Skip to main content
x

تورك: حقوق الإنسان هي بمثابة ترياق يقينا شرّ سياسات الإلهاء والخداع واللامبالاة والقمع المتفشية حاليًا

العودة

11 أيلول/سبتمبر 2023
أدلى/ت به: فولكر تورك، مفوضّ الأمم المتّحدة السامي لحقوق الإنسان

المفوض السامي فولكر تورك يعرض آخر المستجدّات العالمية أمام مجلس حقوق الإنسان في جلسته الـ54. © المفوضية السامية لحقوق الإنسان

سيّدي الرئيس،
أصحاب السعادة،
أيها المندوبون الكرام،

في عملي مع الأمم المتحدة على مر السنين، أصبح واضحًا بالنسبة إلي أنّ قضايا التنمية تكمن وراء كل تحدٍ يواجهنا تقريبًا.

فالناس في كل مكان يرغبون في مستوى معيشي لائق، ولهم كلّ الحقّ بذلك. يرغبون في وضع ما يكفي من طعام على موائدهم، وبالحصول على الرعاية الطبية بتكلفة مقبولة عندما يحتاجون إليها. وبالوصول إلى التعليم وتكافؤ الفرص لأنفسهم ولأطفالهم. وبآفاق اقتصادية جيدة، والتمتّع بحصة عادلة من الموارد. وببيئة نظيفة وصحية ومستدامة. وبحرية القيام بخياراتهم بأنفسهم. وبالوصول إلى معلومات موضوعية، لا إلى البروباغاندا. وإلى نظم العدالة والشرطة وحفظ الأمن التي تدعم حقوقهم.

وبغية ضمان كل هذه الحقوق، هم يرغبون في المشاركة مشاركةً نشطة وهادفة في صنع القرار، وفي حكومات تلبي احتياجاتهم هم، لا احتياجات النخب التي هي مضطرة على تلبيتها.

لكنني أرى مرارًا وتكرارًا أشخاصًا محرومين من هذه الحقوق، ومسحوقين بفعل تنمية لا تحترم الحقوق ولا تحقق العدالة. إن الظلم والفقر والاستغلال والقمع هي الأسباب الكامنة وراء المظالم التي تولّد التوترات والنزاعات والتشرّد والمزيد من البؤس، المرّة تلو الأخرى.

سيّدي الرئيس،

شهدتُ الشهر الماضي في العراق، مهد العديد من الحضارات، لمحة وجيزة عن الرعب البيئي الذي تجسّده أزمة كوكبنا العالمية. ففي البصرة، حيث قيل لي أنّ أشجار النخيل اصطفّت قبل 30 عامًا على جانبي القنوات الخصبة، يولّد الجفاف والحرارة اللاذعة والتلوث الشديد وإمدادات المياه العذبة السريعة النضوب، مناظر طبيعية قاحلة قوامها الركام والغبار.

ويشكّل هذا الضرر المتصاعد حالة طوارئ تهدّد حقوق الإنسان في العراق وفي العديد من البلدان الأخرى. ويدفع تغير المناخ ملايين الأشخاص إلى براثن المجاعة. ويدمّر الآمال والفرص والمنازل والأرواح. وفي الأشهر الأخيرة الماضية، تحوّلت التحذيرات الطارئة أكثر من مرّة إلى واقع قاتل في جميع أنحاء العالم.

لا نحتاج إلى المزيد من التحذيرات. فالمستقبل البائس القاتم قد حلّ أصلاً.

ولا بدّ من المبادرة إلى العمل فورًا.

وندرك تمامًا ما يجدر القيام به.

إلاّ أنّ السؤال الحقيقي المطروح اليوم هو: ما الذي يمنعنا عن العمل.

سيّدي الرئيس،

بدلاً من وحدة الهدف والقيادة التعاونية الحاسمة، نشهد سياسات الانقسام والإلهاء، منها مثلاً من خلال تلفيق الخلافات المصطنعة حول النوع الاجتماعي أو الهجرة أو تصوّر "صدام" بين الحضارات.

إن السلسلة البغيضة المؤلّفة من 30 حادثة حرق للقرآن الكريم مؤخرًا هي أحدث مظهر من مظاهر هذه الرغبة في الاستقطاب والتفريق، وخلق الانقسامات داخل المجتمعات وبين البلدان. سأناقش هذا الجانب بالتفصيل في 6 تشرين الأول/ أكتوبر، بما يتماشى مع القرار 53/1.

نشهد أيضًا سياسات اللامبالاة وتخدير العقول والأرواح، في محاولة لتشتيت تعاطفنا وهو سمتنا الأعمق التي تميّزنا، من خلال إنكار إنسانية الضحايا والأشخاص الضعفاء بكلّ بساطة.

لقد اعترتني الصدمة جرّاء اللامبالاة التي تكشّفت بصورة جلية تجاه خبر وفاة أكثر من 2,300 شخص أو فقدانهم في البحر الأبيض المتوسط هذا العام، بما في ذلك فقدان أكثر من 600 شخص في تحطّم زورق واحد قبالة شواطئ اليونان في حزيران/ يونيو. ومن الواضح أن عددًا أكبر بكثير من المهاجرين واللاجئين يموتون من دون أن يلاحظهم أحد، في البحار المحيطة بأوروبا، بما في ذلك بحر المانش؛ وفي خليج البنغال، وفي منطقة البحر الكاريبي، حيث يتمّ صدّ الأشخاص الذين يلتمسون الحماية وترحيلهم بصورة مستمرّة إلى أوضاع محفوفة بالخطر الشديد؛ وعلى طول الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، حيث تثير عمليات الترحيل والإبعاد العاجل قضايا خطيرة؛ وعلى حدود المملكة العربية السعودية، حيث تطلب مفوضيّتنا توضيحات عاجلة بشأن ادعاءات تفيد بارتكاب حالات قتل وسوء معاملة.

نشهد سياسات الخداع والتضليل. فبمساعدة التكنولوجيات الجديدة، يتم إنتاج الأكاذيب والمعلومات المضللة بكميات هائلة لبثّ الفوضى والارتباك، وإنكار الواقع حتّى في نهاية المطاف وضمان عدم اتخاذ أي إجراء قد يهدّد النخب المترسّخة. والمثال الأبرز في هذا الصدد هو تغير المناخ.

نشهد سياسات القمع القديمة الفظة والوحشية. ونحن بحاجة ماسة إلى نشر الآراء النقدية والمبتكرة والبناءة من أجل إعداد سياسات وأنظمة أفضل، لكن ما نحصل عليه بشكل متزايد هو الانقلابات العسكرية والاستبداد وسحق المعارضة، فما يواجهنا باختصار هو قبضة محكمة على أعناقنا.

الترياق المطلوب موجود.

علينا أن نصرّ على الأدلة والحقيقة.

علينا أن نضع في اعتبارنا ترابطنا وقيمنا المشتركة.

علينا أن ننمي ردود الفعل الطبيعية للبشرية المتمثلة في التعاطف والعدالة والرحمة.

علينا أن نغذي التفكير النقدي والإبداع الذي لا يمكن أن ينبع إلا من المشاركة الواسعة والحرة والنقاشات المفتوحة.

وعلينا أن ندافع بحزم عن وعد حقوق الإنسان، وهو وعد بتوفير الحلول.

مثلما تصطدم المظالم ببعضها البعض وتولّد أزمات متعددة وشديدة، فإن الخطوات المشتركة نحو المزيد من العدالة والاحترام والإدماج سترسخ القدرة على المواجهة والصمود وتحرر قوة مساهمات كلّ فرد في المجتمع.

يلخص الهدف 16 من أهداف التنمية المستدامة بشأن السلام والعدالة والمؤسسات القوية، سبيلنا للخروج من الاضطرابات التي نشهدها والمضي قدمًا بعيدًا عنها.

ويمثل تركيزه على هذه العلاقة المتشابكة بين الحكم الرشيد والتنمية الركيزة الأساسية التي تحافظ على تماسك خطة التنمية المستدامة لعام 2030. وكل هدف إنمائي مترسّخ في المساواة والكرامة الإنسانية. وهي تتطلب جميعها مؤسسات خاضعة للمساءلة، وسيادة قانون محايدة ومستقلة، ومجتمع مدني نابض بالحياة.

يوضح الهدف 16 من أهداف التنمية المستدامة أنه من أجل النهوض بالتنمية، تقع على عاتق الدول مسؤولية ضمان الحيّز المدني والحقوق الأساسية وحمايتها.

ليس شعار "عدم ترك أحد يتخلّف عن الركب" مجرّد شعار فارغ لا معنى له. بل هو خطة عمل لحقوق الإنسان، تغطّي مجموعة حقوق الإنسان بأكملها.

أمّا الحرية فتشكّل الهدف من التنمية ومصدرها على حد سواء.

فالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والحق في التنمية والحق في بيئة نظيفة وصحية ومستدامة، مترسّخة في بعضها البعض. هذا هو معنى عدم قابلية حقوق الإنسان للتجزئة وترابطها. ومن خلال النهوض بها جميعها وفي موازاة بعضها البعض، يمكنها أن تساهم في استحداث حلول حقيقية لتحدياتنا الأكثر إلحاحًا.

والفصل بين مجموعتين متميزتين من الحقوق، هي الحقوق المدنية والسياسية من جهة، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من جهة أخرى، هو نتاج الإيديولوجيات وهو لا يعكس أبدًا الواقع. فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان لا ينصّ أبدًا على هذا الفصل أو التسلسل الهرمي، وبعد مرور 75 عامًا من اعتماده، نحن بأمسّ الحاجة إلى العودة إلى ذلك الأساس.

إن حقوق الإنسان محايدة سياسيًا ويجب أن تبقى كذلك.

وقد قبلت جميع الدول مسؤوليتها عن إعمال جميع الحقوق.

وتتمثل ولايتي وطموحي في مساعدة كل بلد على النهوض بالمجموعة الكاملة لحقوق الإنسان وتعزيزها، من دون تمييز على أساس النظام السياسي أو التحالفات أو مرحلة التنمية.

سيّدي الرئيس،

في ظلّ هذه الخلفية، وفي ضوء مؤتمر القمة المعني بأهداف التنمية المستدامة المقبل، سأركّز في كلمتي هذه على التنمية وحقوق الإنسان.

لا يفي العالم بوعدنا بإنهاء الجوع بحلول العام 2030. وعلى الرغم من الموارد المالية والابتكارات التكنولوجية والأراضي الكافية لتوفير الغذاء المناسب للجميع، عدنا إلى مستويات جوع لم نشهد مثيلها منذ العام 2005 - وإلى العديد من الأطفال الذين يعانون من التقزم وإلى حياتهم القصيرة بشكل مؤلم.

يتوقّع التقرير العالمي لمنظمة الأغذية والزراعة لعام 2023 أن يعاني 600 مليون شخص تقريبًا من نقص مزمن في التغذية في نهاية هذا العقد. ومن العوامل السببية لهذا الواقع تغيّر المناخ وعواقب الجائحة وحرب روسيا على أوكرانيا.

فقد دمّر عام ونصف العام من الحرب المروعة أوكرانيا، وتسبّب بخسائر مؤلمة لشعبها، وبأضرار لحقت بمساحات شاسعة من الأراضي الزراعية. كما أدى انسحاب الاتحاد الروسي من مبادرة البحر الأسود لنقل الحبوب في تموز/ يوليو، والاعتداءات على مرافق الحبوب في أوديسا ومناطق أخرى، إلى ارتفاع الأسعار من جديد بشكل حاد في العديد من البلدان النامية، ما جعل الحق في الغذاء بعيد المنال بالنسبة إلى الكثير من الناس.

وفي الصومال، أدت سنوات طويلة من الجفاف والعنف المتطرف والحكم الفاشل إلى ما يقدر بنحو 43,000 حالة وفاة زائدة العام الماضي، نصفها تقريبًا من الأطفال دون سن الخامسة. ومن المحتمل أن يعاني 1.8 مليون طفل تقريبًا من سوء التغذية الحاد خلال العام 2023، ما يشكّل مأساة بأبعاد غير إنسانية في بلد متضرّر أصلاً من النزاعات. واعتماد الصومال الطويل على واردات القمح من أوكرانيا والاتحاد الروسي يعني أن انهيار مبادرة البحر الأسود لنقل الحبوب أضرّر بالبلاد بشكل مروّع.

يشكّل الجوع وانعدام الأمن الغذائي مصدر قلق بالغ في منطقة البحر الكاريبي أيضًا. فقد توصّلت الدراسة الاستقصائية التي أجراه برنامج الأغذية العالمي والجماعة الكاريبية في أيار/ مايو 2023 إلى أنّ 3.7 مليون شخص، أو ما يعادل 52 في المائة من سكان دول الجماعة الكاريبية، يعانون من انعدام الأمن الغذائي.

ففي هايتي، يؤدي عنف العصابات الشديد، الذي تغذيه عقود من الحكم السيء والضعيف، إلى تفاقم الوضع الغذائي المتدهور أصلاً. ويعاني نصف السكان تقريبًا، أي ما يعادل 4.9 مليون شخص، من انعدام الأمن الغذائي الحاد. إلاّ أنّه من الممكن والآمن حتى، إنتاج الغذاء في بعض المناطق من البلاد، ويجب دعم هذه المبادرات المحلية بشكل أفضل. ويشير التقرير بشأن هايتي، الذي سيُقدّم إلى المجلس خلال هذه الدورة، بكلّ وضوح إلى أن الفقر وأوجه عدم المساواة وانتهاكات الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية شكّلت أرضًا خصبة للعنف الذي لا يُحتَمَل وللأزمة المتفشية اليوم على نطاق واسع.

وفي 111 بلدًا، يعيش اليوم 1.2 مليار شخص، نصفهم تقريبًا من الأطفال، في فقر مدقع متعدد الأبعاد. وهم يمثلون 20 في المائة تقريبًا من سكان تلك البلدان، وسيتم دفع الملايين الآخرين إلى الفقر المدقع نتيجة تغير المناخ، بحسب ما أشار إليه البنك الدولي. هذا فشل جماعي رهيب في مجال حقوق الإنسان.

في جميع أنحاء منطقة الساحل، حيث يقع كلّ من بوركينا فاسو وتشاد ومالي والنيجر، وهي من البلدان الثمانية الأقل نموًا في العالم، يكافح معظم الناس يومًا بعد يوم من أجل البقاء على قيد الحياة. وتتأثر هذه البلدان بشكل خطير بالتدهور البيئي وتغير المناخ، وهي أزمة لم تساهم فيها بأي شيء يُذكَر. فالموارد اللازمة للبقاء على قيد الحياة، مثل الأراضي الخصبة والمياه، آخذة في الانحسار، ما يؤدي إلى نشوب نزاعات بين المجتمعات المحلية. وتدابير التكيف التي تحتاج إليها بشكل طارئ باهظة التكلفة، والدعم المالي الذي يتم الوعد به بانتظام في المؤتمرات الدولية يُرسل ببطء شديد وعلى دفعات ضئيلة. وكان العام 2022 أكثر الأعوام دموية منذ بداية أزمة الساحل قبل عقد من الزمن، والتهديد المستمر بالعنف من قبل الجماعات المسلحة يتوسّع باضطراد باتجاه الدول الساحلية.

لا يمكن معالجة أي من التحديات التي تواجه هذه البلدان بمعزل عن غيرها: فهي مترابطة ومداخلة. أمّا تغير المناخ، بما في ذلك حالات الجفاف والظواهر المناخية المتطرّفة، وعدم الاستثمار بشكل كاف في التعليم والرعاية الصحية والصرف الصحي والحماية الاجتماعية والعدالة المحايدة وغيرها من حقوق الإنسان، وعقود من الحكم السيء والضعيف، والافتقار إلى الشفافية واتخاذ القرارات الخاضعة للمساءلة، فمن المصادر التي تغذّي التطرف العنيف.

لا تشكّل التغييرات غير الدستورية في الحكومة التي شهدناها في منطقة الساحل الحل لهذه الأزمة. بل نحن بحاجة إلى العودة فورًا إلى الحكم المدني، وإلى الحيّز المفتوح حيث يمكن الناس المشاركة في اتّخاذ الإجراءات الحكومية أو عدم اتخاذها، والتأثير فيها ومواكبة عملية اعتمادها وانتقادها.

سيّدي الرئيس،

إن عصرنا هو عصر التركّز الهائل للثروات وأوجه عدم المساواة غير المسبوقة. والثروة العالمية اليوم أكبر من أي وقت مضى. لكن في العام 2021، امتلك أغنى 10 في المائة من الناس 76 في المائة من إجمالي الثروة؛ ولم يمتلك النصف الأفقر من الناس سوى 2 في المائة منها فقط. ويعيش نصف سكان العالم تقريبًا في بلدان حكوماتها مضطرّة على أن تنفق على سداد الديون أكثر مما تستطيع إنفاقه على التعليم والصحة.

إنّ الهوة التي تفصل بين الأغنياء والفقراء تضر بالجميع. وتدمّر، على الصعيدين الوطني والدولي، الثقة وتقوّض الجهود المبذولة لإيجاد الحلول. ومن مصلحة كل دولة أن تكفل أن تعكس جميع المؤسسات الدولية والمناقشات المتعددة الأطراف احتياجات كل مشارك فيها، وأن تسعى إلى القضاء على أوجه عدم المساواة الآخذة في الاتساع بين البلدان.

يجب أن تتمثل إحدى الخطوات الهامة في إصلاح الهيكل المالي الدولي، بما في ذلك إبرام صفقات أكثر إنصافًا بشأن تخفيف عبء الديون وتمويل التنمية. فغالبًا ما أعاقت الشروط غير المبررة الواردة في اتفاقات الاستثمارات والقروض قدرة الدول على الوفاء بالتزاماتها في مجال حقوق الإنسان، وكأن هذه الالتزامات غير موجودة أصلاً. إن حقوق الإنسان جوهرية لأثر التنمية والانتقال العادل، ويجب إدماجها بشكل واضح وشامل في سياسات المؤسسات المالية الدولية وعملياتها.

أشجع الدول كلّ التشجيع على تأييد نداء الأمم المتحدة من أجل تحفيز أهداف التنمية المستدامة، وأرحب بالمناقشات الدولية الحالية بشأن تعزيز التعاون الضريبي الدولي. فعندما تحوّل الشركات المتعددة الجنسيات والأثرياء أرباحهم وتقاريرهم المالية إلى ولايات قضائية منخفضة أو معدومة الضرائب، يقوّض ذلك قدرة البلدان على تعبئة الإيرادات لإعمال حقوق الإنسان. ويقدر التقرير بشأن وضع العدالة الضريبية لعام 2023 أن الدول ستخسر 5 تريليون دولار أميركي تقريبًا على مدى السنوات العشر المقبلة بسبب الملاذات الضريبية. يجب أن نكافح التهرب الضريبي وتجنّب دفع الضريبة والتدفقات المالية غير المشروعة. وأثني على قيادة المجموعة الأفريقية لتسليط الضوء على هذا الموضوع في جمعيتها العامة، وأرحّب أيضًا بالمبادرة التي قادتها البرازيل وشيلي وكولومبيا لتعزيز الضرائب التصاعدية والتعاون في جميع أنحاء أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي.

 

يشكّل اتخاذ خطوات حاسمة لإنهاء الفساد والتدفقات المالية غير المشروعة أداة قوية لزيادة الإيرادات، بحسب ما أشارت إليه الدراسات. كما أن كلتا الظاهرتين تقوضان سيادة القانون، وتسلبان الموارد اللازمة للاستثمارات العامة والمنفعة العامة، وتدمران ثقة الجمهور. وتشير الدراسات إلى أن ما يصل إلى 25 في المائة من الإنفاق على العقود العامة يُنهب على المستوى العالمي بسبب الفساد. وينعكس ذلك آثارًا مدّمرة على التنمية المستدامة، ولهذا السبب يقدم الهدف 16.5 من أهداف التنمية المستدامة وعدًا صارمًا "بالحدّ بدرجة كبيرة من الفساد والرشوة بجميع أشكالهما."

مع تسارع وتيرة أزمة كوكبنا، من الضروري للغاية الانتقال إلى الاقتصادات القائمة على حقوق الإنسان التي تعزز الحلول الخضراء. لا يمكنني التشديد بما يكفي على ضرورة التخلص التدريجي والسريع والعادل من الوقود الأحفوري، والتمويل الفعال للعمل المناخي القائمة على حقوق الإنسان، لا سيما من أجل التكيف ومعالجة الخسائر والأضرار.

كما أنني مهتم بضرورة مواجهة إفلات الأشخاص والشركات الذين ينهبون بيئتنا من العقاب. وقد اقترحَ عددٌ من الدول ومجموعات من المجتمع المدني إدراج جريمة الإبادة الإيكولوجية الدولية في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. وأرحب بالنظر في هذه التدابير وغيرها من التدابير الأخرى الرامية إلى توسيع نطاق المساءلة عن الأضرار البيئية، على الصعيدين الوطني والدولي.

