Skip to main content
x

مداخلة السيد باولو بينهيرو رئيس لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية

العودة

22 أيلول/سبتمبر 2023

الدورة الرابعة والخمسون لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة

جنيف، 22 أيلول/سبتمبر 2023

السيد الرئيس،

أصحاب المعالي،

طاب يومكم،

إن الجمود الحالي في سوريا لا يطاق. لم تنته الحرب بعد، ولا يوجد فائزون نهائيون، ويظل البلد بلدا غير آمن من أجل عودة اللاجئين.

يفر شباب سوريا اليوم من بلدهم بأعداد كبيرة، تاركين خلفهم دولة مجزأة واقتصادا منهارا وبيوتا مدمرة. وفقدوا الشعور بأنهم يملكون مستقبلا في بلدهم.

رغم الجهود الدبلوماسية لضمان استقرار الأوضاع في سوريا، بما في ذلك من خلال إعادة قبولها بجامعة الدول العربية، يعاني السوريون من تفاقم القتال والاضطراب على العديد من الجبهات، ومن اقتصاد على وشك الانهيار، ومن استمرار الانتهاكات والاعتداءات المتصلة بحقوق الإنسان. وبعد ما يقارب 12 سنة، تواصل أطراف النزاع ارتكاب جرائم الحرب وانتهاك حقوق الإنسان الأساسية.

إن التطبيع في غياب معايير واضحة وملموسة لن يفضي إلى الخروج من المأزق، ومن شأنه أن يحكم على السوريين بالمزيد من المعاناة، والمزيد من الدمار، والمزيد من إراقة الدماء. سنشاهد المزيد من الأمهات وهي ترثي أبناءها أو بناتها من القتلى والمفقودين. وينبغي وضع معايير تسمح بمعالجة المظالم الحقوقية التي أدت إلى هذا النزاع.

وبهذه الرسائل نوجه تقريرنا إلى هذا المجلس بشأن الوضع في سوريا خلال نصف السنة المنقضية. وخلال النصف الأول من عام 2023، استمر تعرُض السوريين للقتل والاختفاء والتعذيب والاحتجاز التعسفي والنزوح وسلب الممتلكات، ليس فقط من طرف النظام بل كذلك من طرف ثلاثة من أبرز الجهات الفاعلة المسيطرة على ثلث أراضي سوريا: هيئة تحرير الشام، التي تُصنفها الأمم المتحدة على أنها جماعة إرهابية؛ الجيش الوطني السوري المعارض؛ وقوات سوريا الديمقراطية في شمال شرق سوريا.

إن التقرير المعروض على أنظاركم يُوثق الهجمات والضحايا من المدنيين بسبب أعمال قامت بها القوات السورية وخمسة جيوش أجنبية لازالت تنشط داخل سوريا.

وشنت القوات السورية بمعية القوات الجوية الروسية العديد من الهجمات التي استهدفت شمال غرب سوريا المتضرر من الزلزال، مما أدى إلى وقوع ضحايا مدنيين. وفي أيار/مايو، أدت غارة جوية أمريكية في إدلب إلى وفاة شخص اعترفت القوات الأمريكية لاحقا بأنه كان ربما مدنيا، وبدأت تحقيقا داخليا بشأن هذا الاغتيال. وتسببت ضربات جوية تُعزى على نطاق واسع إلى إسرائيل في قتل وإصابة مدنيين، كما أخرجت عن الخدمة بنى تحتية أساسية في مجال النقل، بما في ذلك في أعقاب زلزال شباط/فبراير.

وشهدت الأشهر الأخيرة كذلك مقتل وإصابة مدنيين في هجمات وقعت بين القوات التي يقودها الأكراد، وتركيا وميلشيات مدعومة من تركيا، على طول خطوط الجبهات في الشمال الشرقي.

وخلال نفس الفترة، استمر انعدام الأمن في جنوب سوريا، ويشمل ذلك الاغتيالات وعمليات الاختطاف والاحتجاز. وخلال حزيران/يونيو، أدت توترات في درعا إلى شن غارات جوية من طرف القوات الجوية السورية، وذلك لأول مرة منذ عام 2018. وخلال الشهر الماضي، أدت هجمة يُعتقد أن الأردن شنها إلى استهداف وقتل مدني يشتبه في كونه تاجر مخدرات، بالإضافة إلى زوجته وأبناءه الخمسة.

