلوا المسؤوليّة عن الانتهاكات أو الإساءات المرتكبة.

يواجه المجتمع الذي عانى العديد من الانتهاكات الواسعة النطاق في مجال حقوق الإنسان الكثير من التحديات، بما في ذلك بناء الجسور بين المجتمعات المتناحرة سابقًا. وتشكّل بعثة تقصي الحقائق في ميانمار مثال على ذلك. وربّما لا يمكن تحقيق كل المطلوب دفعة واحدة، بل قد تستغرق في الواقع عمليّة العدالة الكاملة سنوات طويلة. ولكن عندما يتجلّى التزام حقيقيّ على أعلى المستويات بضمان التحرّك فعلاً، والاعتراف حقًّا بما حدث، يجلب ذلك وحده الأمل لمن عانى تلك الجرائم.

وفي هذا السياق، نودّ أن نؤكّد على ضرورة معالجة انتهاكات محدّدة، قد تكون قد أثّرت بشكل غير متناسب على النساء والفتيات، بما في ذلك العنف الجنسيّ. فهي جرائم لا يستطيع أن يمحوها المجتمع ببساطة عن طريق اللامبالاة والإنكار.

نودّ أيضًا أن نشدّد على ضرورة إصلاح قطاع الأمن. فسلطة الجيش المترسّخة وإفلاته من العقاب في بعض الدول يشكل عائقًا أمام تحقيق الديمقراطيّة والتنمية المستدامة. ويستفيد كلّ من القوّات العسكريّة وقوات إنفاذ القانون من التدابير التي تساعدها على أن تصبح قوة فعّالة وخاضعة للمساءلة تخدم المجتمع بأسره. وفي العديد من البلدان، أدّى التقدّم المحرز في مجال إصلاح قطاع الأمن، بما في ذلك عبر برامج تدقيق مصمّمة بعناية، إلى فتح المجال أمام تدابير العدالة الانتقاليّة الأخرى، وساهم في المصالحة، على الرغم من التقدّم البطيء في غالب الأحيان. وفي مقابل ذلك، من المحتمل أن تتلاشى التدابير الأخرى في غياب جهود مجدية لإصلاح قطاع الأمن.

إنّ دور المجتمع المدنيّ حاسم لتحفيز العمل ومتابعة النهج المبتكرة في سياقات صعبة. ففي بنغلاديش وإندونيسيا، اتّخذت مجموعات المجتمع المدني خطوات عملاقة لتوثّق الانتهاكات وتزوّد الضحايا بمنصّة عامة. وفي تيمور-ليشتي وسريلانكا ونيبال وبلدان أخرى، تمّ إنشاء شبكات قويّة للضحايا، تُسمع جهارًا أصواتهم وآرائهم.

يجب معالجة أسباب الصراع الجذريّة، وقد تنطوي على أوجه تفاوت صارخة وقديمة، وعلى تمييز منهجي واستغلال وفساد، وازدراء معمّم لحقوق مجموعات معيّنة من الناس وكراماتهم. ويؤدّي التغاضي عن هذه القضايا الأساسيّة لحقوق الإنسان عند إعداد الردود إلى الفشل، لأنها ستواصل حتما تآكل النسيج المشترك للمجتمع.

أصحاب السعادة،

تتطلب معالجة هذه القضايا شجاعة عملاقة من جانب السياسيّين. وقد يتطلّب الأمر براعة أكبر لابتكار حلول تلبيّ متطلّبات الوضع القائم. وستبيّن المناقشات اللاحقة أنّه ما من حلّ واحد لكلّ وضع محدّد. ما يعني أنّنا جميعًا في مجتمع حقوق الإنسان بحاجة إلى أن نتعلّم باستمرار ونستعرض ما تمّ إنجازه ونعيد النظر فيه.

يسرّنا أن تتاح لنا هذه الفرصة لنقيّم العديد من الإنجازات، بمشاركة هذا الفريق المتميّز من المتحدّثين ونتطلّع إلى مناقشات التي ستجري.

وشكرًا.


الصفحة متوفرة باللغة: