Skip to main content
x

إحاطة شفهية بآخر المستجدّات في مجال حقوق الإنسان وأنشطة مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان

العودة

13 حزيران/يونيو 2022

مفوضية الأمم المتّحدة السامية ميشيل باشيليت تطلع شفهيًا مجلس حقوق الإنسان خلال دورته الـ50 على آخر المستجدات

مفوضية الأمم المتّحدة السامية تطلع شفهيًا مجلس حقوق الإنسان خلال دورته الـ50 على آخر المستجدات في مجال حقوق الإنسان

سيّدي الرئيس،
أصحاب السعادة،
أيّها الزملاء والأصدقاء الأعزّاء،

يشرّفني أن أتوجّه إليكم اليوم، في أوقات لا تزال محفوفة بتحديات تعيق تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها.

فمنذ أن اجتمعنا آخر مرة، استمرت الحرب في أوكرانيا في تدمير حياة الكثيرين، وفي التسبب في الخراب والدمار. ومما لا شكّ فيه أنّ الفظائع التي يتعرض لها السكان المدنيون ستترك بصمات لن تمحى، بما في ذلك على الأجيال المقبلة.

كما أنّ تداعياتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية تطال جميع أنحاء المنطقة والعالم، ولا يبدو أنّ نهاية هذه المأساة قريبة.

العالم اليوم على شفير اندلاع أزمة غذاء وأزمة وقود وأزمة مالية، تهدّد بإغراق الملايين من الأشخاص في انعدام الأمن الغذائي والفقر. ويعيش اليوم 1.2 مليار شخص في بلدان معرضة بشدة لخطر هذه الأزمات الثلاث وأبعادها.

ويقدر برنامج الغذاء العالمي أن عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد سيرتفع من 276 مليون في أوائل العام 2022 إلى 323 مليونًا مع نهاية العام نفسه.

ووفقًا لمجموعة الأمم المتحدة المعنية بالأزمات والاستجابات العالمية، فإن ارتفاع أسعار الغذاء والمحروقات، في موازاة تفاقم التضخم، والقيود المفروضة على الصادرات، وتشديد الشروط المالية سيحمل آثارًا وخيمة، لا سيما على الفئات الأكثر ضعفًا.

كما تتفاقم أوجه عدم المساواة بين البلدان وداخلها بشكل كبير، ما يهدد التعافي من كوفيد-19، ويقوض التقدم المحرَز في تنفيذ أهداف التنمية المستدامة ويبطئ العمل المناخي.

وفي مواجهة هذه التحديات المتعددة والمتداخلة والتوترات العالمية المتصاعدة، لا يتساءل العديد من الأشخاص الذين التقيت بهم عن مستقبلهم فحسب، بل عن مستقبل مجتمعاتهم وعالمنا ككلّ.

أتفهّم مخاوفهم تمامًا وأشاركهم إياها.

فمن المغري أن نعود إلى حالة الطوارئ وأن نركّز على إخماد الحرائق الأولى ما إن نرصدها.

ومن الضروري بالطبع أن نعتمد إجراءات صارمة وفورية من أجل معالجة أسوأ آثار الأزمات والحد من المعاناة البشرية.

ولكنّ ذلك غير كافٍ على الأطلاق.

بل نحن بحاجة إلى الاستثمار في معالجة الظروف التي تثير هذه الأزمات.

وأنا أحثنا جمعنا، في هذه اللحظة بالذات التي تشهد تهديدات خطيرة ومترسّخة، على متابعة المسار الذي التزمنا به في أعقاب جائحة كوفيد-19.

لقد اجتمعنا في منتديات متعددة الأطراف، وانخرطنا في مناقشات رفيعة المستوى واجتماعات للمانحين وتحدثنا عن حلول عالمية وعن ترسيخ الناس في صميم جهودنا. لقد ألزمنا أنفسنا بالاستفادة من الدروس التي استخلصناها من الجائحة وإعادة البناء بشكل أفضل.

ووافق المجتمع الدولي، حرصًا منه على تجنب العواقب المدمرة للتقشف الذي أعقب الأزمة المالية في العام 2008، على تغيير المسار، وعلى التعاون على بناء مجتمعات تحويلية، واقتصادات أكثر اخضرارًا تكون أكثر قدرة على مواجهة الأزمات والصمود في وجهها.

نحن اليوم أمام ظروف تختبر التزامنا هذا. ولا بد لنا في أن ننجح في هذا الاختبار لا محالة.

ويجب أن تبقى خطة عام 2030 واتفاق باريس أساسًا لتحقيق طموحنا هذا.

في غضون السنوات الثماني المتبقية، علينا أن نتّخذ إجراءات جريئة وعاجلة لإحداث التغيير التحويلي المطلوب وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

وكان هذا الاعتراف مصدر إلهام للخطة المشتركة والنداء إلى العمل من أجل حقوق الإنسان، حيث دعا الأمين العام إلى مزيد من التعددية الشبكية والشاملة للجميع، مع تكاتف الجهات الفاعلة من أجل التصدّي للتحديات العالمية والمترابطة التي تواجه البشرية.

وبهذه الروح، وبالاعتماد على عمل مفوضيتنا، اسمحوا لي أن أسلط الضوء على أربعة مجالات للتدخل آمل أن تعطينا بعض التوجيه في مواجهة الأزمات الحالية.

أولًا، علينا أن نعالج عدم المساواة والتمييز.

نعيش في عالم تعمّه عدم مساواة صارخة، حيث قدّرت إحدى الدراسات أن التفاوتات العالمية هي كبيرة اليوم بقدر ما كانت عليه في أوائل القرن العشرين.

فالبنك الدولي قد توقع سقوط أكثر من 198 مليون شخص في براثن الفقر المدقع خلال العام 2022 بسبب كوفيد-19. كما أنّ أسعار المواد الغذائية العالمية وحدها ستؤدي إلى ارتفاع قدره 65 مليون شخص إضافي إلى هذا المجموع.

وفي حين عانى الناس من جميع فئات الدخل من خسائر أثناء الجائحة، فإن أفقر 20 في المائة عانوا أكبر انخفاض في دخلهم. وأفقر 40 في المائة لم يبدأوا بعد في تعويض الخسائر التي تكبّدوها على مستوى الدخل.

ومع استمرار تفاقم أزمة المناخ بالنسبة إلينا جميعنا، فإن أشد الناس فقرًا وضعفًا هم من يتحمل أثقل أعبائها.

إنّ قدرة الناس على تحمل أزمة أخرى آخذة في التقلّص أكثر فأكثر.

لذا، يجب أن نلتزم التزامًا أكثر صرامة بمعالجة عدم المساواة والتمييز. وندرك اليوم أن المزيد من المساواة قد يشكّل محركًا أقوى من النمو للحد من الفقر المدقع، وهو من أهداف خطة عام 2030 الأساسية.

وتواصل مفوضيّتنا توسيع نطاق عملها بهدف معالجة عدم المساواة والتمييز، بما في ذلك من خلال المساهمة في الجهود المبذولة لتطوير مقاييس تتجاوز الناتج المحلي الإجمالي، وتغطي مجموعة من أوجه عدم المساواة، لقياس التقدم المحرَز. وفي عدد من البلدان في أوروبا والأميركيتين، قدمنا مبادئ توجيهية ونظّمنا حلقات تدريب بشأن مناهضة التمييز وحقوق الأقليات والشعوب الأصلية، استهدفت السلطات الوطنية وكيانات الأمم المتحدة.

كما دعمنا العديد من البلدان لتنفيذ اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، بما في ذلك جورجيا وملاوي وموزمبيق ومقدونيا الشمالية.

يعتمد التقدّم الحقيقي على إجراء التحقيقات والسعي إلى تحقيق العدالة لضحايا التمييز. لذا، قدمت المفوضية السامية لحقوق الإنسان المشورة التقنية من أجل تعزيز البروتوكولات الخاصة بالتحقيق في جرائم قتل النساء بدافع جنساني، في شيلي وهندوراس على سبيل المثال لا الحصر.

كما ساهمت مفوضيتنا في تطوير التوجيه التشغيلي على مستوى منظومة الأمم المتحدة ككل من أجل شمل الجميع من دون أيّ استثناء في العمل على المستوى القطري.

في غينيا بيساو، دعمنا بالتعاون مع فريق الأمم المتحدة القطري والحكومة، المشاورات على النطاق القطري، التي شملت الفئات الأكثر حرمانًا، لضمان اتباع نهج قائم على حقوق الإنسان، في أول استعراض وطني طوعي شهدته البلاد. كما دعمت مفوضيتنا حكومة صربيا في تعميم التعهد بشمل الجميع من دون أي استثناء في سياسة الحكومة وصنع القانون. ويبقى وضع خطة عمل للاستراتيجية الوطنية من أجل مناهضة التمييز وقفًا على هذه الجهود.

ما يقودني إلى مسألة البيانات المصنفة. لا يمكننا أن نصلح ما لا يمكننا لمسه. ولا تزال البيانات المصنفة، الضرورية لمكافحة عدم المساواة، خاصة في السياق الحالي، غير متوفرة إلى حد كبير، لا سيما في ما يتعلق بأشكال التمييز المتعددة والمتقاطعة.

هناك حاجة ملحة لتعزيز القدرات الإحصائية في مختلف البلدان، بما في ذلك من خلال زيادة الدعم الدولي. ومن أجل تحقيق هذه الغاية، أطلقت مفوضيتنا، بالاشتراك مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، مشروعًا مشتركًا لتعزيز قدرات فرق الأمم المتحدة القطرية والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان في مجال أهداف التنمية المستدامة والوقاية، بما في ذلك المؤشرات والبيانات المصنفة بشأن الفئات المهمشة والضعيفة.

ثانيًا، يجب أن تدمج الميزانيات الوطنية حقوق الإنسان.

ففي حال دمجت الميزانيات الوطنية التزامات الدول في مجال حقوق الإنسان وتم تصميمها وتنفيذها من خلال نهج قائم على حقوق الإنسان، تولّد دفعًا قويًا لإحراز تقدم نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وفي حال خُصِّصَت الموارد الكافية لتغطية المستويات الأساسية الدنيا أقلّه للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، نستطيع أن نحقق نتائج إنمائية أفضل.

وتؤدي زيادة الإنفاق الوطني على القطاعات الاجتماعية، مع التركيز على إمكانية الوصول والقدرة على تحمل التكاليف وجودة الخدمات وعدم التمييز، لا سيما في السياق الحالي، إلى تعزيز قدرة البلدان على تحمل الأزمات.

وفي هذا الصدد، تساند مفوضيتنا البلدان على تحليل ميزانياتها وتعبئة مواردها وتوسيع الحيز المالي من منظور حقوق الإنسان.

فعلى سبيل المثال، من خلال بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى الصومال، ساهمنا في تقييم امتثال خطة التحويلات النقدية الحكومية في سياق الحماية الاجتماعية، لحقوق الإنسان. وبالاعتماد على توصيات الاستعراض الدوري الشامل والمشاورات الشاملة، قُدمت مقترحات بشأن تعبئة الموارد المحلية ومن خلال تخفيف عبء الديون، بهدف شمل الجميع من دون أيّ استثناء.

سيّدي رئيس المجلس،

لقد سلّطت جائحة كوفيد-19 الضوء جهارًا على قوة الحماية الاجتماعية في تحقيق الاستقرار.

واعتمدت الدول وموّلت تدابير مبتكرة في ظلّ تفشي الجائحة، فوسّعت نطاق التغطية كي تشمل العمال غير الرسميين والمهاجرين غير الموثّقين وفئات سكانية معرّضة للخطر أكثر من غيرها، فيما دمج البعض الآخر عناصر متكاملة مراعية للمنظور الجنساني، والبعض الآخر اعتمد قدرًا أكبر من مزايا الحماية الاجتماعية، وسن قوانين لدعم الموظفين والعاملين لحسابهم الخاص.

وقد ساهمت هذه التدابير في التخفيف من آثار الجائحة الاجتماعية والاقتصادية.

ومع ذلك، لا يزال أكثر من 4 مليارات شخص، أي أكثر من نصف سكان العالم، لا يحصلون على أي حماية اجتماعية اليوم. وأشارت مجموعة الأمم المتّحدة المعنية بالأزمات والاستجابات العالمية إلى أن البلدان النامية تخسر سنويًا 1.2 تريليون دولار لسد الثغرات على مستوى الحماية الاجتماعية. وحذّرت المجموعة من أن الناس سيضطرون إلى اتخاذ خيارات تؤثّر بشدّة على الصحة والتعليم وسبل العيش، ما لم يتم توسيع أنظمة الحماية الاجتماعية بشكل مناسب.

يؤتي الاستثمار في أنظمة الحماية الاجتماعية بثماره على المدى القصير، من خلال التخفيف من حدة الأزمة، وعلى المدى الطويل أيضًا، من خلال رعاية التنمية البشرية والإنتاجية الاقتصادية، وتعزيز المؤسسات القادرة على المواجهة والصمود.

وقد قدّمت مفوضيّتنا كلّ دعم ممكن إلى الدول في جهودها المبذولة في هذا الصدد.

في تيمور-ليشتي، نستكشف بالتعاون مع الحكومة ومنظمة العمل الدولية، الاستراتيجيات الممكنة لتوسيع تغطية الحماية الاجتماعية كي تشمل العاملات غير الرسميات اللواتي يتأثرن بشكل غير متناسب بالفقر.

كما شاركت مفوضيّتنا مع الجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي في إعداد قانونها النموذجي بشأن إدارة المالية العامة. وقدمنا أيضًا مبادئ توجيهية بشأن الاستثمار في القطاع الاجتماعي القائم على حقوق الإنسان، وتوصيات بشأن خيارات تعبئة الموارد المحلية، بما في ذلك الضرائب التصاعدية. ونأمل أن يكون هذا القانون بمثابة معيار للبرلمانات الوطنية من أجل تعزيز إطارها القانوني المحلي الخاص بإدارة المالية العامة.

تتمتع البلدان بقدرات مختلفة على الاستثمار في الحماية الاجتماعية. لذا، من الضروري للغاية، اليوم أكثر من أي وقت مضى، أن نعتمد أنظمة حماية اجتماعية عالمية وشاملة ومستدامة على النحو الذي تدعو إليه حقوق الإنسان وتوصية منظمة العمل الدولية رقم 202.

لا يمكننا أن نحرز أي تقدم حقيقي إلا إذا انطلق العمل بالمبادرات الجريئة المقترحة على غرار الصندوق العالمي للحماية الاجتماعية.

ثالثًا، من الضروري للغاية اليوم أن نعزز التعاون والتضامن الدوليين، بما في ذلك من أجل تخفيف عبء الدين.

فمن دون زيادة الموارد المالية بشكل ملحوظ، لن نتمكن من تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

لقد اتسع نطاق النقص في التمويل المخصص لتحقيق أهداف التنمية المستدامة بأكثر من 70 في المائة، وبلغ مبلغًا سنويًا قدره 4.3 تريليون دولار.

ويتطلب هذا النقص من البلدان تعبئة الموارد العامة والخاصة على الصعيدين المحلي والدولي. ومع ذلك، فإن الديون المتصاعدة والتوقّعات غير المؤكدة للآفاق الاقتصادية، التي ستزداد تفاقمًا في السياق الحالي، تعيق تقدم العديد من البلدان النامية. وتشير التقديرات إلى أن هذه البلدان ستحتاج في العام 2022، إلى 311 مليار دولار لخدمة الدين الخارجي العام، بما يعادل 13.6 في المائة من الإيرادات الحكومية.

مما لا شكّ فيه أن تعزيز الأنظمة المالية قد يساهم في جمع موارد محلية إضافية في جميع البلدان.

ولكنّ توفير الدعم يبقى بالغ الأهمية بالنسبة إلى العديد من البلدان على مستويات مختلفة من التنمية.

وعلى هذه الخلفية، أحث البلدان على تذكّر التزامنا بالمضي قدمًا وإعادة البناء بشكل أفضل. هذا هو الوقت المناسب لمضاعفة الجهود نحو هدف 0,7 في المائة من الناتج القومي الإجمالي للمساعدة الإنمائية الرسمية، مسلحين بحقيقة أنّ الإنفاق الاجتماعي اليوم يحقق نتائج مجتمعية أفضل في الغدّ.