سيّدي الرئيس،

الحقوق في الغذاء والمياه والمرافق الصحية والسكن والتعليم والرعاية الصحية والضمان الاجتماعي بأسعار مقبولة وبنوعيّة جيدة تفرض التزامات على جميع الدول. ويجب أن تشكّل جزءًا لا يتجزأ من القانون وأن يتم دعمها في كل مكان، شأنها شأن جميع حقوق الإنسان الأخرى.

لكن في العديد من البلدان، يتم التعامل مع السكن مثلاً على أنه سلعة قابة للاستثمار والمضاربة، ولعبة في يدّ الأسواق المالية، لا حقًا أساسيًا من حقوق الإنسان.

ترهق أزمة السكن بأسعار مقبولة دخل الأسرة وتعمّق أوجه عدم المساواة وتضرّ بصحة الأطفال وتفقر الشباب وتولّد أزمة تشرّد متصاعدة. لقد أصبحت هذه الحقيقة واضحة بشكل بارز في معظم أنحاء العالم الصناعي، وأرغب في تسليط الضوء على هذه القضية لأنني مقتنع كل الاقتناع بأنها تشكّل محور العقد الاجتماعي.

تولّد لامبالاة المسؤولين المُنتخبين بمحنة الشباب وغيرهم من الأشخاص الآخرين، خيبة أمل في النفوس، ما يقوض بدوره الثقة في الأنظمة السياسية.

في العديد من البلدان الأوروبية، ارتفعت تكاليف السكن بشكل أسرع بكثير من الدخل، ما جعل السكن المستقر والآمن بعيدًا عن متناول أعداد كبيرة من الشباب، وغيرهم من ذوي الدخل المنخفض أو غير المنتظم.

وفي جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي، يشير تقرير صدر في العام 2023 واستند إلى بيانات رسمية، إلى أنّ مليون شخص تقريبًا هم اليوم بلا مأوى، بمعدّل أعلى بنسبة 30 في المائة تقريبًا من المستوى المرتفع أصلاً الذي سُجِّل في العام 2021، كما وجد التقرير أن الشباب هم من بين الأكثر تضرّرًا.

في الولايات المتحدة الأميركية، عانى أكثر من نصف مليون شخص من التشرد في كانون الثاني/ يناير 2022، وفقًا للأرقام الرسمية، وأكثر من 40 في المائة منهم من أصل أفريقي، وهم يشكلون 12 في المائة من السكان.

في مقابل ذلك، وبفضل العمل المتضافر، شهدت فنلندا انخفاضًا بارزًا في حالات التشرد منذ العام 2010. وشمل ذلك إعانات إسكان كبيرة للأشخاص ذوي الدخل المنخفض، وخدمات الدعم الاجتماعي المحددة الهدف، والسياسات الاستباقية لتطوير مخزون المساكن المؤجرة.

واستجابة للوضع داخل الاتحاد الأوروبي، تم إنشاء منصة أوروبية لمكافحة التشرد في العام 2021 بهدف تمكين الحكومات والمدن والمجتمع المدني من تنسيق الإجراءات في هذا المجال. وفي موازاة ذلك، تعدّ الولايات المتحدة الأميركية الخطة الاستراتيجية الفيدرالية الجديدة لمنع التشرد وإنهائه، التي تشكّل مؤشّرًا آخر للزخم الجديد الرامي إلى اعتماد إجراءات تصحيحية.

يشكّل إنهاء التشرد وضمان السكن بأسعار مقبولة جزءًا لا يتجزأ من أهداف التنمية المستدامة. وهذان الجانبان هما في الواقع من مقتضيات حقوق الإنسان. ويتعين على الدول أن تعترف بأن التشرد من انتهاكات حقوق الإنسان ويجرّد الناس من الحماية الضرورية للكرامة. وأشجع جميع البلدان، لا سيما أكثر البلدان نموًا، على نشر أقصى قدر ممكن من الموارد المتاحة لإعمال هذه الحقوق، على النحو الذي يقتضيه القانون الدولي.

سيّدي الرئيس،

يواجه الناس في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ندرة غير مسبوقة في المياه. فما يقدر بنحو 83 في المائة من سكان المنطقة يتعرضون لإجهاد مائي شديد الارتفاع، وبحلول العام 2030، سينخفض متوسط نصيب الفرد من المياه المتاحة إلى ما دون عتبة الندرة المطلقة. ما ينعكس آثارًا سلبية وخيمة على الصحة والأمن الغذائي، ويؤدي إلى تفاقم الفقر بشكل بالغ، ويبدو أنه من المرجح أن يؤدّي إلى تفاقم النزاعات وعدم الاستقرار والتشرد.

ساهمت قضايا الحوكمة الخطيرة، والفشل في الاستثمار في البنية التحتية الخاصة بالحقوق، في اندلاع هذه الأزمة، في موازاة تغير المناخ والتلوث والنمو السكاني. ويكاد هذا المثال عن العلاقة المتشابكة بين المؤسسات الشاملة والحكم الرشيد وتحقيق أهداف التنمية أو عدم تحقيقها، أن يكون نموذجيًا. فإصلاح الحوكمة، بما في ذلك إتاحة حيز أوسع بكثير أمام المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان للعمل من أجل الصالح العام، يعدّ المجتمعات بشكل أفضل للاستجابة والتكيف وبناء القدرة على المواجهة والصمود في وجه شحّ المياه وانخفاض القدرة على الوصول إليها.

والمياه مجرد مثال واحد على ضرورة ضمان الحوكمة الشاملة للجميع في سياق التنمية.

أدّى اندفاع الصين نحو تحقيق التنمية إلى إنجازات متينة في مجال التخفيف من حدة الفقر. غير أن التحديات الاقتصادية التي واجهتها البلاد مؤخرًا تسلّط الضوء جهارًا على ضرورة اتباع نهج قائم على المزيد من المشاركة ويدعم جميع حقوق الإنسان، بما في ذلك حقوق الأقليات العرقية والسكان في المجتمعات الريفية والعمال المهاجرين الداخليين وكبار السن وذوي الإعاقة. إن فتح المجال أمام مشاركة المجتمع المدني ومناقشته، بما في ذلك عندما ينتقد السياسات ويدعو إلى تغييرها، يبني مجتمعًا أكثر قدرة على المواجهة والصمود وأكثر مرونة. وكما بيّنت مفوضيتنا قبل عام من اليوم، فإن المخاوف في شينغيانغ تتطلب إجراءات علاجية صارمة تعتمدها السلطات وفق ما جاء في توصياتنا. وأعرب عن قلقي البالغ حيال استمرار احتجاز المدافعين عن حقوق الإنسان.

في السلفادور، إنّ وضع حد لعقود من إجرام العصابات الجامح من التحديات المعقدّة. ومن بين الأسباب الجذرية لهذه الأزمة الأمنية أوجه القصور في الحوكمة وأوجه عدم المساواة، وعدم إمكانية الحصول على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الأساسية. ومن شأن التصدي لهذه المشاكل أن يساهم في التوصّل إلى حلول أفضل وأكثر استدامة. وأعرب عن قلقي البالغ حيال المدة المفرطة لحالة الطوارئ الراهنة، وعمليات الاحتجاز الجماعي التي حدثت في هذا السياق، فضلًا عن الظروف غير المقبولة في السجون، والقيود المفروضة على الحيز المدني وعلى الإجراءات القانونية الواجبة.

في المكسيك، انخفضت معدلات الفقر بشكل ملحوظ، مع خروج أكثر من خمسة ملايين شخص من الفقر بين العامين 2018 و2022 ، وهو إنجاز يستحق الثناء. في مقابل ذلك، تشير البيانات الحديثة إلى ارتفاع عدد الأشخاص الذين أبلغوا عن نقص في الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية. ما يؤكّد ضرورة إحراز تقدم أكثر استدامة نحو الإعمال الكامل للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي تقوم عليها مؤسسات شاملة للجميع وشفافة وخاضعة للمساءلة. وقد وجد قرار تاريخي أصدرته المحكمة العليا الأسبوع الماضي أن العقوبات الجنائية للإجهاض في قانون العقوبات الفيدرالي غير دستورية، ما يشكّل هو تقدمًا آخر في أميركا اللاتينية في مجال حقوق المرأة. أشجع جميع البلدان على تمكين النساء من اختيار إنهاء الحمل بأمان.

أرحب بالمناقشات التي أجرتها الشهر الماضي البرازيل وبوليفيا وكولومبيا وإكوادور وغيانا وبيرو وسورينام وفنزويلا من أجل رؤية مشتركة لغابات الأمازون المطيرة، بما في ذلك مشاركة الشعوب الأصلية الفعالة. ويأتي الإعلان في حزيران/ يونيو عن أن البرازيل ستسعى إلى وضع حدّ لإزالة الغابات غير القانونية في منطقة الأمازون البرازيلية بحلول العام 2030، بمثابة خطوة منعشة نحو التغيير. كما أهنئ شعب إكوادور على تصويته لصالح وقف أنشطة استخراج النفط والمعادن في منتزه ياسوني الوطني، الذي يشكّل أيضًا موطن الشعوب الأصلية ومحمية المحيط الحيوي لشوكو الأنديز.

في أستراليا، يجري الشهر المقبل استفتاء بشأن الاعتراف الدستوري بالشعوب الأولى في أستراليا، من خلال تخصيص "صوت" للسكان الأصليين وسكان جزر مضيق توريس في البرلمان. وتشكّل هذه العملية فرصة تاريخية من أجل إرساء أساس جديد لإدماج الشعوب الأصلية وإشراكها، خدمةً لصالح جميع الأستراليين.

في الهند، تتلقى مفوضيتنا بشكل متكرر معلومات تفيد بأن مجتمعات الأقليات المهمشة تتعرض للعنف والتمييز. وغالبًا ما يشكّل المسلمون هدفًا لمثل هذه الاعتداءات، وآخرها وقع في هاريانا وغوروغرام شمال البلاد. وفي مانيبور، تواجه مجتمعات أخرى أيضًا العنف وانعدام الأمن منذ أيار/ مايو. من الضروري للغاية مضاعفة الجهود لدعم حقوق جميع الأقليات، من خلال التعامل مباشرةً مع التعصب وخطاب الكراهية والتطرف الديني والتمييز.

