Skip to main content

بيانات صحفية الإجراءات الخاصة

التحقيق في انتهاك حقوق الإنسان عند مقتل السيّد خاشقجي الملاحظات الأوليّة عقب الزيارة القطريّة إلى تركيا

07 شباط/فبراير 2019

  1. بصفتنا مقرّر الأمم المتّحدة الخاص المعنيّ بالإعدامات خارج نطاق القضاء أو بإجراءات موجزة أو تعسّفًا، وكوننا ندير تحقيقًا دوليًّا في انتهاك حقوق الإنسان عند مقتل الصحفي السعوديّ جمال خاشقجي، قمنا بزيارة إلى تركيا بين 28 كانون الثانيّ/ يناير و3 شباط/ فبراير 2019. وشعرنا بامتنان عميق لمرافقة مستشارة الملكة، البارونة هيلينا كينيدي لنا؛ والأستاذ المتفرغ في الطب الشرعي والأدلّة الجنائيّة وأخلاقيّات القانون الطبيّ في جامعة كويمبرا، دوارتا نونو فييرا؛ والمستشار في جرائم القتل والجرائم الكبرى، بول جونستون. وبما أنّ التحقيقات لا تزال قائمة، لن نتطرّق في هذا البيان إلاّ إلى المسائل الرئيسة التي توصلنا إليها حتى اليوم. وستتم متابعتها ومتابعة وغيرها من المسائل مع السلطات التركيّة وأطراف معنيّين آخرين خلال الأسابيع المقبلة.

منهجيّة العمل

  1. خلال إقامتنا في تركيا، استفدنا من التعاون الوثيق مع العديد من المسؤولين في حكومة تركيا، كما أجرينا العديد من المحادثات البنّاءة معهم. والتقينا وزير الخارجيّة، ووزير العدل، ومدير المخابرات التركيّة، والمدعي العام في إسطنبول وعددًا من الأطراف المعنيّين الآخرين، بما في ذلك المجتمع المدنيّ والأوساط الإعلاميّة. والتقينا أيضًا فريق الأمم المتّحدة القطريّ. ونودّ أن نشكر مكتب المنسّق المقيم للأمم المتّحدة على الدعم الذي قدّمه لتيسير زيارتنا.
  2. كما أنّنا ممتنّون لتبادل الآراء الصريح مع المسؤولين الحكوميّين. وممتنّون أيضًا لتأمينهم وصولنا إلى بعض المعلومات الهامة التي لديهم عن مقتل السيد خاشقجي، بما في ذلك أجزاء من المواد الصوتيّة الرهيبة والمروعة التي حصلت عليها واحتفظت بها وكالة الاستخبارات التركيّة. ولكنّنا لم نتمكّن من إجراء اختبار تقنيّ معمّق لهذه الأدلة. فلم نتمكّن مثلاً من التأكّد من صحّة هذه المواد الصوتيّة بشكل مستقل.
  3. لم تتمكّن البعثة أيضًا من إجراء تحقيقات أساسيّة أخرى، لا بسبب ضيق الوقت فحسب. فلم نتمكّن مثلاً من مقابلة المحققين الذين كانوا يعملون على القضيّة، على غرار محقّق الشرطة الرئيس والمعنيّين من المتخصّصين في الطب الشرعيّ والأدلة الجنائيّة ومسرح الجريمة. وقد قُدِّمَت طلبات لعقد هذا النوع من الاجتماعات والمناقشات جارية مع السلطات التركية في هذا الشأن.
  4. بالإضافة إلى ذلك، وُعِدنا بأن نتمكّن من الاطلاع على تقارير الطب الشرعيّ والجنائيّ والعلميّ وعلى تقارير الشرطة التي تعتبرها الحكومة التركيّة أساسيّة وحاسمة لتحقيقنا لأسباب نشير إليها أدناه. ونتوقّع أن تكون هذه الوثائق متاحة لنا في وقت قريب.
  5. نحن ممتنّون لالتزام السلطات التركيّة مواصلة المشاركة والتعاون الكامل مع تحقيقنا. ونحن على أهب استعداد كي نستكمل مبادلاتنا حول قضايا أساسيّة في موازاة تقدّم التحقيق، وتوفير الحكومة التركيّة معلومات إضافيّة لنا.

انتهاك صارخ لحقّ أساسيّ من حقوق الإنسان هو الحقّ في الحياة

  1. كان السيد خاشقجي صحفيًّا معروفًا يعمل لحساب صحيفة واشنطن بوست. كما كان باحثًا وعالمًا في سياسة الشرق الأوسط، "أحبّ السعوديّة" على حدّ تعبير أصدقائه وزملائه. وقد شكّل قتله انتهاكًا لأهمّ الحقوق الأساسيّة، هو الحقّ في الحياة. ففي 2 تشرين الأوّل/ أكتوبر، دخل السيد خاشقجي قنصليّة المملكة العربيّة السعوديّة، جرّاء موعد حُدِّد له، بهدف الحصول على الأوراق المطلوبة لزواجه من خطيبته، الآنسة هاتيس سنكيز. وراحت خطيبته تنتظر خروجه من أمام القنصليّة، وهو يُقتَل بوحشيّة داخلها، ولم يخرج منها قطّ. وأمسى قتله أكثر مرارةً بعدُ على ضوء السبب السعيد الذي دخل من أجله القنصليّة.

المعايير القانونيّة الدوليّة المنطبقة

  1. بما أنّه تحقيق في انتهاك حقوق الإنسان عند مقتل السيد خاشقجي، تفرض منهجيّة العمل أن نركّز على الخطوات التي اتّخذتها حتى اليوم سلطات الدولَتَيْن المعنيّتَيْن في كل من تركيا والمملكة العربيّة السعوديّة. ويجب أن نركّز على هاتَيْن الدولتَيْن التي من واجبهما التحقيق في وفاته؛ وعلى مَن شارك في التحقيق؛ وعلى النتائج التي تمّ التوصّل إليها أو تقييم الأوضاع. ويتضمن الإطار القانونيّ الدوليّ الذي يدير البعثة إلى تركيا بروتوكول مينيسوتا للتحقيق في عمليّات الإعدام خارج القضاء، إلى جانب مبادئ الأمم المتحدة المتعلقة بالمنع والتقصي الفعالَيْن لعمليّات الإعدام خارج نطاق القانون والإعدام التعسفيّ والإعدام بإجراءات موجزة. كما يقتضي القانون الدوليّ أن تكون التحقيقات: (i) فوريّة؛ و(ii) فعّالة وشاملة؛ و(iii) مستقلة وغير منحازة؛ و(iv) شفّافة.
  2. لقد تم تقييد وتقويض امتثال السلطات التركيّة لهذه المعايير بشكل خطير لأنّ المملكة العربيّة السعوديّة لم تسمح، ولـ13 يومًا تقريبًا، للمحقّقين الأتراك بالوصول إلى مسرح الجريمة. وتشير المقابلات التي أجريناها إلى أنّ مخاوف الحكومة التركيّة حيال الحصانة الدبلوماسيّة ومخاطر تصاعد الأزمة السياسيّة لربما دخلت في الحسبان.

دعوى ظاهرة الوجاهة

  1. تبين الأدلة التي قُدّمت إلينا خلال زيارتنا تركيا وجود قضية أساسيّة واضحة مفادها أنّ السيّد خاشقجي وقع ضحيّة قتل وحشيّ مع سابق تصوّر وتصميم، خطّط له وارتكبه مسؤولون في دولة المملكة العربيّة السعوديّة وغيرهم ممّن يعمل وفقًا توجيهاتها. ولم تتمكّن البعثة من الإثبات بحزم ما إذا كانت النية الأصليّة هي اختطاف السيد خاشقجي، ولم يُخطّط لقتله إلا في حال فشلت عمليّة الاختطاف هذه. وما هو واضح تمامًا هو أن الكثير من التخطيط والإعداد قد حصل في أعقاب زيارة السيد خاشقجي الأولى إلى القنصليّة في 28 أيلول/ سبتمبر، تمثّل في: إنشاء فرق ثلاث نفّذت العمليّة وطريقة سفرها؛ شبيه السيد خاشقجي الذي شوهد وهو يغادر القنصليّة؛ وجود طبيب شرعيّ؛ هروب أعضاء الفرق، وبطبيعة الحال، التخلص من جثة السيد خاشقجي - ولا يزال مكان وجودها مجهولًا. وبالتاليّ، حُرِمَت السلطات التركيّة من الوصول إلى مسرح الجريمة وإجراء الاختبارات المطلوبة لاكتشاف الأدلّة والتعمّق في فحصها والحفاظ عليها وتحليلها.

الاختفاء القسريّ

  1. إنّ المعاناة التي أصابت أحبّاء السيد خاشقجي وأصدقاؤه لا توصف. كما أنّ المسؤولين الذين التقينهم مرتبكون بشدة بسبب ظروف مقتله. وقد أتى أيضًا اختفاء جثّة السيد خاشقجي بالمزيد من المعاناة والعذاب. فمن منظور دوليّ لحقوق الإنسان، هذا يعني أن السيد خاشقجي تعرّض أيضًا للاختفاء القسريّ. ومن غير المقبول أبدًا أن تستمرّ السلطات السعوديّة في رفض الإفصاح عن مكان وجود رفات السيد خاشقجي، بعد أن اعترفت بأنه لقي حتفه في خلال احتجازها له في مباني القنصليّة التابعة لها.

التحقيقات في مسرح الجريمة

  1. نعتبر أنّ المحقّقين الأتراك لم يُمنَحوا الوقت الكافي ولا القدرة اللازمة كي يجروا الاختبارات المناسبة لمسرح الجريمة ويفتّشوه بطريقة مهنيّة وفعّالة. فحماية مسرح الجريمة وفحصه بدقّة أساسيّان لكلّ تحقيق جنائي في أصقاع الأرض كلّها، لا سيّما عندما يتعلّق الأمر بأشدّ الجرائم خطورة. فمع كلّ دقيقة تمر بين ارتكاب جريمة وفحص مسرح الجريمة تتلاشى فرص اكتشاف أدلّة حاسمة. ومع كلّ دقيقة تمر بدون حماية مسرح الجريمة يمسي جمع الأدلة أكثر تعقيدًا وينعكس سلبًا على مقبوليّتها. لقد قتل السيد خاشقجي في 2 تشرين الأوّل/ أكتوبر. ومع ذلك، لم يتمكّن المحقّقون الأتراك من الوصول إلى القنصليّة إلا في 15 تشرين الأوّل/ أكتوبر، وإلى مقر الإقامة في القنصلية إلاّ في 17 تشرين الأوّل/ أكتوبر وبرفقة محقّقين سعوديّين.
  1. تشير الأدلة التي حصلنا عليها حتّى اليوم إلى أنه قبل 15 تشرين الأوّل/ أكتوبر، جرت أربع محاولات لإزالة الأدلة الجنائيّة من مسرح الجريمة. وقيل لنا أيضًا أنّ بعض أعمال الدهن نُفِّذَت خلال تلك الفترة. وعلى الرغم من هذه الجهود كلّها، يمكن محقّقون مهرة وكاملو التجهيز أن يعثرون على "أثار عن الأدلّة" على ارتكاب جريمة قتل مثل جريمة السيد خاشقجي، إذا ما منحوا الوقت الكافي لذلك. ألا أنّ فحص مبانٍ بحجم القنصليّة ومكان الإقامة فيها يستغرق عدة أيام، لا سيّما بعد إجراء "عمليّات تنظيف" لها.
  2. أدّى تأخير الوصول إلى التحقيق الجنائيّ وتقييده من قبل السلطات السعوديّة، إلى تقويض قدرتها على إصدار أدلة دامغة، وهو أمر مؤسف للغاية.
  3. على الرغم من الظروف الراهنة، قامت الشرطة التركيّة بإجراء تحقيقات واسعة النطاق، بما في ذلك استعراض آلاف الساعات من كاميرات المراقبة لتجمع تحركات مختلف أعضاء الفرق السعوديّة التي أُرسِلَت إلى القنصليّة، والتحقيق في الطرقات التي اتّبعوها، وغرف الفنادق التي شغلوها، إلخ.

المساءلة

  1. يثير مقتل السيد خاشقجي قضايا أساسيّة تتعلّق بطبيعة المساءلة الجنائيّة العابرة للحدود. وقد أبلغ كبير المدّعين العامين الأتراك البعثة أنّه بصدد إقامة دعوى للمحاكمة. وقد طلبت تركيا تسليم 11 مشتبهًا بهم تمت محاكمتهم في المملكة العربيّة السعوديّة بالإضافة إلى إصدارها أوامر اعتقال دوليّة عبر الإنتربول بحقّ 20 شخصًا.
  2. يمكن القول إنه نتيجة الضغوط الدوليّة، يواجه اليوم 11 شخصًا المحاكمة في المملكة العربيّة السعوديّة بتهمة قتل جمال خاشقجي. إلاّ أنّ الإجراءات المعتَمَدة حتى اليوم تثير مواضع قلق أساسيّة، بما في ذلك حيال النقص في المعلومات العلنيّة عن هويّة الأشخاص قيد المحاكمة، وشفافية الإجراءات ونزاهتها، والتطبيق المحتمل لعقوبة الإعدام. لقد طلبنا إجراء زيارة رسميّة إلى المملكة العربيّة السعوديّة كي تتمكن السلطات هناك من تزويدنا مباشرة بالأدلة ذات الصلة، وبالنتائج التي توصّلت إليها في ما يتعلق بقتل السيد خاشقجي، وإلقاء الضوء على مقاضاة المشتبه بهم ومحاكمتهم، وعلى سبب امتناع المملكة عن تسليم المشتبه بهم إلى تركيا.
  3. كما يثير قتل السيد خاشقجي قضايا مهمّة تتعلق بدور الأدلة "الاستخباراتيّة". فاتفاقيّة فيينا للعلاقات القنصليّة تحظّر على الدولة المضيفة مراقبة محتوى الاتصالات والوثائق الدبلوماسيّة. نرحّب بشفافية الحكومة التركيّة في الإعلان عن تسجيلها للاتّصالات السعوديّة ومراقبة القنصليّة السعوديّة وتزويدنا بمحتوى بعض تسجيلاتها. فالكشف عن هذا النوع من المواد يثير قضايا دقيقة تتعلق بممارسات الاستخبارات ومنهجيّات عملها ومصادرها ومدى جمعها المعلومات المتعلقة بالوجود الدبلوماسيّ الأجنبيّ في جميع أنحاء العالم. ولدور الأدلة الاستخباراتيّة في تسهيل المساءلة عن انتهاك حقوق الإنسان، سلسلة واسعة من الانعكاسات على المحاكم حول العالم. فمقبوليّة هذا النوع من الأدلة في الإجراءات الجنائيّة في تركيا وفي أماكن أخرى من العالم ستثير من دون أيّ شك، مسائل قانونيّة معقدّة، شأنها شأن قدرة القاضي (القضاة) ومحامي الدفاع على الوصول إلى هذه الأدلة بالكامل والتشكيك فيها والتفاعل معها والطعن بها.
  4. في حين رحّبت البعثة بتصميم الحكومة التركيّة، وقد أكّدت عليه أمامها أكثر من مرّة، على كشف حقيقة مقتل السيد خاشقجي، سعت البعثة إلى الوصول إلى تحقيق مستقلّ يمكنه أن يعزّز الوقائع والنتائج، بما يتماشى مع منهجيّة العمل في مجال حقوق الإنسان. ولحظنا أنّ القليل القليل من التحقيقات المستقلّة والتقارير قد نُفَّذ، بما في ذلك من قبل وسائل الإعلام التركيّة والمجتمع المدني. وبالتاليّ، لا يمكن إرجاع كل المعلومات المتعلّقة بعمليّة القتل إلاّ إلى مصدر واحد فحسب (وهو الحكومة التركيّة). ولم تدقّق في هذه المعلومات الجهات الفاعلة المحليّة في المجتمع المدني ولا وسائل الإعلام بحسب ما هو متوقّع عند وقوع جريمة من هذا النوع. وقد يعود سبب هذا وضع السائد، الذي يضرّ بشدّة بالبحث عن الحقيقة، جزئيًّا إلى تقلّص الحيّز المدنيّ عامةً، بما في ذلك حيّز الصحافة المستقلّة ووسائل الإعلام في تركيا. وقد سلّط مقرّر الأمم المتّحدة الخاص المعني بحريّة التعبير الضوء على ذلك في التقرير الذي رفعته بعثته في العام 2016. وكما أشرنا أعلاه، يطغى الغياب التام لتقارير صادرة عن تحقيقات مستقلّة على التحقيقات والمحاكمات في المملكة العربيّة السعوديّة.

الآثار القانونيّة الدوليّة: الحصانة الدبلوماسيّة

  1. يثير مقتل السيد خاشقجي المزيد من القضايا المعقّدة والبارزة المتعلّقة بسيادة الدولة والقانون الدوليّ. فمنذ أحداث 2 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2018، قيل الكثير عن الصراع بين الدولتين اللتين تسعيان إلى السيطرة على تفاصيل قصّة مقتل السيد خاشقجي، على الصعيدَيْن الوطنيّ والدولي. وبدا لنا أثناء زيارتنا أنّ تركيا تعتبر الأمر انتهاكًا لسيادتها الوطنيّة ومسألة تتعلق بأمنها القوميّ. وبموجب القانون الدوليّ، تنتهك عمليّة القتل هذه القانون الدوليّ والقواعد الأساسيّة للعلاقات الدوليّة، بما في ذلك متطلّبات الاستخدام القانونيّ للبعثات الدبلوماسيّة. فـ"هذه القواعد، التي تم إعدادها لحماية الدول من أفعال بعضها البعض غير المشروعة، تُعتبر أساسيّة لاستقرار نظام الدولة"، على حدّ تعبير أحد الباحثين في مجال حقوق الإنسان. وقد شكّلت هذه الأبعاد مواضع قلق أساسيّة بالنسبة إلى البعثة إلى تركيا وستبقى كذلك مع تقدّم التحقيق.
  2. من الخطير للغاية أنّه يمكن وصف ظروف مقتل السيد جمال خاشقجي، وردّ ممثلي الدولة السعوديّة في أعقابه بـ"حصانة الإفلات من العقاب". ولكن، لم يُقصَد أبدًا بضمانات الحصانة تيسير ارتكاب جريمة، وإعفاء مرتكبيها من مسؤوليتهم الجنائيّة أو إخفاء انتهاك الحق في الحياة.
  3. تنصّ اتفاقيّة فيينا للعلاقات القنصليّة على أنّه لا يمكن دخول المباني القنصليّة أو تفتيشها بدون إذن، ولكن ليس الأمر سيّان بالنسبة إلى مكان إقامة القنصليّة. كما أنّ الموظفين القنصليّين محصنون ضد الملاحقة الجنائيّة ولكن حيال الأفعال التي يؤدونها في ممارسة مهامهم القنصليّة الرسميّة فحسب. وقيل لنا إن تركيا سعت في البداية إلى عدم تصعيد القضيّة، خوفًا من انتقام السلطات السعوديّة منها. ونتيجة لذلك، أحتلّت الحلول الدبلوماسيّة ومحاولات التعاون بين المدعي العام التركي والمدّعي العام السعوديّ الأولويّة القصوى بين 2 و15 تشرين الأوّل/ أكتوبر، ولكنها فشلت في تزويد المحقّقين بحق الوصول إلى مسرح الجريمة. وفي غضون ذلك، أظهرت الأدلة أن السلطات السعوديّة قامت بـ"تنظيف" مسرح الجريمة. وقد قلّص ذلك فرصة الحصول على أدلة مقبولة، وبالتالي حرم المحقّقين من جمع الأدلة الأساسيّة حول ما حدث ومن هو المسؤول.
  4. يثير مقتل السيد خاشقجي قضايا مهمّة تتعلّق بالتنفيذ القانونيّ لضمانات الحصانة الدبلوماسيّة وحدوده، ويوضح صعوبة التطبيق عند انتهاك هذه الضمانات، كما هي الحال في البيئات السياسيّة الدوليّة والإقليميّة المعقدة. وبالتالي، للمجتمع الدوليّ، بما في ذلك هيئات صنع القرار في الأمم المتّحدة والدول الأعضاء دور أساسيّ تلعبه يتطلّب المزيد من التدقيق والتفصيل.

الآثار القانونيّة الدوليّة: تنازع على الاختصاص

  1. يثير مقتل السيد خاشقجي أيضًا قضايا مهمّة تتناول الاختصاصات القضائيّة وتضارب الادعاءات في الولايات القضائيّة المتعدّدة. وللمجتمع الدوليّ، بما في ذلك المجتمع الدوليّ القانونيّ ومجتمع حقوق الإنسان، دور هام يؤدياه من خلال توضيح منظور بنّاء والعمل على تصميمه عندما تدعو الحاجة. ويدّعي كلّ من تركيا والمملكة العربيّة السعوديّة تمتّعه بالاختصاص في الجريمة. كيف يجدر الردّ على مثل هذا التنازع على الاختصاص، ومن يردّ عليه من أجل ضمان المساءلة الكاملة على قتل السيد خاشقجي وتحقيق العدالة له. وبالإضافة إلى هاتين الدولتَيْن، ونظرًا إلى الآثار المضاعفة لعمليّة القتل هذه والكثير من القضايا القانونيّة والسياسيّة الدوليّة التي تثيرها، يجدر أيضًا بالعمليّات الدوليّة أن تطالب بالاختصاص وأن تحدّدها من خلالها.

الآثار الدوليّة: نمط عالميّ لعمليات قتل تعسفيّ، بما في ذلك خارج الحدود الإقليميّة

  1. يُعتبر مقتل السيد خاشقجي جزءًا من نهج تؤكّده الأدلّة من عمليات قتل ممنهجة على المستوى العالميّ تستهدف صحفيّين ومدافعين عن حقوق الإنسان وناشطين ومعارضين لحكومات مختلفة. ولم يعد الفرار إلى الخارج بحثًا عن الأمان من حلول الحماية التي يمكن الاعتماد عليها بعد اليوم. فمخالب أجهزة المخابرات تمتدّ إلى جميع أنحاء العالم، وتذكرنا بعهد الحرب الباردة. وعلى المجتمع الدوليّ أن يتّخذ موقفًا حازمًا وجماعيًّا للتصدي لهذه الممارسات لأنّها تنتهك السيادة الوطنيّة وتنتهك القانون الدوليّ. إن مصير من يتجرّأ على انتقاد سياسات حكومته وممارساتها وقفٌ على ردّ المجتمع الدوليّ على مقتل السيد خاشقجي.

دور الأمم المتّحدة

  1. ما عُرِض على البعثة خلال زيارتنا تركيا يثير قضايا خطيرة بالنسبة إلى المجتمع الدوليّ. ومن بينها إساءة استخدام الحصانة الدبلوماسيّة، والتنازع على الاختصاص، وتدمير الأدلّة، وإساءة استخدام حقوق الإنسان الأساسيّة والقانون الدوليّ – بالإضافة إلى إهانة سيادة القانون، ما ينعكس سلبًا على جمال خاشقجي وعائلته، وعلى العالم بأسره أيضًا.
  2. لقد أصبحت الآثار الدوليّة لمقتل السيد جمال خاشقجي أكثر وضوحًا بعد زيارتنا تركيا مدّة أسبوع، وأعادت التأكيد على الأدوار الهامة التي يتعين على المجتمع الدوليّ أن يؤديها، بما في ذلك الأمم المتّحدة والدول الأعضاء. ولا نزال نعتبر أنّ التحقيق الذي التزَمْناه في وقوع انتهاكات لحقوق الإنسان يشكّل خطوةً أساسيّة من بين غيرها من الخطوات، نحو الإفصاح عن الحقيقة ومساءلة الجهات الرسميّة عن مقتل للسيد خاشقجي المروّع. ويقدم التقرير النهائيّ لهذا التحقيق مجموعة من التوصيات بشأن الإجراءات الإضافيّة التي ينبغي أن تتّخذها الأمم المتّحدة والدول الأعضاء، بما في ذلك لأغراض المساءلة الجنائيّة الرسميّة، وقواعدها في القانون الدوليّ.

دعوة للحصول على المزيد من الأدلّة

  1. نعتزم مواصلة النظر في الأدلة المتوفّرة في الأسابيع المقبلة، ونحثّ أي شخص لديه أيّ معلومات موثوقة عما جرى قبل مقتل السيد خاشقجي وخلاله وبعده أن يشاركنا بها قبل صدور التقرير النهائيّ ورفعه إلى مجلس حقوق الإنسان في حزيران/ يونيو.
  2. كما نرحّب بأيّ مساهمة يقدّمها أيّ شخص لديه اهتمام أو خبرة في الآثار الدوليّة لهذه القضية على مستوى القوانين والمعايير الدوليّة، وسلامة المنتقدين والمعارضين، والصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، ودور الأمم المتّحدة.
  3. وفي هذه المرحلة، وفي أعقاب مقتل السيد خاشقجي، تتميّز تركيا بدورها في التصميم على كشف الحقيقة وتحقيق المساءلة في هذه القضية. ويثير مقتل السيد خاشقجي أيضًا قضايا أساسيّة تتعلّق بالتسامح وحماية المعارضة وحرية الإعلام. وفي ما يتعلق بموقف تركيا، ندعو السلطات التركيّة إلى اتّخاذ جميع التدابير اللازمة لتنفيذ توصيات المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية الحق في حريّة الرأي والتعبير والمقرر الخاص المعنيّ بمسألة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، والفريق العامل المعنيّ بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي، في أعقاب بعثاتهم إلى تركيا في العام 2016.

الصفحة متوفرة باللغة: