Skip to main content
x

بيان صادر عن مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان نافي بيلاي
بمناسبة

يوم حقوق الإنسان
10 كانون الأول/ديسمبر

العودة

07 كانون الاول/ديسمبر 2010

 

 

منذ إنشاء منظمة الأمم المتحدة قبل 60 عاما، أُحرز تقدم ملموس من أجل تحديد ملامح النظام العالمي لحقوق الإنسان و تنفيذه، و يشمل هذا النظام الحقوق التي يكفلها القانون الدولي لكل واحد منا: شيوخا و شبانا، رجالا و نساء، فقراء و أغنياء، مهما كان نسبنا و المكان الذي ننحدر منه.

 

نعرف أسماء بعض الذين غيروا تاريخ حقوق الإنسان، أي أولئك الذين اضطلعوا بدور طلائعي في الكفاح من أجل إلغاء الرق مثل ويليام ويلبرفورس، أو الذين ساهموا بشكل ملحوظ في تعزيز حقوق النساء مثل غلوريا ستينم و هدى شعراوي و سيمون دي بوفوار. كما نذكر أسماء من قاموا بمناهضة جور الاستعمار مثل مهاتما غاندي، و أمثال مارتن لوثر كينج و نيلسون مانديلا و ريغوبرتا مينشو الذين نظموا حملات لوضع حد لاستهداف الأقليات و الشعوب الأصلية باللجوء إلى العنصرية و التمييز في بُعدَيهِمَا المؤسسي.

 

لكن هذه الوجوه التي تعد مصدر إلهام لم تكن لتحقق هذا التقدم دون أن تحظى بدعم العديد مِن مَن نجهل أسمائهم. بُذلت جهود على مدى 1000 عام لإلغاء الرق، و ما تزال هذه الجهود متواصلة حيث يتم تهريب الكبار و الصغار لاستغلالهم جنسيا أو لإجبارهم على العمل بموجب عقد إذعان. و بعد صراع شاق دام ما يزيد عن 150 عاما، حصلت النساء في أغلب الأقطار على حق التصويت، لكنهن لا زلن محرومات من العديد من الحقوق الأساسية الأخرى.

 

نعترف بأن التقدم المحرز يعود الفضل فيه إلى الجهود المضنية للمئات من الآلاف من الأبطال الذين لا نتغنى بهم، و الذين نصفهم بجماعة المدافعين عن حقوق الإنسان. 

 

ينتمي المدافعون عن حقوق الإنسان إلى مختلف الفئات، فمنهم الأميرات و رجال السياسة، و المهنيون كالصحفيين و الأساتذة و الأطباء، و ذوي المستوى التعليمي الضعيف أو المنعدم. لا يحتاج المدافع إلى مهارات معينة بقدر ما يحتاج إلى الالتزام و الشجاعة.

 

يمكن لكل إمرء أن يُصبح مدافعا عن حقوق الإنسان، و بالنظر إلى مدى امتناننا للآخرين بشأن الحقوق التي يعتبرها العديد منا كمُسَلمَات، فإنه يتعين علينا جميعا أن نصبح مدافعين عن حقوق الإنسان أو أن ندعم من يدافع عن حقوق  الإنسان، و ذلك أضعف الإيمان. يتعرض الآلاف من المدافعين عن حقوق الإنسان كل عام إلى التحرش و الاستغلال و السَجن بشكل غير عادل و القتل. و لذلك نكرس يوم حقوق الإنسان لعام 2010 للمدافعين عن حقوق الإنسان و لكفاحهم الباسل لوضع حد  للتمييز بمختلف تجلياته. ينبغي أن ندافع عن حقوقهم بنفس الحزم الذي يتحلون به إذ يدافعون عن حقوقنا.

 

يحظى بعض الذين يتم سجنهم بطريقة غير عادلة بدعم المجتمع الدولي الذي يعمل جاهدا قصد إطلاق سراحهم، و يمكن لتسليط الضوء على أوضاعهم أن يضمن لهم حماية جسدية، حتى و إن لم يؤدي ذلك دائما إلى إطلاق سراحهم بسرعة. لكن أغلب من يُحتَجَزون من طرف أنظمة قمعية يقبعون في زنزاتهم أو تحت الإقامة الجبرية أو في "مراكز الإصلاح" دون أن يكترث بهم أحد. و في معظم الأحيان تُستَهدف عائلاتهم كذلك.

 

نتذكر و نُوقِر بعض المدافعين الذين يتعرضون للاغتيال، كالصحافية الروسية آنا بوليتكوفسكايا التي اغتيلت أمام مسكنها عام 2006 و المدافع الكونغولي عن حقوق الإنسان فلوريبرت شيبايا باهيزير التي عُثر على جثته داخل سيارته مطلع هذا العام. لكن العالم ما يزال يجهل أسماء العديد من المدافعين غير ذائعي الصيت الذين قُتلوا بسبب إيمانهم بحقوق الإنسان.

 

يُعتبر عمل المدافعين عن حقوق الإنسان حيويا  اليوم أكثر من أي وقت مضى، لأن المئات من الملايين من الأفراد لا زالوا يعانون يوميا بشكل مباشر أو غير مباشر من بعض أشكال التمييز.

 

هناك حوالي 370 مليون شخص من السكان الأصليين، و يعاني السواد الأعظم منهم من التمييز. و حتى في البلدان المتقدمة، فإن الأجل المتوقع لأطفال بعض المجموعات من الشعوب الأصلية يقل بعشرين عاما عن نظيره لدى الأطفال غير المنحدرين من الشعوب الأصلية.

 

و تعاني الأقليات من الفوارق، ففي أمريكا اللاتينية على سبيل المثال، يقبع حوالي 150 مليون شخص من أصول افريقية تحت خط الفقر و يتضررون بشكل يفوق تضرر باقي الفئات الاجتماعية. و على نحو مماثل، فمن بين 650 مليونا من الأشخاص ذوي الإعاقة، يعيش ما يزيد عن الثلثين (426 مليونا) تحت خط الفقر في البلدان النامية.

 

و تعاني النساء اللواتي تشكلن نصف سكان العالم من التمييز المتفشي في بعض المجتمعات، و المرتدي لأزياء تنكرية في مجتمعات أخرى. و من بين الإحصائيات الأكثر إثارة للقلق و للإحباط، نذكر أن عدد الأطفال المحرومين من التمدرس يتراوح بين 70 و 100 مليون طفل، و أن 70 في المئة منهم من البنات.

 

ينضم مائة مليون شخص كل عام إلى قوائم الفقراء لأنهم يظطرون للدفع قبل التمتع بالعناية الصحية. و في العديد من البلدان، فإن فرص الأطفال المنحدرين من أوساط فقيرة من أجل تلقي اللقاح تقل عشرة مرات عن فرص نظرائهم المنحدرين من أسر ميسورة، و إن فرص النساء الفقيرات من أجل الولادة بحضور ممرضة مؤهلة يمكنها حماية حياتهن تقل عشرين مرة عن فرص العشرين في المائة من النساء الثريات.

 

إن المهاجرين الذين يتجاوز عددهم 200 مليون مهاجر، و خاصة من هم في وضع غير قانوني، يواجهون العنصرية و كراهية الأجانب و باقي الأشكال المزمنة للتمييز، سواء في البلدان المتقدمة أو النامية.

 

هناك بعض التحديات المرعبة التي تواجه المدافعين في الحاضر و المستقبل. أُحَيي تصميمهم و سلوكهم الإيثاري. يعملون بدون كلل و يهتمون بكل المواضيع المشار إليها أعلاه، و كذا بمسائل أخرى كالميل الجنسي و أحوال عديمي الجنسية و المسنين و المصابين بداء فقدان المناعة المكتسبة.

 

نجهل بعض المعطيات الإحصائية: لا نعلم كم عدد المدافعين عن حقوق الإنسان، أو عدد الذين يتعرضون للتهديد و للتحرش و للتعذيب و للسَجن و للقتل كل عام. و فشلنا كذلك في تطوير مناهج تسمح لنا بقياس نجاحاتهم التي لا يتلقون التهنئة عليها بقدر ما يتلقاها الساسة أو الحكومات التي تستمع إليهم أو ترضخ لضغوطاتهم. نحتاج إلى العمل بشكل أفضل للدفاع عن المدافعين.

 

يشهد القرن الواحد و العشرون ظهور قوى سياسية و اقتصادية جديدة و التي، شأنها شأن القوى السابقة، سيتعين عليها الاضطلاع بمسؤولياتها في مجال النهوض بالإنماء داخليا و خارجيا، و القبول بالمساءلة بشأن عملها. يؤدي المدافعون عن حقوق الإنسان دورا حاسما في هذه العملية، عن طريق الإشارة إلى مكامن الخلل و إلى المزايا التي تنطوي عليها السياسات و الإجراءات الحالية و المستقبلية. لكن، و على الرغم من الخدمات التي يسدونها للمجتمع، يعاني المدافعون عن حقوق الإنسان في بعض أنحاء العالم من التحرش و الاضطهاد و من القيود التي تُفرَض على أنشطتهم و على حريتهم في التعبير.

 

بمناسبة يوم حقوق الإنسان، أناشد كل الحكومات ان تعترف بأن الانتقاد ليس جريمة، و ان تعمل على  إطلاق سراح كل الأفراد الذين اعتُقِلوا بسبب ممارسة حرياتهم الأساسية بطريقة سلمية قصد الدفاع عن المبادئ الديمقراطية و حقوق الإنسان. 

العودة