ومنذ استكمال التقرير في تموز/يوليو، تواصل قتل المدنيين في أحداث متفرقة في إدلب الكبرى. وخلال آب/أغسطس، اندلعت اشتباكات في دير الزور بين قوات سوريا الديمقراطية والعشائر المحلية، واتسعت رقعتها لتشمل محافظات أخرى، مما أدى إلى إصابة المزيد من المدنيين.

سيدي الرئيس،

يظل داعش نشطا وخطيرا. إن المنطقة الصحراوية وسط سوريا، وهي منطقة تحت سيطرة العديد من القوات الموالية للحكومة، بما في ذلك بعض الميلشيات الموالية لإيران، شهدت اعتداءات وحشية أدت إلى اختطاف وقتل العشرات من المدنيين، قُتِل العديد منهم بطلقات رصاص من مسافة قريبة. وخلال تموز/يوليو، أدت هجمات تبناها تنظيم داعش إلى قتل مدنيين جنوب دمشق في منطقة معروفة باستقطابها للزوار الشيعة.

وفي منطقة شمال شرق سوريا الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، واصلت الشبيبة الثورية الكردية خطف الفتيان والفتيات من أجل إدماجهم ضمن قواتها الأمنية، رغم التزامات قوات سوريا الديمقراطية بحظر تجنيد الأطفال في المناطق التي تسيطر عليها. وتثير الوفيات أثناء الاعتقال بالغ القلق بشأن ممارسة التعذيب وسوء المعاملة أثناء الاحتجاز من طرف قوات سوريا الديمقراطية. وفي مُخيمي الهول والروج، ترقى ظروف العيش إلى مستوى المعاملة القاسية واللاإنسانية والاعتداء على الكرامة الإنسانية بالنسبة لما يناهز خمسين ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال.

ونحيط علما بقيام أربع عشرة دولة بإعادة أكثر من 2300 أجنبي من هذين المُخيمين منذ بداية هذه السنة، من بينهم أكثر من 1800 عراقي. وتُعتبر هذه الجهود أساسية للغاية. وذكرنا منذ سنوات أن الحل الوحيد المتوافق مع حقوق الإنسان بالنسبة للمواطنين الأجانب يتمثل في عمليات الإعادة إلى أوطانهم، سواء من أجل إعادة الإدماج والتأهيل، أو من أجل الملاحقة القضائية حسب الاقتضاء، مع مراعاة كاملة لمبدأ عدم الإعادة القسرية. ومن المهم أن نذكر بأن الأطفال بشكل خاص هم أنفسهم أولا وقبل كل شيء ضحايا لداعش، وينبغي معاملتهم على هذا الأساس.

وخلال تموز/يوليو، عبرت الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا عن استعدادها لمحاكمة ما يناهز ألفي رجل وفتى يقبعون حاليا في معسكرات اعتقال، وطالبت المجتمع الدولي بتقديم الدعم لهذا الغرض. إن المحاكم المحلية التي تديرها قوات سوريا الديمقراطية، وهي من الأطراف الفاعلة من غير الدول، غير قادرة على التعامل مع هذه الأعداد، التي ينضاف إليها ألف سوري محتجز بشكل مستمر بناء على شبهات متصلة بجرائم داعش.

أصحاب المعالي،

في كل أنحاء البلاد، تواصل الجهات الفاعلة من الدول ومن غير الدول ترهيب الناشطين والإعلاميين والتحرش بهم. وفي المناطق الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام، تتعرض الناشطات والمنظمات النسائية بشكل خاص للتهديد ولحملات خطاب الكراهية، عبر شبكة الانترنت وخارجها.

وبالنظر لهذا الوضع، من المدهش أن نرى السوريين في الشوارع يرفعون أصواتهم للمطالبة بالتغيير. وتتزامن المظاهرات في السويداء، التي تشهد أسبوعها الخامس، مع الانتقادات المتنامية للسياسيات العامة في كل المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، في سياق يشهد مستويات غير مسبوقة من الفقر والقمع السياسي المستمر.

ومع تفاقم الكارثة الاقتصادية في سوريا، يتعين على الدول التي تفرض تدابير قسرية أحادية الجانب أن تقوم بمراجعة تأثير هذه التدابير على حياة المواطنين السوريين وعلى الجهات الفاعلة في المجال الإنساني. وينبغي لتلك الدول كذلك الإبقاء على الإجراءات المعتمدة للتخفيف من العقوبات في سياق الاستجابة للزلزال.

ويتعين ببساطة أن تمتنع كل الأطراف عن عرقلة المساعدة الإنسانية الموجهة للمحتاجين. إن الفشل الذريع لمجلس الأمن في التوصل إلى توافق في الآراء لتمديد القرار الخاص بمعبر باب الهوا يُمثل تذكيرا صارخا بالطريقة التي يؤدي من خلالها التسييس إلى حرمان السوريين الأكثر هشاشة من مساعدة هم في أمس الحاجة إليها. إن تأخر الموافقة من طرف النظام، والعرقلة من طرف سلطات الأمر الواقع، والعقبات الإدارية، كلها عوامل أدت في شباط/فبراير الماضي إلى عرقلة الوصول في الوقت المناسب إلى المجتمعات المتضررة في شمال وشمال غرب سوريا. وإذ يُرحَّب بالقرار المعتمد في آب/أغسطس بين الأمم المتحدة والنظام السوري من أجل إعادة فتح المعابر، فإن هذه الترتيبات المؤقتة تعيق الاستجابة الإنسانية، التي ستكون ضرورية على مدى شهور، بل على مدى سنوات قادمة. لماذا تُعتبر مطالبة الأطراف والمجتمع الدولي بضمان تقديم المساعدة الإنسانية العابرة للحدود على النطاق الملائم وبطريقة مستدامة، مسألة مبالغا فيها؟

وعلاوة على ذلك، تظل عودة السوريين إلى بلدهم غير آمنة. وتعرَّض بعض اللاجئين العائدين من دول الجوار، بما في ذلك بعض الأفراد المُرحَّلين بشكل قسري من جانب سلطات حكومية، إلى الاعتقال وسوء المعاملة من طرف القوات الأمنية السورية أو العصابات الإجرامية. وتعرَّض البعض منهم للابتزاز مقابل إطلاق سراحهم، بينما تم تسليم البعض منهم إلى قوات الأمن، كما أصبح بعض الأفراد، من بينهم أطفال، في عداد المفقودين.

وأحاطت اللجنة علما بإعلان محكمة العدل الدولية عن عقد جلسات استماع علنية بشأن الإجراءات الموجهة ضد الجمهورية العربية السورية ارتباطا بالتزاماتها بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب. وتُعد هذه المرة الأولى التي تدعى فيها الدولة السورية إلى الدفاع عن سجلها. وينبغي ضمان مشاركة الناجين وأهاليهم في هذه الإجراءات على نحو هادف.

أصحاب المعالي،

نرحب ترحيبا حارا بقرار الجمعية العامة في حزيران/يونيو بشأن إنشاء مؤسسة مختصة بالأشخاص المفقودين داخل سوريا، وهو الأمر الذي طالبت به اللجنة منذ سنوات عديدة، بما يتماشى مع رغبات ودعوات جمعيات الأسر السورية والمنظمات النسائية. وتدخل هذه المبادرة بكل تأكيد ضمن المسار الإنساني. ونتوقع من الحكومة ومن كل الجهات المسؤولة ومن المنظمات التي تتوفر على معلومات بشأن عشرات الآلاف من السوريين المفقودين و/أو المختفين، أن تتعاون بشكل استباقي مع هذه المؤسسة الجديدة.

أصحاب المعالي، أختتم حديثي كما بدأته. تستحق سوريا منكم أكثر من هذا. إن الإبقاء على حالة جمود لا تشهد ظهور منتصر صريح، ولا مسارات واضحة لتحقيق السلام والعدالة، أمر يضمن فقط خسارة الجميع.

إن الانتهاكات التي قمنا بالإبلاغ عنها قد زرعت بالفعل بذور المزيد من العنف والتطرف خلال السنوات القادمة. وهناك حاجة لاستجابة عاجلة من جانب المجتمع الدولي. ولا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي وأن نترك هذه الأمور تحدث.

العودة