وتكمن وراء هذه المخاوف المالية أزمة ديون تلوح في الأفق، كما حذر الأمين العام.

لذا، من الضروري للغاية اتخاذ الجميع إجراءات مبكرة ومنسقة، لا سيما المؤسسات المالية الدولية، وكذلك الدائنين من القطاعين العام والخاص.

كما يجب تمويل آليات التمويل الدولية لدعم الاستجابات المالية الوطنية القوية وتشغيلها بالكامل بهدف تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

نحتاج أيضًا إلى تحسين تنظيم الجهات الفاعلة في القطاع الخاص مثل وكالات التصنيف. وقد تكون مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان بمثابة دليل متين لتحسين مواءمة الاستثمار الخاص مع أهداف حقوق الإنسان والتنمية.

وأخيرًا، من أجل التحول نحو نظام لمعالج الدين تكون حلوله منسقة وشاملة ومستدامة، نحتاج إلى إصلاح الهيكل المالي الدولي.

ويبقى دور المؤسسات المالية الدولية حاسمًا في دعم البلدان المدينة. ويوفر القانون الدولي لحقوق الإنسان إطارًا لهذا الدعم، بما في ذلك كيفية التخفيف من التراجع في إعمال الحقوق. وهذا ينطوي على ضمان ألا تؤدي التدابير المعتمدة إلى نتائج تمييزية، لا سيما بالنسبة إلى الأشخاص الأكثر تهميشًا.

وأخيرًا وليس آخرًا، الحيّز المدني.أود أن أختم كلمتي بما أعتبر أنه العنصر الأكثر أهمية، والأكثر قيمة، لبناء القدرة على المواجهة والصمود في أوقات الأزمات.

تدعو أوقاتنا هذه إلى قدر أكبر من الشفافية، لا قدر أقل منها، وإلى حيّز أوسع لانخراط المجتمع المدني ومشاركته، في حال كنّا جديين بشأن التزاماتنا ببناء مجتمعات تحويلية وأكثر اخضرارًا. فالحيّز المدني النابض بالحياة يشكّل وسيلة حاسمة لبناء مجتمع مستقر وآمن. إلاّ أنّنا نواصل توثيق الاعتداءات على المدافعين والصحفيين، في العالم الواقعي والافتراضي، في جميع أنحاء العالم.

ولا يمكننا فصل التقدم المحرز في مجال الأهداف الاقتصادية، على غرار الحد من الفقر، عن حقوق المستفيدين منه المستهدفين، بما في ذلك حق هؤلاء الأشخاص في الاصغاء إليهم.

أدرك تمامًا، لا بل لمستُ لمس اليد أن الحياة الكريمة تعني توفير الحق في العمل والسكن والغذاء والمياه والصرف الصحي.

واختبرتُ أيضًا بشكل مباشر، أنه لا يمكن حماية هذه الحقوق والوفاء بها إلا إذا تمتّع الناس بمساحة للتعبير عن آرائهم والمطالبة بالتغيير الذي يرغبون فيه.

تشكّل هذه الحقوق مجتمعةً شريان حياة المجتمع العادل والمسالم الذي ينبض بالحياة.

وفي مقابل ذلك، لا ينتهك اعتقال المتظاهرين السلميين، وإغلاق وسائل الإعلام المستقلة، واحتجاز المحامين الحقوق فحسب، بل يقضي أيضًا على أسس ازدهارنا وأمننا.

هذه الدروس واضحة ولا سيّما في أقوى دول العالم، إن في الغرب أم في الشرق. فعندما نتبنى قوانين تميّز على أساس الدين، ونتخذ طريقًا مختصرًا عبر تنميط الجماعات، ونمنح ترخيصًا واسع النطاق لإنفاذ القانون بدون إشراف مستقل كافٍ، لا نلحق الضرر بمصداقيتنا فحسب، بل باستقرارنا أيضًا. فالإرهاب آفة توحدنا جميعنا في الرعب والالتزام بمكافحته. ولكن لا يمكن أن ننجح في مكافحة الإرهاب إلا إذا ارتقينا تمامًا بالقيم التي ندافع عنها.

إنني فخور بقيادة جهود الأمم المتحدة، ضمن إطار نداء الأمين العام إلى العمل، بهدف جعل مشاركة المجتمع المدني أكثر شمولًا وأمانًا. فقد قادت مفوضيّتنا الجهود الرامية إلى إعداد المذكرة التوجيهية لمنظومة الأمم المتحدة بشأن الحيز المدني، ودعَمَت شبكات المدافعين عن حقوق الإنسان في المحيط الهادئ والأميركتين وكذلك شبكات المدافعات عن حقوق الإنسان في إثيوبيا وتنزانيا وأماكن أخرى في شرق أفريقيا.

سيّدي رئيس المجلس،

أصحاب السعادة،

بإمكان استجابات الدول لتحدياتنا المتزايدة أن تحسّن واقعنا المعاش أو أن تؤدّي إلى تدهوره في كل مكان. وتُعتَبَر الانتخابات الحرة والنزيهة بالغة الأهمية، لكن الناس يقيسون نجاح الديمقراطية من خلال مدى شعورهم بالاختلافات الملموسة في حياتهم.

وتؤكد حقوق الإنسان ما يقوله لنا خبراء الاقتصاد، وهو أن التقدم في مجال حقوق الإنسان والتنمية منطقي على الصعيد الاقتصادي ويحقق نتائج أفضل على المديين المتوسط والبعيد.

وحقوق الإنسان هي الأداة المناسبة للرد على الضغوط السياسية المطالبة باعتماد الحلّ الأسرع.

كما هي الأدوات التي تجمع الناس معًا.

وهي ليست بسبيل يسير، فالمجتمعات المفتوحة قد تكون فوضوية، وعيوبها بارزة أمام أعين الجميع، ونتائجها غير فورية.

لكنها ثابتة. وآمل أن نتحدَّ ونتعاون في سلوك هذا الطريق.

سيّدي رئيس المجلس،

أصحاب السعادة،

منذ أن أطلعتكم على المستجدات في المرة الأخيرة، قمت بزيارتين قطريتين، الأولى إلى أفغانستان والثانية إلى الصين. وسأطلعكم على آخر المستجدّات بشأن أفغانستان نهار الأربعاء.

وخلال زيارتي إلى الصين، انخرطت في حوار مع كبار القادة والمسؤولين على المستوى الوطني، والتقيت بممثلين أساسيين على المستوى الإقليمي في غوانغدونغ وشينجيانغ.

كما عقدنا مناقشات حول مخاوف محددة تتعلق بحقوق الإنسان، بما في ذلك انتهاكات حقوق الإنسان في سياق سياسات الصين بشأن مكافحة الإرهاب وحماية الأمن القومي، وحماية حقوق الأقليات العرقية والدينية، والحماية القضائية والقانونية بما في ذلك للنساء، وحقوق الإنسان في الفضاء الرقمي، والأعمال التجارية وحقوق الإنسان. وأثرت أيضًا مخاوف بشأن حالة حقوق الإنسان للأيغور والأقليات الأخرى ذات الغالبية المسلمة في شينجيانغ، بما في ذلك الاعتقال التعسفي الواسع النطاق وأنماط الانتهاكات، في كل من نظام التعليم والتدريب المهني والتقني وفي مرافق الاحتجاز الأخرى. وتُحَدِّث مفوضيّتنا حاليًا تقييمها لحالة حقوق الإنسان في شينجيانغ. وسيتم إطلاع الحكومة عليه كي تعلّق عليه قبل نشره.

بالإضافة إلى ذلك، أثَرْتُ مخاوف بشأن حقوق الإنسان في منطقتَي التبت وهونغ كونغ وناقشت إجراءات المتابعة المحتملة مع مفوضيّتنا.

كما أنني ممتنة للتبادلات المفيدة والصريحة التي أجريتها وفريقي مع الناجين وأفراد أسرهم وممثلي المجتمع المدني، بما في ذلك خارج البلاد، الذين تعتبر معلوماتهم ووجهات نظرهم حيوية.

لطالما شددتُ على أهمية الحوار في انخراطي مع جميع الدول الأعضاء، حتى بشأن أكثر القضايا صعوبة. ومن أجل المضي قدمًا، اتفقنا مع حكومة الصين على عقد اجتماع سنوي رفيع المستوى حول حقوق الإنسان ومواصلة التبادلات حول المواضيع المذكورة أعلاه وقضايا حقوق الإنسان المحددة المثيرة للقلق. ونحن اليوم بصدد اعتماد الخطوات العملية المطلوبة لتنفيذ الاتفاقات.

أود الآن أن أطلعكم على بعض الأوضاع الحرجة التي تتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة. لن أتطرق خلال هذه الجلسة إلى الأوضاع التي تشكّل موضوع مناقشات منفصلة، وهي حالة أفغانستان وإيران وميانمار ونيكاراغوا والسودان وسوريا وأوكرانيا وفنزويلا.

ما زلت أشعر بالقلق حيال استمرار الإفلات من العقاب على انتهاكات حقوق الإنسان.

في هايتي، يُعد الإفلات من العقاب على الفساد وانتهاكات وتجاوزات حقوق الإنسان تحديًا هيكليًا طويل الأمد وأحد الأسباب الجذرية للعنف. إن التدهور السريع في حالة حقوق الإنسان، ولا سيما في العاصمة بورت أو برنس، ناتج عن الاشتباكات العنيفة بين العصابات المسلحة بأسلحة ثقيلة، التي بسطت سيطرتها بسرعة على العاصمة. وهي تستخدم القتل والاختطاف والعنف الجنسي، بما في ذلك ضد الأطفال، بهدف بث الخوف في نفوس السكان المحليين وتشريدهم. ومن الضروري للغاية أن يتّخذ المجتمع الدولي إجراءات عاجلة وشاملة من أجل التصدي للعنف الجنسي وتعزيز آليات المساءلة.

دعت الأمينة العامة المساعدة لحقوق الإنسان، في رحلتها الأخيرة إلى جنوب السودان، السلطات إلى مكافحة الإفلات من العقاب ومحاسبة مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان، وشجعتها على التعويض على الضحايا، كما أقرت في مقابل ذلك بالتقدم المُحرَز في مجال العدالة الانتقالية. ولا يزال الفراغ المؤسسي في أبيي، الذي يعيق العدالة والمساءلة عن الانتهاكات، بما في ذلك تلك المرتبطة بقتل المدنيين في سياق العنف القبلي، مدعاة للقلق.

في كازاخستان، أرحب بالتحقيقات المتعلقة بالأحداث التي وقعت في وقت سابق من هذا العام، وأدعو إلى ضمان إجرائها بشكل شامل ومستقل وإلى توفير المساءلة.