ما زلتُ أشعر بصدمة عميقة حيال تصاعد العنف في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث لا يزال المزيد من الفلسطينيين والإسرائيليين، بمن فيهم الأطفال، يُقتلون ويصابون بجروح خطيرة. كما يثير استخدام الغارات الجوية في الضفة الغربية المحتلة القلق البالغ. ويبدو أن الاعتداءات العنيفة التي يشنها المستوطنون ضد الفلسطينيين تزداد شيوعًا، وقد وقعت في بعض الحالات بموافقة واضحة من القوات الإسرائيلية. كما تتوسع المستوطنات غير الشرعية بشكل كبير. ويتعارض تطبيق الحكومة المزعوم للسيادة على الضفة الغربية المحتلة، ونقل سلطات إدارية واسعة من السلطات العسكرية إلى المسؤولين المدنيين الإسرائيليين، مع القانون الدولي الإنساني. وأعرب عن قلقي البالغ أيضًا حيال استمرار القيود التي تفرضها السلطات الفلسطينية وسلطات الأمر الواقع في غزة على الحيّز المدني، بما في ذلك من خلال الاحتجاز التعسفي لمن يُعتقد أنهم ينتقدونها. ولا تزال سلطات الأمر الواقع في غزة تفرض عقوبة الإعدام، بما في ذلك على الموظفين غير الأمنيين الذين أدانتهم المحاكم العسكرية.

أعرب من جديد عن قلقي البالغ حيال التطورات في مجال حقوق الإنسان في الاتحاد الروسي، حيث يتم سحق الحيّز المدني من خلال القيود المفروضة على الحقوق الأساسية والقمع القاتل للحركة المناهضة للحرب. وتواصل السلطات استخدام النظام القضائي لإسكات الأصوات المنتقدة واستهداف النشطاء وجماعات حقوق الإنسان على خلفية عملها المشروع. وتثير الأحكام الصادرة بحقّ السياسيين المعارضين والصحفيين المستقلين، على غرار الحكم الإضافي بالسجن لمدة 19 عامًا على أليكسي نافالني، و25 عامًا على فلاديمير كارا مورزا، مخاوف جدية، لكل من هؤلاء الأفراد وسيادة القانون. ولا تزال مزاعم التعذيب وسوء المعاملة مستمرة في مرافق الاحتجاز، وكذلك عدم استعداد السلطات لفتح التحقيقات المطلوبة.

في إيران، بعد مرور عام على وفاة مهسا أميني، أعرب عن قلقي البالغ من أن مشروع قانون جديد قيد الاستعراض حاليًا، يفرض عقوبات صارمة على النساء والفتيات اللواتي لا يخضعن لقواعد اللباس الإلزامي، بما في ذلك حظر السفر ومنع الوصول إلى الخدمات الاجتماعية. كما أنه يتيح استخدام تقنية المراقبة لرصد سلوك المرأة وملابسها. وقد تضاعفت التقارير بشأن النساء اللواتي يواجهن إجراءات قانونية لانتهاكهنّ قواعد اللباس، حتى قبل إقرار مشروع القانون. وفي هذا السياق، أشير إلى ما يساورني من قلق حيال تجدّد نشر شرطة الآداب، وهي قوة تهدف حصرًا تقريبًا إلى السيطرة على النساء والفتيات والتحكّم بهنّ. أمّا المساءلة عن وفاة السيدة أميني والانتهاكات التي ارتُكِبَت في سياق الاحتجاجات اللاحقة، فغير كافية إطلاقًا. كما ارتفعت معدّلات استخدام عقوبة الإعدام بشكل حاد، لا سيما ضد البلوش وغيرهم من الأقليات الأخرى.

في باكستان، أعرب عن قلقي حيال استخدام ادعاءات التجديف للتحريض على العنف ضد الأقليات وإثارة التوترات الطائفية. فخلال الشهر الماضي، أحرق حشد من آلاف الأشخاص أكثر من اثنتي عشرة كنيسة ونهبوا منازل المسيحيين في منطقة فيصل آباد. وتؤدي مسودة التعديلات على قوانين التجديف الصارمة أصلاً في البلاد، إلى زيادة حدّة العقوبات أكثر بعد. ويشكل إقرار هذا التشريع خطوة عملاقة بعيدًا عن التغييرات التي حثت عليها الهيئات الدولية المعنية بحقوق الإنسان.

في منطقة أمهرة في إثيوبيا، ومنذ بداية الأزمة وإعلان حالة الطوارئ في بداية آب/ أغسطس، ورد أنه تم اعتقال أكثر من 1,000 شخص، وقتل أكثر من 200 آخرين، في سياق الاشتباكات بين القوات الفيدرالية وميليشيا أمهرة فانو. وفي أوروميا، أفادت التقارير بأن الاشتباكات لا تزال تؤدي إلى عمليات قتل وانتهاكات وتجاوزات أخرى. وفي تيغراي، أفادت التقارير بحدوث اعتقالات جماعية وتشريد قسري، لا سيما في المناطق التي يُزعم أن القوات الإريترية وقوات أمهرة لا تزال متواجدة فيها. يجب التحقيق في جميع هذه الحوادث ومحاسبة المسؤولين عنها. وفي مقابل ذلك، ألحظ التقدم المُحرَز في المشاورات بشأن العدالة الانتقالية، وأحث على مواصلة الحوار مع جميع أصحاب المصلحة، بمن فيهم النساء. كما أشجع العدالة الانتقالية والمساءلة.

