Skip to main content
x

تورك يدعو إلى إدارة مخاطر الذكاء الاصطناعي بيقظة وتأنِ، والتركيز على حقوق الناس

العودة

30 تشرين الثاني/نوفمبر 2023
أدلى/ت به: مفوّض الأمم المتّحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك

أيها الأصدقاء والزملاء الأعزاء،

نحن أمام لحظة محورية من تاريخنا. ويتزامن الاحتفال بالذكرى السنوية الـ75 لاعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مع فترة من التغييرات السريعة والتحويلية في مجال الذكاء الاصطناعي، لا سيما الذكاء الاصطناعي التوليدي.

ينطوي الذكاء الاصطناعي التوليدي على تناقض يلازم تقدّمه. فمن ناحية، بإمكانه أن يُحدث ثورة في طريقة عيشنا وعملنا وأن يعالج بعض أكثر تحدياتنا تعقيدًا. ومن ناحية أخرى، يتسبب في تفاقم المخاطر العميقة التي قد تقوض كرامة الإنسان وحقوقه. وبالتالي، من الضروري للغاية أن نضمن ترسيخ حقوق الإنسان في صميم دورة حياة تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي، وتضافر الجهود بين الحكومات والشركات بغية اعتماد أطر فعالة لإدارة المخاطر، وحواجز حماية تشغيلية.

أعرب عن قلقي المتزايد حيال قدرة التكنولوجيات الرقمية على إعادة تشكيل المجتمعات والتأثير على السياسة العالمية. فمن المقرر عقد 70 جولة انتخابية تقريبًا في العام 2024، في بلدان يعيش فيها 4 مليارات شخص، وقد يؤدّي التضليل الرقمي وحملات المعلومات المضلّلة دورًا بارزًا في هذا الصدد. ومن الضروري للغاية أن نقف حصنًا منيعًا في وجه التضليل والتلاعب بالمعلومات.

ويجب إجراء تقييم شامل للمجالات المتعددة التي يؤثّر عليها الذكاء الاصطناعي تأثيرًا تحويليًا، بما في ذلك المخاطر المحتملة التي تهدّد عدم التمييز والمشاركة السياسية والوصول إلى الخدمات العامة وتآكل الحريات المدنية. لهذا السبب يسعدني أن أشهد اليوم صدور ’تصنيف أضرار الذكاء الاصطناعي التوليدي التي تنتهك حقوق الإنسان‘ ضمن إطار مشروع الأعمال التجارية وحقوق الإنسان والتكنولوجيا، الذي يساهم في تعزيز فهمنا للمخاطر الحالية والناشئة.

أوّلًا وقبل كل شيء، يحتاج الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى الإدارة والحوكمة. ويجب أن تترسّخ إدارته في حقوق الإنسان. كما يجب أن تكون قادرة على تعزيز السلوك التجاري المسؤول، والمساءلة عن الأضرار التي تتسبّب بها الشركات.

وتوفر المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان، والمبادئ التوجيهية لمنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي بشأن السلوك التجاري المسؤول، وكلاهما مستخدم على نطاق واسع، حواجز حماية متينة للدول والشركات، كما تمهد الطريق لتطوير الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول. لكن المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة والمبادئ التوجيهية لمنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي لا تكفي وحدها لمواجهة التحديات التي يطرحها الذكاء الاصطناعي. فسوء الاستخدام المحتمل لتكنولوجيات الذكاء الاصطناعي من جانب الدول أو العصابات الإجرامية يتطلب مجموعة من الأطر القانونية والتنظيمية والمتعددة الأطراف. وينبغي أن تترسّخ جميع هذه المعايير في القواعد الدولية لحقوق الإنسان، بما في ذلك المعايير التي سبق وحددت مسؤولية المؤسسات التجارية والمستثمرين في مجال حقوق الإنسان.

نشهد حاليًا اعترافًا واسع النطاق بالحاجة إلى إدارة الذكاء الاصطناعي، لكن المبادرات السياساتية المتعددة القائمة حاليًا غير متسقة في معظمها، وغالبًا ما تفشل في إيلاء حقوق الإنسان التركيز المناسب. ما يؤدي إلى تفتت المشهد التنظيمي، مع تباين التعاريف المتعلّقة بالسلوك الأخلاقي والمخاطر المقبولة.

بإمكان المبادرات المُنَظَّمَة، على غرار مشروع الأعمال التجارية وحقوق الإنسان والتكنولوجيا الخاص بالذكاء الاصطناعي التوليدي، أن توفر فهمًا أوضح لآثار الذكاء الاصطناعي المحتملة على حقوق الإنسان، ووضوحًا أكبر بشأن الإجراءات المطلوبة من الدول والشركات، ما يدلّنا على الطريق الصحيح نحو إدارة أكثر اتّساقًا.

نحن بحاجة إلى أن تحمي جميع الدول الأفراد من انتهاكات حقوق الإنسان التي يسببها الذكاء الاصطناعي. ما يعني أنه يتعين على جميع الدول مواءمة أطرها التنظيمية مع التزاماتها بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان.

وعلى الشركات التأكد من أن خوارزميات الذكاء الاصطناعي والعمليات التشغيلية ونماذج الأعمال الخاصة بها تضمن احترام حقوق الإنسان. كما لا بد من بذل العناية الواجبة بشكل حثيث، وإيلاء الفئات السكانية الأكثر تعرضًا للخطر الاهتمام المطلوب، وترسيخ منع انتهاكات حقوق الإنسان في صميم القرارات المتعلقة بالأعمال التجارية.

وستواصل مفوضيتنا توجيه الانتباه إلى ضرورة توفير سبل انتصاف فعالة لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان الناجمة عن الذكاء الاصطناعي. وعلى شركات التكنولوجيا الاعتراف بمسؤوليتها وبالفوائد الاجتماعية المتأتية عن المساهمة في أنظمة جبر الضرر والانتصاف الناجحة. وفي نهاية المطاف، يقع على عاتق الدول واجب أساسي يتمثل في ضمان معالجة الأضرار التي تهدّد حقوق الإنسان، بما في ذلك إجبار المؤسسات التجارية على اتخاذ الإجراءات المناسبة.

ليس الذكاء الاصطناعي التوليدي بظاهرة محلية أو وطنية. بل يؤثّر على الجميع من دون أي استثناء ويتطلب نهجًا عالميًا وقائمًا على التعاون. نحن بحاجة للتأكد من أن حماية حقوق الناس تشكّل محور هذا النهج. وهذا لا يتطلب الحوار فحسب بل المبادرة إلى العمل أيضًا، إلى عمل ينهل من الحكمة الجماعية وتوجيهات الأطر القائمة. كما يجب أن يوحد تعاوننا الدول والشركات والمجتمع المدني والأفراد في مهمة مشتركة، وهي ضمان أن يخدم الذكاء الاصطناعي مصالح البشرية الفضلى، ويشارك في بناء عالم لا تخدم فيه التكنولوجيا مصالح الأثرياء والأقوياء فحسب بل تمكّن العالم بأسره من النهوض بكرامة الإنسان وحقوقه.

وشكرًا.

العودة