وأدعو السلطات الإسرائيلية إلى فتح تحقيق جنائي في مقتل الصحفية شيرين أبو عاقلة، والإسراع في إعلان الخلاصات والنتائج ومحاسبة الجناة. فبموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، على إسرائيل التحقيق وضمان المساءلة المناسبة عن كل حالة وفاة وإصابة خطيرة تسببت فيها القوات الإسرائيلية.كما أنّ مناخ الإفلات من العقاب السائد يغذّي المزيد من الانتهاكات وأعمال العنف، التي استمرت بمستويات مرتفعة وبشكل مزمن واستهدفت الفلسطينيين وقتلتهم وأصابتهم بجروح، بمن فيهم الأطفال، ونفّذتها القوات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة في الأشهر الستة الأولى من العام 2022.

وما زلت أشعر بالقلق حيال المخاطر التي تهدّد سيادة القانون في العديد من البلدان.

ففي تركيا، تثير محاكمة الناشطين والمعارضين السياسيين، والأحكام بالسجن الصادرة بحقهم، على غرار عثمان كافالا والمتهمين السبعة الآخرين وكانان كفتانجي أوغلو القلق البالغ، حيث يبدو أنهم مستهدفون بسبب آرائهم المعارضة. وفي الفترة التي تسبق الانتخابات، أحثّ الجميع على إيلاء اهتمام خاص للحريات الأساسية والمشاركة السياسية والإجراءات القانونية الواجبة والمساواة بين الجنسين والتصدي لتصاعد العنف والمشاعر المعادية للاجئين.

وأشعر بقلق بالغ بالغ حيال الخطط في المملكة المتحدة لاستبدال أحد أهم التشريعات في مجال حقوق الإنسان، وهو قانون حقوق الإنسان، بتشريعات أخرى محدودة النطاق. ولدي مخاوف أيضًا من أن يؤدي إلغاء العناصر الأساسية لقانون حقوق الإنسان إلى تقويض الوصول إلى العدالة والحق في سبل الانتصاف الفعال، وإحداث حالة من عدم اليقين القانوني، وزيادة التكاليف.

وفي غواتيمالا، نلحظ منذ فترة طويلة، نمطًا من الاعتداءات على موظّفي قطاع العدالة لعملهم على قضايا بارزة تنطوي على انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وعلى فساد وإفلات من العقاب. فعلى الدولة ضمان استقلال المؤسسات القضائية وحماية المسؤولين القضائيين.

وفي المكسيك، أشجع على تعزيز المؤسسات المدنية من أجل وضع خطة منظمة وسحب الجيش من مهام الأمن العام.

وفي سنغافورة، يساورني القلق أيضًا حيال عمليات الإعدام الأخيرة التي نُفِّذَت بحقّ شخصين على خلفية ارتكابهما جرائم تتعلق بالمخدرات. ويقدر أن أكثر من 60 متهمًا ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام فيهم. ومع مواجهة أكثر من 50 شخصًا هذه العقوبة التي لا عودة عنها على جرائم تتعلّق بالمخدرات، وبعد أن استنفدت الغالبية العظمى منهم سبل الاستئناف كافة، أحثّ الحكومة على فرض وقف العمل بعقوبة الإعدام، لا سيما بالنسبة إلى الجرائم غير العنيفة والمتعلقة بالمخدرات.

وأثني على الإعلان عن الخطوات المتخذة بهدف إلغاء عقوبة الإعدام من أساسها في جمهورية أفريقيا الوسطى وإلغاء عقوبة الإعدام الإلزامية في ماليزيا، وكذلك التعهد الذي قطعه رئيس زامبيا بإلغاء عقوبة الإعدام. وأحث جميع الدول التي لم تلغها بعد على الانضمام إلى الاتجاه العالمي نحو الإلغاء الشامل، والاحترام الكامل للحق في الحياة.

ومع الاعتراف بواجب الدولة بمعالجة الإجرام المتزايد وضمان الأمن، أحث السلطات على تنفيذ التدابير بما يتماشى مع القانون الدولي لحقوق الإنسان.

ففي السلفادور مثلاً، تؤدّي التدابير المعتمدة في ظل حالة الطوارئ لمكافحة عنف العصابات إلى جانب التعديلات اللاحقة على القانون الجنائي، إلى تفاقم خطر الاعتقال التعسفي وتعذيب المحتجزين. فقد تم القبض على أكثر من 38,000 شخص في سياق حالة الطوارئ، ما أثار مخاوف بشأن احترام ضمانات الإجراءات القانونية الواجبة. كما تثير حالات الوفاة في الاحتجاز الـ21 على الأقل بحسب ما ذكرته مصادر رسمية، القلق البالغ.

وفي كولومبيا، أرحب بالطابع السلمي والديمقراطي للجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، وكلّي ثقة في أنّ روحًا مماثلة ستسيطر على الجولة الثانية، وتضمن الحقوق السياسية. وأحثّ على التنفيذ الفعال لاتفاق السلام، لا سيما تفكيك الجماعات المسؤولة عن تصاعد العنف. وأرحب بالتطورات المهمة في العدالة الانتقالية، بما في ذلك اعتراف المسؤولين العسكريين بمسؤوليتهم عن قتل المدنيين الذين تم تصويرهم زورًا على أنهم قُتِلوا في سياق الأعمال القتالية. وأدعو الدولة إلى ضمان وجود آليات عدالة انتقالية مستقلة وضمان حماية الشهود والضحايا.

منذ التغييرات غير الدستورية الأخيرة للسلطة في بوركينا فاسو وتشاد وغينيا ومالي، ننتظر خرائط الطريق الانتقالية المعقولة، والبرامج الزمنية للانتخابات من أجل منح السلطة إلى الحكومات التي يقودها مدنيون بشرعية ديمقراطية. وأحثّ على التحولات الشاملة التي تعالج المظالم الأوسع نطاقًا للسكان وتبني مجتمعات ديمقراطية ترتكز على المساءلة وسيادة القانون.

في جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي، سجلت مكاتبنا الميدانية تدهورًا في حالة حقوق الإنسان في ظلّ تصاعد العمليات العسكرية التي تنفّذها الدولة، بما في ذلك ما ورد في تقارير أفادت بنشر جهات عسكرية خاصة. وفي بوركينا فاسو، يقع المدنيون ضحية الاعتداءات والتهديدات التي تمارسها الجماعات المسلحة المتطرفة، وضحية العمليات العسكرية والأمنية الوطنية التي تدعمها الميليشيا الموالية للحكومة المعروفة باسم متطوّعون لحماية الأمّة.

إن الشراكات الإقليمية والاستجابات الجماعية للتحديات الأمنية والتهديدات المتعلقة بالإرهاب في منطقة الساحل أمر بالغ الأهمية. ويؤسفني الشلل الذي أصاب القوّة المشتركة للمجموعة الخماسية لمنطقة الساحل الناجم عن قرار مالي بالانسحاب من جميع هيئات المجموعة الخماسية لمنطقة الساحل. ولا تزال مفوضيّتنا ملتزمة بدعم الجهات الفاعلة الوطنية والإقليمية لحماية المدنيين في منطقة الساحل وضمان المساءلة.

بالإضافة إلى التصعيد المتجدد في انتهاكات وتجاوزات حقوق الإنسان في سياق النزاع الدائر شمال إثيوبيا، أشعر بالقلق حيال التقارير المتعلقة بانتهاكات وتجاوزات حقوق الإنسان في منطقتَي بني شنقول-غوموز وأوروميا، بما في ذلك الاعتداءات على المدنيين والاحتجاز التعسفي وتدمير الممتلكات. وتشير التوترات الدينية المتزايدة في مختلف المدن إلى ضرورة معالجة القضايا المبطّنة.

وفي اليمن، وفي سياق انعدام الأمن الغذائي الخطير، لا تزال الهدنة الهشة التي بدأت في 2 نيسان/ أبريل 2022 مستمرّة، وأدعو جميع الأطراف إلى الموافقة على تمديدها والعمل مع المبعوث الخاص للأمم المتحدة على تنفيذ جميع أحكامها. وقد تلا الهدنة نقل السلطة التنفيذية إلى مجلس القيادة الرئاسي الذي لا يضم ولا أي امرأة. وأحثّ هذا المجلس على منح الأولوية لإنهاء إضراب السلطة القضائية سلميًا، بعدما أنّ أثر سلبًا على ضمانات الإجراءات القانونية الواجبة.

وأود أيضًا أن ألفت الانتباه إلى أثر الحرب في أوكرانيا على أولئك الذين علقوا في نزاعات طويلة الأمد في المنطقة، بما في ذلك مناطق جنوب القوقاز وغرب البلقان وكذلك منطقة ترانسنيستريا في مولدوفا. وأشجع على تعزيز المشاركة من خلال المفاوضات الحالية بهدف المساهمة في الوقاية وبناء الثقة والحماية في المنطقة.

كنا نلحظ عواقب مقلقة على حقوق الإنسان نتيجة الأزمات الاقتصادية وغيرها من الأزمات الأخرى في بعض البلدان.

ففي سريلانكا مثلاً، أحثّ الحكومة على ضمان الإغاثة الفورية للفئات الأكثر تهميشًا وضعفًا ومنح الأولوية إلى الحماية الاجتماعية أثناء مفاوضاتها بشأن خطة التعافي.وآمل أن تركز الجهود على إصلاحات مؤسسية جذرية من أجل ضمان قدر أكبر من الشفافية والمساءلة في الحكم، والحد من عدم المساواة وتعزيز المصالحة والعدالة لجميع المجتمعات المحلية.

إن تزايد الفقر وعدم المساواة وانعدام الأمن الغذائي وقلة فرص الحصول على الرعاية الصحية وغيرها من الخدمات الأساسية الأخرى في لبنان أمر مثير للقلق. وفي أعقاب الانتخابات الأخيرة، أدعو إلى تشكيل حكومة جديدة بشكل عاجل، يكون بإمكانها سن إصلاحات قائمة على حقوق الإنسان. كما أدعو السلطات إلى استئناف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت بشكل طارئ، الذي وقع منذ قرابة العامين، بهدف ضمان المساءلة.

وأشعر بقلق بالغ حيال الآثار المحتملة على حقوق الإنسان لأول موجة كوفيد-19 تمّ الإبلاغ عنها رسميًا في جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية، وحيال تدابير الحجر والإقفال اللاحقة التي فرضتها السلطات. ففي غياب التلقيح، ومحدودية البنية التحتية للرعاية الصحية والوضع الغذائي غير المستقر، من المرجح أن يكون أثر الجائحة كبيرًا، لا سيما على الفئات الضعيفة من السكان. ومن جديد، أحثّ المجتمع الدولي على تخفيف العقوبات من أجل تمكين المساعدة الإنسانية العاجلة والمتعلقة بكوفيد-19 وتشجيع جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية على فتح القنوات اللازمة لتوفير الدعم الإنساني، بما في ذلك وجود موظفي الأمم المتحدة.

بالنسبة إلى أنغولا وكينيا، أضم صوتي إلى منظومة الأمم المتحدة في التعبير عن الأمل في إجراء انتخابات سلمية وشاملة، تسمح للأنغوليين والكينيين بممارسة حقوقهم وحرياتهم الأساسية بحرية وأمان ومنأًى عن أيّ تمييز، على النحو الذي يضمنه الدستور.

أصحاب السعادة،

أشعر بقلق متزايد حيال الانتكاسات الكبيرة المتعلقة بحقوق المرأة، لا سيما في مجال الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية. فقوانين الإجهاض المقيدة والحواجز العملية من المخاطر التي تهدّد حقوق الإنسان، وتؤثّر بشكل غير متناسب على النساء ذوات الموارد المحدودة. ويشكّل الإجهاض غير المأمون السبب الأساسي لمرض الأمهات وارتفاع معدّلات وفياتهنّ، إلاّ أنه من الممكن الوقاية منه. وتعد الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية أمرًا بالغ الأهمية لرفاه المرأة ونمّوها. وأرحب بقرار المحكمة الدستورية الكولومبية في شباط/ فبراير بعدم تجريم الإجهاض، بعد التطورات الإيجابية على المستوى العالمي، بما في ذلك مؤخرًا في الأرجنتين والمكسيك في ما يتعلق بهذه الحقوق.

لقد حان الوقت لإحداث تقدّم، لا لفرض المزيد من القيود على هذه الحقوق الأساسية، كما هو قيد النظر في الولايات المتحدة الأميركية.

وعندما عرضت آخر المستجدات على هذا المجلس في آذار/ مارس، شددتُ على الاتجاه المقلق لتقليص الحيز المدني، بما في ذلك الاعتداءات على المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين، والقيود غير المبررة على حرية التعبير ووسائل الإعلام. لا تزال هذه الاتجاهات مستمرّة.

وفي البرازيل، أشعر بالقلق من التهديدات الموجهة ضد المدافعين عن حقوق الإنسان البيئية والشعوب الأصلية، بما في ذلك التعرض للتلوث من خلال تعدين الذهب بطريقة غير قانونية. كما تثير الحالات الأخيرة من عنف الشرطة والعنصرية الهيكلية القلق، وكذلك الاعتداءات على المشرعين والمرشحين، لا سيما المنحدرين من أصل أفريقي والنساء والمثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهويّة الجنسانية وحاملي صفات الجنسَيْن، قبل الانتخابات العامة المنعقدة في تشرين الأوّل/ أكتوبر. أدعو السلطات إلى ضمان احترام الحقوق الأساسية والمؤسسات المستقلة.

في الاتحاد الروسي، يثير الاعتقال التعسفي لعدد كبير من المتظاهرين المناهضين للحرب القلق البالغ. فقد اعتَمَد القانونُ الجنائي عددًا من القيود، بما في ذلك حظر نشر المعلومات بناءً على مفاهيم غامضة ومبهمة، بما في ذلك "الأخبار الكاذبة" أو "المعلومات غير الموضوعية". وتؤسفني أيضًا زيادة الرقابة والقيود المفروضة على وسائل الإعلام المستقلة.

وفي طاجيكستان، يجب احترام معايير الإجراءات القانونية الواجبة في حالات الانتهاكات المزعومة لحقوق الإنسان ضد الناشطين والصحفيين والمدونين. وأشجع الحكومة على السعي إلى التواصل البناء مع جميع المجتمعات المحلية، وإلى حماية حرية التعبير للجميع والوفاء بالتزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان.

أصحاب السعادة،

كان من المفترض أن تحمينا العولمة المتزايدة، التي جلبت معها مصالح اقتصادية وتكنولوجية متقاربة، من الانقسام.

لكننا نشهد اليوم عكس ذلك.

نشهد استقطابًا أعمق، حيث تدفع الأحداث والسلوك العالمي الدول إلى مزيد من التباعد، ويبقى بعضها أكثر جرأة في مواقفها، والبعض الآخر عالق في مرمى النيران.

في مثل هذه البيئة، يراوح الحوار مكانه.

ولا يمكن إجراء الحوار المطلوب من أجل إحداث تغيير حقيقي إلا عندما تتم متابعة التحديات واضعين هدفًا مشتركًا نصب أعيننا، مع التركيز على ما يوحدنا لا على ما يفرقنا.

أحث الجميع على حشد شعور أكبر بالمسؤولية الجماعية والطموح الذي يضع الناس وحمايتهم وحقوقهم في المقام الأول.

يمكننا بعد ذلك إحراز التقدّم معًا، واثقين من مسارنا في تأمين حياة كريمة للجميع.

سيّدي الرئيس،

أصحاب السعادة،

مع اقتراب فترة ولايتي كمفوضة سامية من نهايتها، تبقى هذه الدورة الخمسون آخر دورة أعرض خلالها آخر المستجدّات. ويظل هذا المجلس، على الرغم من اختلاف أعضائه، محوريًا لحماية وتعزيز حقوق الإنسان التي تكمن في صميم إنسانيتنا المشتركة. لقد أثبت قدرته على تحقيق هذه الغاية، ولذلك أشجعكم جميعكم على مواصلة السعي إلى الحوار، والاستعداد إلى الإصغاء إلى الآخر، وفهم وجهات النظر المختلفة والعمل بنشاط من أجل تحديد أرضية مشتركة، باعتبارها من الشروط الأساسية الضرورية للتوصّل إلى حلول دائمة تعالج التحديات التي تهددنا جميعنا.

كما أنّ أصوات المجتمع المدني بكل تنوّعه ومشاركته تغني أعمال هذا المجلس. لذا، أشجع مجلس حقوق الإنسان على الحفاظ على مساهمات المجتمع المدني الفريدة ومشاركته في هذا المنتدى وعلى تعزيزها.

وشكرًا.

العودة