في كل من ليبيا وتونس، أعرب عن قلقي البالغ حيال التقارير التي تفيد بأن السلطات تنفّذ عمليات اعتقال جماعي وطرد جماعي للمهاجرين وطالبي اللجوء من جنوب الصحراء. وحتى 31 آب/ أغسطس، أفادت التقارير بأن ما لا يقل عن 28 مهاجرًا لقوا حتفهم بسبب الحر والعطش في المناطق الصحراوية على الحدود بين ليبيا وتونس، بعد أن تركت السلطات التونسية نحو 2,000 مهاجر وطالب لجوء في تلك المنطقة، بمن فيهم نساء وأطفال، من دون إمكانية الحصول على الغذاء والماء والمأوى، أو مع إمكانية وصول محدودة. وفي تونس، لا يزال العديد من المهاجرين معرضين لخطر الطرد والترحيل. وعلى مدى الأشهر الخمسة الماضية، قامت الأجهزة الأمنية في كل من غرب ليبيا وشرقها باعتقالات جماعية للمهاجرين واللاجئين، تلتها عمليات طرد وترحيل. أحثّ على تطبيق المبادئ التوجيهية الخاصة بحقوق الإنسان، التي تعود بالفائدة على كلّ من بلدان المنشأ والعبور والمقصد.

في لبنان، وبعد مرور ثلاث سنوات على انفجار مرفأ بيروت، الذي أسفر عن مقتل أكثر من 200 شخص وإصابة أكثر من 7,000 آخرين، بما في ذلك أكثر من 1,000 طفل، لم تجرِ أي مساءلة عن الجريمة. لا بل على عكس ذلك، أثيرت مخاوف عديدة منها التدخل في التحقيق، في سياق أزمة اقتصادية واجتماعية حادة وضعف في الحوكمة. وبالتالي، قد يكون الوقت قد حان لدرس إمكانية إنشاء بعثة دولية لتقصي الحقائق تنظر في انتهاكات حقوق الإنسان المتصلة بهذه المأساة.

في الكاميرون، أدت ست سنوات من تفشي الأزمة في المنطقة الشمالية الغربية والمنطقة الجنوبية الغربية إلى مقتل الآلاف من الأشخاص، وتشريد ما يقدر بنحو 725,000 شخص آخرين، وترك ما لا يقل عن 1,7 مليون في حاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية. أمّا أثر الأزمة على حقوق الإنسان والتنمية ففظيع ومروّع. أقرّ بالخطوات التي اتخذتها السلطات نحو عقد حوار وطني موسّع، بما في ذلك إجراء مشاورة وطنية بشأن إنهاء خطاب الكراهية، وإنشاء جهة توفيق عامة مستقلة في المنطقة الشمالية الغربية والمنطقة الجنوبية الغربية، وإنشاء اللجنة الوطنية لتعزيز ثنائية اللغة والتعددية الثقافية. ويجب اتّخاذ المزيد من مثل هذه التدابير في هذا الصدد لتمكين جميع الكاميرونيين من رفع أصواتهم والمشاركة بشكل هادف في السياسة، لا سيما في المجتمعات التي تشعر بعدم احترام حقوقها الثقافية.

وفي بيرو، أعرب عن قلقي البالغ حيال فتح تحقيق برلماني بجميع أعضاء المجلس الوطني للعدالة، وهو مؤسسة مستقلة مكلفة بتعيين القضاة والمدعين العامين. فقد يؤثر التحقيق في استقلال القضاء وفصل السلطات. ومنذ كانون الثاني/ يناير، وثقت مفوضيتنا 13 مشروع قانون وخمسة اتهامات دستورية وجهها الكونغرس وأثارت مخاوف بشأن التدخل في الهيئات الدستورية المستقلة، لا سيما المجلس الوطني للانتخابات والمجلس الوطني للعدالة. أدعو الكونغرس إلى الالتزام بمبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن استقلال القضاء وإلى احترام التوازن بين سلطات الدولة.

سيّدي الرئيس،

لقد قطعنا أكثر من نصف المدّة المخصصة لتحقيق خطّة عام 2030، التي أمست على وشك التحوّل إلى نصب مأساوي يشهد على فشل جيلنا في محو الفقر المدقع وإعمال حقوق الإنسان.

وفي مؤتمر القمة المعني بأهداف التنمية المستدامة المنعقد الأسبوع المقبل، وفي مؤتمر الأطراف 28 بشأن تغير المناخ، وفي القمة من أجل المستقبل، يتعين على الدول أن تتجه بخطوات حاسمة وحازمة نحو إحداث تغيير جوهري.

وفيما نقترب من الحدث الرفيع المستوى المُنَظَّم ضمن إطار مبادرة حقوق الإنسان 75 في كانون الأول/ديسمبر، أحث جميع الدول الأعضاء على التعهد بالتزامات حقيقية من خلال الالتزام بتعهدات تحويلية.

يحدّد إعلان الحق في التنمية حقوق الدول وواجباتها في صياغة سياسات إنمائية وما يتصل بها من سياسات خاصة برفاه الجميع. وإعمال هذا الحق أساسي، وقد قُدمت مسودّة العهد الدولي الخاص بالحق في التنمية إلى المجلس في سياق هذه الدورة بالذات من أجل اتخاذ المزيد من الإجراءات في هذا الصدد.

وفي الختام، اسمحوا لي أن أشدد من جديد على أن قضية حقوق الإنسان بجميع جوانبها قادرة على توحيدنا، في وقت نحتاج فيه بشكل عاجل إلى أن نجتمع معًا ونتعاون من أجل التصدي للتحديات الوجودية التي تواجه البشرية. وفي الواقع، يقتصر الأمر في نهاية المطاف على بناء الثقة واستعادة الأمل، بما في ذلك من خلال عمل هذا المجلس. فكلّ واحد منّا بحاجة إلى أداء دوره بفعالية.

شكرًا سيدي الرئيس.

انتهى

العودة